بقلم : عبدالله محمد القاق
اشتعل النقاش وتسارعت ردود الأفعال المنددة بنقض الكونغرس لفيتو الرئيس الأميركي على قانون «العدالة ضد الدول الراعية للإرهاب» المعروف بـ «جاستا»، فقد حذرت البحرين من ان إقرار الكونغرس الأميركي للقانون سيرتد على واشنطن نفسها. وقال وزير الخارجية البحريني خالد بن احمد الخليفة في تغريدة عبر حسابه على موقع «تويتر»: ان «قانون جاستا سهم اطلقه الكونغرس الأميركي على بلاده»، مضيفا «أليس فيكم رجل رشيد؟!». وكذلك حذرت أوساط غير رسمية في المملكة العربية السعودية وحلفائها من أن القانون الذي يتيح لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بمقاضاتها ستكون له تداعيات سلبية، حسب ما أكدت «أسوشيتد برس». وفي الواقع فإن المملكة تحتكم إلى ترسانة من الوسائل التي تكفل لها رد الفعل من ضمنها تجميد الاتصالات الرسمية وسحب مليارات الدولارات من الاقتصاد الأميركي وإقناع أشقائها في مجلس التعاون الخليجي بالحذو حذوها واتباع سياستها التي قد تشمل تجميد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي والاستثمار والسماح للقوات المسلحة الأميركية باستخدام قواعد المنطقة العسكرية. وقال عبد الخالق عبدالله، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة الإمارات «ينبغي أن يكون واضحا لدى الولايات المتحدة وبقية العالم انه إذا تم استهداف دولة من دول مجلس التعاون بكيفية غير عادلة فإن باقي أعضاء المجلس سيدعمونها». وشدد على أن جميع أعضاء المجلس سيساندون المملكة بكل ما يملكونه وبكل الطرق والأساليب. وقد أظهرت المملكة العربية السعودية خبرة في التعامل مع مثل هذه المواقف في التعامل مع مواضيع إقليمية ودولية من ضمنها التعامل مع حملة استهدفتها من قبل وزارة الخارجية السويدية العام الماضي، دفعت استكهولم إلى التراجع عن مواقفها تحت وطأة الرد بعقوبات اقتصادية ضدها من قبل مجلس التعاون وحلفائه. واعتبر مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الأمن الدولي شاس فريمان الذي شغل منصب سفير واشنطن في الرياض أثناء عملية عاصفة الصحراء، أنه بإمكان السعودية الرد على القانون بأساليب من شأنها أن تضع مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية على المحك، مثل السماح وإجازات التحليق بين الأجواء الأوروبية والآسيوية واستخدام قواعد عسكرية في المنطقة تعد ضرورية لعمليات الجيش الأميركي في أفغانستان والعراق وسورية. وأوضح قائلا «من الممكن أيضا أن يتسبب القانون في تجميد الاتصالات والعلاقات والإضرار بالتعاون بين الولايات المتحدة والسعودية فيما يخص مكافحة الإرهاب». من جهته، قدر جوزيف غانيون، الباحث في معهد باترسون للاقتصاديات الدولية حجم الأصول الرسمية السعودية في الولايات المتحدة بين 500 مليار دولار وتريليون دولار. وحتى أغسطس، تمتلك المملكة 96.5 مليار دولار في أصول تحت إدارة وزارة الخزانة تجعل منها المستثمر رقم 15 في لائحة مالكي أصول الخزانة الأميركية. كما اعتبر المدير التنفيذي للمجلس الاقتصادي السعودي - الاميركي إد بورتون أن هناك عددا من الصفقات التي قد يلحق قانون «جاستا» ضررا بها. من جهته، حذر رئيس غرفة التجارة الأميركية - العربية ديفيد هامون من أنه لدى المملكة العربية السعودية حرية أن تختار شركاء من أوروبا وآسيا معتبرا أن الولايات المتحدة لم تعد وحدها «اللعبة الموجودة في المدينة.. ولا أحد يمكنه التكهن بالأسلوب الذي سترد به المملكة العربية السعودية. وحذر الباحث في جامعة براون ستيفن كينزر من أن ردود الفعل قد لا تأتي مباشرة من السعودية وإنما من دول مرتبطة بها أو تجمعها بها علاقات استراتيجية. وقال إن ثمانية عقود من العلاقات السعودية - الأميركية بصدد الدخول في عهد جديد، فيما أوضح عبدالخالق عبدالله أنه يتوقع أن يرى مجلس تعاون خليجيا يتصرف بحزم وباستقلالية عن الولايات المتحدة في مناطق مثل اليمن والبحرين ومصر، قائلا «الأمر لا يتعلق بمجرد تهديد.. إنه واقع». وتعاون المملكة واميركا في مجال مكافحة الإرهاب لم يتأثر بحرارة العلاقة السياسية. وتشارك السعودية منذ صيف 2014، في التحالف الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش. ويقول رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية ـ الأميركية سلمان الأنصاري ان «هذه الشراكة ساهمت في تزويد السلطات الأميركية بمعلومات استخبارية دقيقة»، مبديا خشيته من ان تكون للقانون الجديد «انعكاسات استراتيجية سلبية». وأوضح الأنصاري «السعودية طعنت في الظهر من خلال هذا القانون غير المدروس وغير الواقعي»، سائلا «كيف يمكنك مقاضاة بلد يتعاون واياك في مجال، هو نفسه الذي توجه له فيه اتهامات غير مسندة؟». وبحسب المستشار الأول مدير برنامج الأمن والدفاع ودراسات مكافحة الإرهاب في مركز الخليج للأبحاث مصطفى العاني، فإن على السعودية «تقليص الاستثمارات المالية في الولايات المتحدة، وتقليص التعاون السياسي والأمني» مع واشنطن. ويرى الصحافي والمحلل السعودي جمال خاشقجي انه «سيكون صعبا جدا على المملكة العربية السعودية ان تواصل التعاون الاستخباري» مع الولايات المتحدة بعد ان اتخذت الأخيرة «موقفا عدائيا كهذا». وأضاف ان المسؤولين السعوديين قد يكونون في خضم اجراء مناقشات حول رد فعلهم «او سينتظرون الى ان يتم تقديم الدعوى الاولى». الا ان المعلق السعودي يشدد على وجوب التروي في أي خطوة. ويقول «من المهم ان يكون الأميركيون الى جانبنا» لمواجهة أزمات المنطقة، خصوصا في سورية واليمن، والخصم الاقليمي الأبرز ايران. ويرى خاشقجي ان على الرياض اجراء إعادة تقييم «في الداخل» لإزالة الأسباب التي قد تكون أدت لنيل القانون تأييدا واسعا في الكونغرس. وندد اوباما بالقرار «الخاطئ» للكونغرس، مؤكدا في تصريحات صحافية ان ما جرى هو «تصويت سياسي»، وان القانون «يخلق سابقة خطيرة». وتعتبر الإدارة الأميركية ان القانون من شأنه أن يقوض مبدأ الحصانة التي تحمي الدول (وديبلوماسييها) من الملاحقات القانونية، وقد يعرض الولايات المتحدة لدعاوى قضائية امام المحاكم في كل انحاء العالم. وغداة اصداره، حذرت البحرين في تصريحات لوزير خارجيتها، من ان إقرار الكونغرس الأميركي للقانون سيرتد على واشنطن نفسها. وقال الوزير خالد بن احمد الخليفة في تغريدة عبر حسابه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، ان «#قانون_جاستا، سهم اطلقه الكونغرس الأميركي على بلاده»، مضيفا «أليس منكم رجل رشيد؟».