د.رحيل محمد غرايبة
معظم معارك الجدل المحتدم بين المثقفين أحياناً، وأحياناً أخرى بين أنصاف المثقفين، وبين السياسيين وأتباعهم وأشباههم في مجتمعاتنا العربية ومجتمعنا الأردني، ما هي إلّا امتداد لمعارك تاريخية قديمة، اكتسبت طابعاً ثأرياً يقوم على تسديد الحسابات في الأعم الأغلب، وتأخذ طابع التجييش والتعبئة من أجل الانتقام، وليس من باب البحث عن الحقيقة وإنصافها، وإن وجد بعض المنصفين وهم موجودون بكل تأكيد، ولكنهم قلة قليلة يجري توظيف أقوالهم بطريقة تخلو من العلمية والموضوعية، وتخلو من الجدال بالتي هي أحسن، حيث يصدق فينا المثل العامّي الذي يقول : «المسألة ليست رمّانة وإنما قلوب مليانة». نحن نملك قلوبا مليئة بمخلفات مرحلة غابرة قائمة على فكرة الاستقطاب والانقسام والتعصب، وقيام الأحزاب والمجموعات على هذه الأسس، حيث يرى كل فريق أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وتفترض فيمن يخالفها الرأي الجهل والعمالة والخيانة، أو الكفر والزندقة، وبناءً على هذا التوصيف لا مجال للعيش المشترك، ولا لقاء في منتصف الطريق، ولا مجال للمساومة أو المفاوضة، ومن نشأ وترعرع على هذه الثقافة لا يجد أمامه سوى استخدام القوة والعنف والسلطة القامعة. ثقافة عدم الاعتراف بالآخر وعدم الاعتراف بحقه في الحياة وحقه في المواطنة فضلاً عن حقه في حرية الرأي والمشاركة في السلطة وإدارة الدولة؛ تتخذ أنماطاً متعددة وأشكالاً مختلفة من التعبير، سواء على صعيد السلطة أو على صعيد من يطمح للوصول إلى السلطة، وسواء كان عن طريق الصندوق أو عن طريق القوة والعنف، فبعضها يأخذ شكل الحرب المذهبية، وبعضها يأخذ شكل التطهير الطائفي، وبعضها حرب موت أو حياة بين السلطة والمعارضة، ولا يقل عنهم من يستخدم وصف عملاء الأمريكان والرجعية والظلامية تجاه من يخالفه الرأي، أو من يستخدم لفظ الكفر والزندقة، فكله سواء، وكلهم لا يطيق العيش مع الآخر ولا يرى النصر والسعادة إلّا بإزالة من يخالفه عن وجه الأرض، ويغيبه خلف الشمس. الجدل المحتدم حول المناهج لا يخرج عن مخلفات هذه المرحلة، وهي استمرار لآثار المرحلة السابقة، حيث أننا ما زلنا غير قادرين على إجراء حوارات حضارية هادفة، وما زلنا نفتقر إلى ثقافة الإصغاء والاستماع إلى الرأي المخالف، ونبتعد كثيراً عن أسلوب الرد العلمي المنطقي، ونبتعد عن طريقة طرح الحلول، ونسارع إلى إطلاق الاتهامات، ووضع الآخر في خانة العداء. ليس صحيحاً أن المناهج التربوية من وضع الإخوان المسلمين ومخلفاتهم اعتماداً على استلام د. اسحق الفرحان لوزارة التربية والتعليم عام (1970) ، لمدة عام أو عامين، في حين أن «ذوقان الهنداوي» البعثي القومي استلم وزارة التربية والتعليم ما يزيد على إحدى عشرة مرة، واستلم الوزارة عبد الوهاب المجالي وعبد الرؤوف الروابدة وعدنان بدران، وخالد طوقان وابراهيم بدران، وطاقم من الشخصيات الأردنية لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمان، مما يؤكد أن من يسعر الحرب لا يهدف إلى الانصاف وإلى بيان الحقائق، بقدر ما يتم الاعتماد على التجييش والتعبئة والتعمية وتفجير القنابل الدخانية. ما يمكن التأكيد في هذا السياق عليه أن مسألة المناهج قضية وطنية بامتياز، تهم الشعب الأردني كله، مما يحتم عدم استئثار فريق ما بهذه المسألة ولا يجوز استبعاد فريق آخر منها، وإنما المطلوب أن يتم تشكيل فريق وطني مختص يمثل الشعب الأردني، ويعبر عن هويته وثقافته العروبية الإسلامية الأصيلة، بعيداً عن التسييس، وبعيداً عن التجييش وبعيداً عن معركة الاستقطاب وردات الفعل وتسديد الحسابات.