بقلم : عبدالله محمد القاق
مهرجان الاعلام العربي الذي احتضنته عمان في الاسبوع الماضي بمشاركة عربية شاملة وكانت سلطنة عمان ضيف الشرف وذلك تقديرا للانجازات التنموية التي حققتها السلطنة في عهد جلالة السلطان قابوس بن سعيد طوال العقود الاخيرة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ورسالة المحبة والوئام التي تعمل على نشرها محليا, نحج في تشخيص القضايا التي تواجه الاعلام والاعلاميين خاصة وانه تطرق الى العديد من المسائل والقضايا الراهنة ومن بينها مكافحة الارهاب والتطرف الغلو . هذا المؤتمر جاء في وقت عصيب وبحاجة الى جمع الصفوف وتكاتف الجهود في مواجهة الارهاب وتنظيم داعش الاجرامي . لقد استمعت الى كل المناقشات التي دارت خلال المهرجان حيث سلط الضوء على مختلف اوجه الاختلالات البنيوية التي تواحه الاعلام العربي . والواقع ان حشد هؤلاء الاعلاميين والخبراء للتحدث عن تجاربهم كانت فرصة لتدارس وضع الاعلام العربي ومناقشة مجموعة من القضايا والإشكاليات المرتبطة به وأهمها دوره في تشكيل الوعي الاجتماعي، وأداؤه في زمن التحولات والتطرف والارهاب.ويأتي انعقاد المؤتمر قي ضوء احتفالات الاردن بمئوية الهضة العربية الكبرى التي احتفلت بها الكويت بكل اباء وشموخ.
والواقع ان هذا المهرجان الذي اعدت اللجنة التنظيمية برئاسة الدكتور امجد القاضي والذي شارك في اثراء النقاشات بارائه المختلفة له اعدادا وتننظيما وتنسيقا شاملا اسهم المؤتمرون وهم من بلدان عربية مختلفة حيث كان محط الانظار لتشريح واقع الإعلام العربي ووضع اليد على بواطن الخلل فيه، فبين اعلام احترف التضليل وآخر اختار التطبيل ضاعت الحقيقة ومصداقية الخبر، وبين إعلام لايزال بعيدا عن لعب دور حقيقي في مواجهة التطرف والإرهاب وآخر يحرض عليهما، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ضاع المتتبع العربي وضاعت معه مجتمعات باتت تختار التطرف كسلوك حياة والإرهاب كوسيلة للرد. ولعل اهمية هذا المؤتمر كلمة الدكتور جواد العناني نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والتموين حيث سلط الضوء نيابة عن سموالاميرة ريم علي على كثيرمن القضايا التي تواجه الاردن والاعلام العربي وقال في كلمته: 'يكتسب المهرجان اهمية خاصة هذا العام لتزامنة مع احتفالات المملكة بمئوية الثورة العربية الكبرى ، اضافة الى اهميته كونه ينعقد في ظل التحرك العالمي والعربي لمواجهة خطر الارهاب والفكر الظلامي حيث يبرز دور الاعلام كعامل اساسي لمحاربة التطرف بكافة اشكاله من خلال التوعية والتثقيف والتعريف بحقيقة الجماعات الارهابية الى جانب اظهار الصورة السمحة للاسلام وبعده عن تلك الممارسات الضالة. واضاف :' لقد كان الاردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني سباقا لاطلاق نهج ديني وسطي لاظهار سماحة الاسلام وانسانيته ودعوته لتقدم ورقي البشرية فكانت رساله عمان التي صدرت عام 2004 التي تدعو الى التسامح والوحدة في العالم الإسلامي،..، مشيرا الى ان جلالة الملك حدد ثلاثة أبعاد لمحاربة الارهاب وهي : العسكرية والاجراءات الامنية ومحاربة الايدولوجية المتطرفة التي تستهدف كسب عقول الشباب حيث يعمل الاردن على هذه الأبعاد'. وشدد العناني على ان تنبري وسائل الاعلام العربية لتبني خطاب واضح ومحدد لدعم الجهود بحيث تركز على محاربة الفكر والايدولوجيات المتطرفة وتوعية الشباب العربي والتنسيق مع وسائل الاعلام في البلدان الاسلامية بهذا الشأن. واشار الى انه يقع على كاهل الاعلام العربي بكافة مكوناته مسؤوليات كبيرة لمواجهة التحديات التي يواجهها عالمنا العربي والتصدي لاي محاولات او مشاريع تستهدف تجزئته ،اضافة الى انه مطالب بدعم جهود ومسارات التنمية في البلدان العربية وتشجيعها وتسليط الضؤ عليها والضغط باتجاه تعزيز العمل المشترك على اساس شمولي بعيدا عن العصبيات القطرية التي دفعنا كعرب ثمنها الكثير. واكد ان الارتقاء المطلوب بعمل الاعلام العربي للتعاطي مع قضايانا العربية يحتاج من وسائل الاعلام ذاتها والعاملين فيها تطوير اساليب العمل وتعزيز المهنية والابتعاد عن المصالح الضيقة وتغليب العام على الخاص مع اهمية الادراك الحقيقي لعظم التحديات التي تواجه عالمنا العربي. ومن جهته قال رئيس اللجنة العليا للمهرجان /مدير عام هيئة الاعلام الدكتور امجد القاضي ان لجان المهرجان بدورته الثالثة - دورة النهضة العربية – بذلت جهودا كبيرة لتنظيم المهرجان ليكون وسيلة تواصل وتقارب بين الاشقاء العرب من خلال فعاليات المهرجان المختلفة والذي ينعقد بالتزامن مع احتفالات المملكة بمئوية الثورة العربية الكبرى ، والتي قامت ضد الجهل والتجهيل . وقال القاضي :'ان رسالتنا واضحة صريحة ، تكتب باحرف الاعلام واداء الفن لتصنع علاقة تكاملية بين الاقطار العربية '، مضيفا 'ان النهضة العربية كان العلم رائدها والاعلام ناقلها الى كل العالم '. وبين القاضي : ان رسالة الاردن تنطلق من رؤى واضحة واهداف متسقة ،نادى بها جلالة الملك عبدالله الثاني في مختلف المحافل واللقاءات ، فحريتنا في الاعلام كما هي في الفن الهادف ، سقفها السماء ضمن حدود المسؤولي والمهنية دون مس بالكرامة والانسانية والاديان. في حين ، قال وزير الاعلام في سلطنة عمان الدكتور عبدالمنعم الحسني ان الاعلام يمثل جزءا من صورة حياتنا لكنها الصورة الاقوى والاعمق أثرا.وقال ان المهرجان يمثل فرصة لتبادل المعرفة ونقل الخبرات وبالتالي خلق اعلام قادر على خلق اجيال تصنع الامل لمستقبل مشرف. وبين الحسني ان من اهم مميزات المهرجان انه يمد جسور التعاون والتقارب بين الاشقاء العرب ، مؤكدا ان العلاقات الاردنية العمانية مترسخة للعلاقة العميقة التي تجمع قيادتي البلدين.
ومن البدهي القول اننا نواجه ازمة واحدة من أهم الأزمات التي تواجه العالم بأسره في عصرنا الحالي وهي أزمة التطرف الذي أصبح حقيقة لا يملك أحد تجاهلها أو تجاوزها، فبين التطرف الديني والطائفي والتطرف الأخلاقي والعنصري.. أصبح العالم يعيش حالة من اللا استقرار، والعنف والعنف المضاد، وأصبحت منطقتنا العربية تعيش واحدة من أشد مراحلها سوادا بعدما أصبح هذا التطرف يقتات من جسد الأمة المنهك بالثورات والحروب والصراعات ويصدر صوره عنفا وارهابا يهدد المنطقة، بل والعالم، بعدما نجح في استقطاب الجاهلين والمغيبين والمهمشين في دولهم ليصنع منهم مشاريع ارهابيين وخلايا قابلة للانفجار في أي لحظة وفي كل مكان. التطرف وما يفرزه من إرهاب يمثل في اللحظة التاريخية الراهنة تحديا عالميا وإقليميا تعكف مراكز القرار البحثي والسياسي علي دراسة تجلياته وأسباب نموه وطرق مواجهته، وهو يشكل ايضا أزمة حقيقية للإعلام الذي من المفروض أن يسهم في مواجهته من خلال، أولا، تقديم صورة حقيقية للاعتدال من خلال نشر ثقافة الحوار والتسامح والانفتاح على الرأي والرأي الآخر. وأن يقدم الصورة السلبية للإرهاب ويكشف خفايا التنظيمات الإرهابية ومساراتها الفكرية وآليات عملها واستغلالها للجهل الديني أو الحقد المجتمعي الذي يمكن أن يشعر به بعض شبابنا العربي لأسباب متعددة، من اجل تنوير العقول وتوضيح الصورة الغائبة عن الكثير في مجتمعاتنا التي لاتزال لا تميز بين «الدين» و«التدين»، وبين ما يدعو اليه الدين الصحيح ومن يستغله ويتمسح بقشوره لأطماع سياسية أو أيديولوجية او وجودية.لقد نجحت الجماعات المتشددة والإرهابية، وبالتحديد داعش، للاسف في استقطاب اولئك الشباب المربك بسبب مختلف التغيرات التي عايشها، مستغلة في ذلك الطفرة التكنولوجية والحرب الاعلامية المنظمة والذكية التي تستخدمها والتي تعتمد علي التطبيقات الإلكترونية في الهواتف الذكية، وعلي وسائل الاعلام الحديثة والمواقع الاجتماعية التي يستطيعون من خلالها بناء حملات اعلامية ضخمة لا تدفع فيها جنيها واحدا، في الوقت الذي تقوم فيه وسائل إعلامنا التقليدية بالتعامل مع التنظيمات الإرهابية بشكل دعائي وترويجي، والهدف يكون جذب أكبر عدد من الجمهور، ولو كانت المادة دموية وتساهم في الدعاية للإرهاب، مما يسقط الإعلام هنا في جريمة دعم الإرهاب، وإن كان بطريقة غير مباشرة، وهي الجريمة التي لا يعاقب عليها القانون ولكن تبقي جريمة اخلاقية يجب الانتباه لها. الصورة قاتمة، والإعلام مطالب اكثر من أي وقت مضي بالكف عن إقحام نفسه في الصراعات السياسية، وأن يخرج من لعبة التجاذبات والاستقطابات التي لا يخسر فيها فقط مهنيته، بل يكون سببا في تفشي ظواهر باتت تشكل عبئا علي الاوطان. كما هي مطالبة بعض المؤسسات الإعلامية العربية بالتخلي عن خطاب العنف والكراهية والتحريض في الخطاب الإعلامي الذي ينقل أو يحلل ويعالج قضايا التطرف والإرهاب. لقد حقق المهرجان اهدافه كما قال خبراء الاعلام لي في تبني الخطط بمواجهة التطرف والارهاب و بناء جسور من التفهم بايجاد بيئة للتواصل بين المدن الاعلامية والمحطات التلفزيونية والاذاعية بالوطن العربي خاصة وان الاردن يحتل موقعا جغرافيا مثاليا وبيئة استثمارية امنة يمكنه من احتضان مثل هذه الفعاليات التي تستطيع وسط اجواء الحرية والديمقراطبة والكوادر المؤهلة التي تخدم الاعلام العربي في التوجيه والتوعية المنشودة .