د.رحيل محمد غرايبة
ما تعرض له الأردن والأردنيون في حادثة الكرك وقلعتها، يمثل محطة مهمة في تاريخ الصراع الحديث في المنطقة، حيث قضى في هذه الموقعة عشرة شهداء من رجال الأمن العام والدرك والمواطنين، الذين هبوا للمشاركة في عملية المواجهة، وأصيب عشرات الجرحى، وهذا يمثل حجماً كبيراً من الخسارة، وليس المقصود حجم الخسارة بقدر ما ينبغي التوقف عنده من مؤشرات ودلالات ودروس من أجل الاستعداد للمستقبل. لا أعتقد أن الحادث يشكل أمراً معزولاً عما يجري في دول المحيط العربي، وهو ليس مجرد حدث فردي عابر، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مجموعة الحوادث السابقة سواء في إربد أو الركبان أو البقعة؛ ما يجعلنا نستشعر الخطر، من أجل مزيد من الفهم ومزيد من الحذر ومزيد من اليقظة ومزيد من الحيطة والاستعداد للمستقبل الأشد صعوبة والأشد خطورة.
ما يجري في سوريا وما يجري في حلب يشكل انعطافة جديدة واستدارة في عملية إدارة المشهد فهناك تحولات واضحة في سياسة الإدارة الأمريكية مع مجيء «ترامب»، وهناك تغيرات كبيرة في التحالفات الإقليمية خاصة في العلاقة الروسية- التركية التي تمثل تغيراً كبيراً في المشهد السياسي برمته، وسوف ينعكس ذلك على المنطقة بأسرها ومنها الأردن بكل تأكيد، بالإضافة إلى بروز تجاه واضح في تبدل المواقف والتحالفات على الصعيد العربي وخاصة في العلاقة السعودية – المصرية التي أخذت مساراً ومنحنى مختلف.
على الصعيد المحلي الأردني والذي لا يقل أهمية عن الصعيد الإقليمي، فلا بد من تمتين الجبهة الداخلية والتأكد من وحدة الصف الداخلي ومعالجة الاختلالات الداخلية لأن ذلك يمثل ضرورة ملحة، ومصلحة وطنية عليا، حيث لا سبيل إلى حفظ الدور الأردني وحفظ موقعه في خارطة التحالفات المتغيرة على مستوى المنطقة والإقليم، إلّا من خلال قوته الذاتية وموقفه الصلب الموّحد المعزز بالالتفاف الشعبي العميق.
بناء الجبهة الداخلية في هذا السياق يقتضي الوقوف الجاد والصارم على مجموعة من المسائل والقضايا الدقيقة:
المسألة الأولى تتمثل بضرورة الإقدام على مراجعة شاملة لمجمل السياسات الأمنية على ضوء التحقيقات والمعلومات الموثقة، المتعلقة بالخلايا النائمة والنشطة وتمدد بعض الحواضن المجتمعية لظاهرة التطرف في بعض مناطق المملكة، والوقوف على ما يتعلق بهذه الظاهرة من خطوط إمداد وتواصل بالرجال والمال والسلاح مع دول المحيط الملتهب وغير المتلهب، حيث تفرع عن هذه الظاهرة تجارة سلاح واستثمار وأدوار محتمله للقوى العالمية والإقليمية.
المسألة الثانية تتمثل بضرورة الإسراع بوتيرة الإصلاح السياسي، ليكون عنواناً للإصلاح الوطني الشامل، وهذا يقتضي البدء بتدشين مرحلة حزبية جديدة قائمة على ثقافة البرامجية الواضحة البعيدة عن الانتماءات الدينية والمذهبية والقومية والجهوية، وأن تكون كلها مدنية وطنية منتمية للدولة الأردنية ودستورها وقانونها، مع ضرورة التخلص من منطق العشائرية السياسية التي لا تصلح أن تشكل بديلاً للعمل السياسي الحزبي البرامجي المنظم.
المسألة الثالثة تتمثل بضرورة الإقدام على خطوة جريئة وكبيرة في محاربة الفساد واجتثاث جذوره، من خلال محاسبة المتورطين في السطو على المال العام بلا هوادة، وتطهير الوظائف ومواقع المسؤولية من كل المحسوبيات والشلليات وأبناء الذوات، لأن ذلك يمثل أكبر عامل من عوامل التحريض والتعبئة ضد الدولة وضد نظامها السياسي، ولذلك يجب التضحية بهذه الفئة والإطاحة بها من أجل حفظ الأردن وبقائها في مواجهة العواصف القادمة.
المسألة الرابعة تتمثل بضرورة الشروع بعملية تجديد وتطوير تربوي وتعليمي وإعداد فكري ثقافي رصين ؛ وفق خطة شاملة تنبثق عن مؤتمر وطني عام يحدد الرؤية والمرجعية والمسارات التي تحظى بتوافق المجتمع الأردني كله، ويجب البعد عن حالة الاستقطاب بين المتدينين وأعداء الدين في هذه القضية بطريقة حازمة.
المسألة الخامسة تتمثل بضرورة بناء الاقتصاد الأردني الانتاجي القائم على الذات، وتشكيل الشباب الأردني عبر المشاريع الانمائية الصغيرة بعيداً عن الارتهان للمنح الخارجية ومكارم الدول الصديقة العربية وغير العربية، وضرورة إشغال الشباب بالعمل المنتج الذي يشكل العقل والوجدان معاً، وإشعال بذرة الحوار الواسع الذي يغطي كل شرائح الشباب في كل مواقعهم.