د.رحيل محمد غرايبة
هناك من يتفق مع الزعيم التركي أردوغان ويدافع عن مواقفه وسياساته ويبالغ في خلع الألقاب والأوصاف الحميدة بحقه، وهناك من يختلف معه وينتقد سياساته ومواقفه ويبالغ في شيطنته، فهذا ليس موضوعنا، فالشعب التركي هو الذي يختار قيادته وهو الذي يقرر صواب مواقفه السياسية أو خطأها عن طريق صناديق الاقتراع. ما نود الحديث عنه بشأن الانقلاب العسكري الفاشل الذي حدث في تركيا، يتعلق بجملة أمور تستحق التوقف والحوار: - عرف التاريخ التركي الحديث عدداً من الانقلابات العسكرية الناجحة التي أطاحت بالنظم الديمقراطية القائمة، وفرضت سطوت العسكر وجعلت من الجيش التركي حارساً للعلمانية الصارمة التي تعبر عن وجهة تركيا وهويتها السياسية، وبقي الجيش التركي يمثل القلعة الحصينة لنظامها السياسي، ويراد له دولياً وإقليمياً أن يبقى قائماً بهذا الدور. - «أردوغان» يعلن تمسكه بالعلمانية وضرورة الفصل بين الدين والسياسة، وإن كان هو وحزبه يرجعان إلى جذور إسلامية، ولكنه لا يخفي تمسكه بمنظومة القيم العليا المستمدة من الإسلام، وأردوغان يريد الاستثمار في هذه الحالة والتكيف معها وليس مصادمتها، وهو مع السير المتدرج نحو الوصول إلى الديمقراطية الكاملة التي يجب أن يبتعد فيها الجيش عن التدخل في السياسة، ويجب وقف اللجوء إلى الانقلابات العسكرية في حسم الخلاف السياسي الداخلي وهذا يحتاج إلى تغيير هادىء ومتدرج في بنية الجيش وهيكلته من جانب، ومن خلال إنشاء كيانات أخرى موازية تعمل على ضبط إيقاع التوازن في موازين القوة العسكرية والأمنية. الشعب التركي حسم خياره الحاسم عن طريق قول كلمته المدونة في صناديق الاقتراع، حيث صوّت للإنجاز البرامجي الذي حققه حزب العدالة والتنمية خلال الأعوام الاثني عشر السابقة في رفع سوية الانتاج القومي، وتسديد الديون ورفع مستوى دخل الفرد أضعافاً مضاعفة، فالشعب التركي أصبح شريكاً في عملية إدارة الدولة وشكل حاضنة وطنية كبرى للخيار الديمقراطي، وأصبح يرتقي في سلم الرقي الحضاري ليصل إلى مستوى الشعوب المتقدمة التي لم تعد تسمح بعودة الاستبداد وأنظمة العسكر والاستيلاء على السلطة من خلال الدبابات والشعارات الثورية البراقة، ولذلك فإن الشعب التركي أصبح حارساً قوياً للنظام السياسي الديمقراطي، وأصبح هو المسؤول عن هوية تركيا ومستقبلها السياسي، وهنا مصدر القوة الحقيقية، وسوف يتم تدجين الجيش التركي ليصبح منسجماً مع الخيار الشعبي وليس نقيضاً له. نحن في الأردن والعالم العربي نؤيد خيارات الشعوب الديمقراطية ونشد على أيدي الشعوب الحيّة في حفظ إرادتها الجمعية، وينبغي أن لا نحيد عن التمسك بالمبدأ الديمقراطي، وضرورة الخضوع لنتيجة صناديق الاقتراع النزيهة التي تعبر عن إرادة الشعوب الحقيقية، ولا يجوز بأي حال من الأحوال الجنوح عن هذا المبدأ تحت ضغط الرغبة الداخلية المتأتية من تأييد أو مخالفة المواقف السياسية إزاء الأحداث الإقليمية والعالمية، ونحن مطالبون برفع سوية شعوبنا العربية من أجل الوصول إلى الديمقراطية الحقيقية المتجذرة الكفيلة بحماية إرادتنا الشعبية وحفظ أوطاننا وحماية مقدراتنا العامة وتقرير مصلحتنا العليا.