ناديا هاشم العالول
يتفق الكثيرون على ان الاستثمار ثقافة او قد يختلفون ولكن المنطق يشير الى صحة هذه المقولة لأكتب حولها بعد متابعتي مؤخرا لموضوع جلسة حوارية شيقة « السياسات الاقتصادية والعدالة الإجتماعية «.. أي ان العدالة الاجتماعية يمكن تحقيقها عبر السياسات الاقتصادية المناسبة من خلال ربط المكتسبات المادية بالمكتسبات المعنوية الإنسانية عبر توزيع عادل للثروات متيحين فرص العمل منصفين بالأجور بعيدا عن التمييز..الخ مضيفين من جانبنا بأن المجتمعات النامية بما فيها العربية قد أخفقت بتحقيق العدالة الإجتماعية بغض النظر عن التفاوتات الإقتصادية والتنموية التي بينها ، جاعلة منها معاناة أزلية تعيق من تحقيق التنمية القائمة على العدالة الاجتماعية بمثابة مهمة مستحيلة بسبب انخراط العديد من الدول في تطبيق سياسات تكريس الفقر والتهميش والإقصاء وعدم المساواة، أدت بمجموعها الى تراجع بتوزيع مكتسبات التنمية التي انحصرت بيد القلة القليلة التي هي أصلا موسرة مما فاقم ثرواتها في حين تفاقم الفقر عند الطبقات الفقيرة حتى الوسطى تآكلَ بنيانها لتهبط نسبة كبيرة من شريحتها الى غياهب جُبِّ الفقر بجيوبه المرئية والمستترة.. ناهيك عن البطالة المنتشرة والتي بلغت (7 ,14 ) % وفق الإحصائيات الرسمية عندنا، والتي تعاظمت مؤخرا نتيجة أعداد المهاجرين الذين يتسابقون لعرض مهاراتهم بسوق العمل قانعين بأقل الأجور، مما جعل داء البطالة يتفشى لحد كبير وبخاصة بين جيوش الشباب الخريجين المنتظرين وظائفهم على باب ديوان الخدمة المدنية لحد الملل والضجر.. وما اهونهما لو توقف الأمر عند حدودهما قياسا لما يمكن ان تحدثه هذه القنبلة الموقوتة العاطلة عن العمل بانخراطها فيما لا يجدي ولا يفيد بل فيما يضر ويؤذي النفس والغير والأمثلة كثيرة تعرضها مشتقات مسلسل الربيع العربي! وحتى نتجنب كل داءات الفقر والبطالة وحتى نخطو على الطريق الصح دعونا نتوقف عند «العدالة الاجتماعية» ، فبالرغم من التنوع الكبير في مفهوم العدالة الاجتماعية، والتعريفات التي لا تحصى لها، فالأبحاث تجمع على ضرورة توافر اعلى عدد من العناصر لتحقيق العدالة الاجتماعية أبرزها : * المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص،* التوزيع العادل للموارد والأعباء،* الضمان الاجتماعي،* توفير السلع العامة،* العدالة بين الأجيال.. وللأسف تكاد معظم هذه العناصر ان تكون مفقودة بجدول العدالة الاجتماعية في البلاد العربية صحيح ان للتشريعات وللسياسات المراعية لحقوق الإنسان لها دور فاعل لو تم تطبيقها فعليا عبر «إدارة رشيدة «، ناهيك عن «الإستثمار» الذي يغفل بعضنا عن إدراجه بخطط التنمية.. الخ منبهين بدورنا إلى أهمية «الثقافة» فهي أساس السياسات الاقتصادية واية سياسات أخرى. ..فبقدر ما أن «الاستثمار» يشكّل جزءا هاما بالتنمية الاقتصادية التي تحتاج الى «إدارة حكيمة رشيدة» تحتاج بدورها الى ثقافة تتداخل بصميم نسيج حقولنا العملية إذ لا يجب فصلها عن أي عمل او سلوك.. ثقافة موضوعية تراعي الآخر.. فإن كانت الثقافة حميدة كان القول والفعل والسلوك والعمل والإنجاز والإنتاج على الصعد كافة كلها برمتها حميدة.. فكلمة الثقافة تعود اصولها للفعل «ثقِف « مكررينها على المسامع لعلها تقرع ناقوسا بوادي النسيان..و» ثقف «اي صحّح وقوّم ، وكانت تُستعمَل ل تثقيف الرمح – تصحيحه من الإعوجاج.. وتثقيف الإنسان لا يتوقف عند حدود التعليم فقط بل تطبيق هذا التعليم على ارض الواقع فيصبح الفرد حينها مثقفا ، فتصبح عاداته صحيحة حميدة ، وبتراكمها تؤدي لسلوك صحيح يتراكم مجموعه وجمعيته خالقا ثقافة رفيعة تؤكد على ان هذا الشعب او ذاك متطور او العكس تماما.. علما بأن تراكم الثقافات يؤدي بدوره الى قفزة نوعية توصل إلى «الوعي «..وهكذا..فإن ادخلنا دوما مفهوم الثقافة وممارساتها باعمالنا وإدارتنا ضَمِنا سياسات إقتصادية وإجتماعية وبيئية وتعليمية وسياسية وصحية.. الخ تكفل الإنسان ماديا ومعنويا.. ولكن للأسف عندما يحاول بعضهم الاستثمار بمشروع معين مهما كان متواضعا فإنه علية ان يحضّر نفسه لماراثون يقطعه ذهابا إيابا برحلة الشتاء والصيف علّه يحصل على الرخصة النهائية المأمولة وربما لا ، فيطفش هو ورأسماله مرددا اغنية فؤاد المهندس بأحد افلامه الفكاهية وهو يروي معاناته بالتنقل بين الدوائر المختلفة فيقول: رحنا الأذونات قالوا بالكشوفات رحنا الكشوفات قالوا بالحسابات.. رحنا الحسابات قالوا بالواردات.. رحنا الواردات قالوا بالصادرات.. وهكذا حتى طفش وتنازل عن استثماره.. يا عالَم أما آن الأوان لندرك بأن الثقافة هي الأساس وهي ليست مرتبطة بالرسم والكتابة والموسيقى.. الخ فقط انها مرتبطة بكل نسمة نستنشقها.. وكل كلمة نتفوّه بها وكل عمل نقوم به.. إنها ثقافة القول والعمل والسلوك.. فهي لَبِنَة التربية والتعليم في الأسرة والمدرسة والشارع والمؤسسة..مطبقين العلم على العمل.. فإما ان تكون ثقافة طاردة او جاذبة وما علينا سوى ان نختار.. ونتقن فن الاختيار ! ! hashem.nadia@gmail>