د.رحيل الغرايبة
الأخطار التي تحيط بنا كثيرة وعديدة ومتنوعة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، ولكن يبقى الخطر الأشد فتكا والأكثر تأثيراً يتمثل في عدم إدراكها، أو التقليل من شأنها أو الهروب من مواجهتها عن طريق النسيان والغفلة، أو السقوط في فخ الإيهام الموجه بأننا تجاوزنا مرحلة الخطر. وحتى يكون الحديث مفيداً ومثيراً للحوار المطلوب، ينبغي أن نقترب من الوضوح والتجلية بطريقة أكثر دقة وجرأة في تشخيص الحالة الراهنة على وجه الخصوص، التي تعد جزءاً من حالة الإقليم العامة على امتداد الساحة العربية الواسعة، مع ضرورة الإقرار ببعض التباينات والاختلافات المؤكدة التي تميز كل حالة عربية قطرية وكل تجربة عربية في سياقها التاريخي المعروف. عوامل الانفجار الشعبي في معظم الأقطار العربية عديدة وكثيرة وليست كلها من جهة واحدة، ولا يجوز تحميلها إلى طرف محدد بعينه، فبعض هذه العوامل يعود إلى تدخلات عالمية وإقليمية بكل تأكيد، لكن يجب الاعتراف أن عوامل الانفجار الداخلية كانت أكثر تأثيراً وأشد مساساً بحقيقة الانفجار، مع عدم إغفال تطور مسار الأحداث بطريقة سلبية، وعدم قدرة الشعوب العربية على ضبطها، ودخول اللاعبين الدوليين والإقليميين على الخط، ونجاحها في حرف مسارها واستغلالها بطريقة بشعة ألحقت ضرراً فادحاً في بنية الأقطار العربية ومقدرات شعوبها. ما يهمنا الوقوف عليه في هذا السياق هو إدراك أن المنطقة تسير نحو التغيير الحتمي سواءً بالسلم أو بالعنف، ولا مجال على الإطلاق للعودة إلى الوراء، ولن يستطيع أحد إرجاع عجلة التاريخ إلى الخلف، ولن يعود الزمن للماضي، مهما كانت الرغبة جامحة عند من يرغب في ذلك، ومهما أنفق من أموال ووضع من مخططات، فقد أصبح التغيير حتماً مقضيّاً وملزماً، وما على العقلاء إلّا التكيف مع هذه الحقيقة وضرورة السير الذكي والمتوازن مع عجلة قطار الزمن إلى الإمام. لن تشعر المنطقة العربية بالاستقرار الحقيقي الدائم ولن يقر لها قرار، إلّا إذا استطاعت الشعوب امتلاك حقها في تقرير مصيرها وإدارة شؤونها واختيار حكوماتها؛ عبر شرعية وطنية أصيلة يتم التعبير عنها بالانتخابات الديمقراطية والاختيار الحر النزيه، والتخلص من حقبة الاستبداد والتفرد بالسلطة؛ التي تحالفت مع قوى الفساد، ومارست القمع والكبت وصادرت إرادة الشعوب العربية الجمعية لمدة طويلة من الزمن، ومما يجب تذكره بوعي : أن حالة الانفجارالشعبي في الأقطار العربية كانت تتفاوت بحسب درجات القمع ومستويات القهر والاستبداد والتسلط. إن أفضل الطرق وأكثرها جدوى في مواجهة هذا الخطر الماثل أمام أعيننا تتمثل بالقدرة على مساعدة الشعوب بالسير نحو الديمقراطية الحقيقية بأسلوب متدرج، ومن خلال الاعتماد على المنهجية السلميّة الواعية التي تستند إلى التنوير الفكري والوعي الثقافي الجمعي، ومن خلال الإصرار على تجنب العنف والفوضى، وإثارة المواجهة المسلحة بين مكونات الشعب الواحد داخل الدولة الواحدة. نحن في الأردن استطعنا أن نتجاوز مرحلة الفوضى والحرائق التي تجتاح دول الجوار من خلال سياسة الحكمة، والنأي عن المواجهة العنيفة مع تطلعات الشباب الظامىء للحرية والديمقراطية، ومن خلال الوعود المؤكدة بالسير نحو مرحلة الحكومات البرلمانية ، وضرورة تهيئة الظروف المناسبة التي تصلح للعبور الجمعي نحو الديمقراطية بطريقة شاملة وآمنة، وبتوافق كل الأطراف الوطنية المؤثرة. الخوف يأتي من بعض الأطراف الداخلية التي تظن أننا تجاوزنا مرحلة الخطر، مما يجعلهم يظنون مرة أخرى بضرورة العودة إلى الخلف، والإصرار على إعادة إنتاج المرحلة السابقة، وعدم مغادرة الاعراف التقليدية لطريقة الاختيار والفرز واختيار الحكومات، من أجل إدامة التمسك بالمكاسب التاريخية السابقة ومن أجل ديمومة الاستثمار بمقدرات الدولة والاستيلاء على المال العام، وهم لا يعلمون أنهم بهذا المسلك إنما يصبون الزيت على النار المشتعلة، ويوقدون الحطب تحت المرجل الذي لم يكف عن الغليان. وينبغي أن يتم التأكيد على السير نحو المستقبل ونحو التغيير الإيجابي الهادىء بوتيرة مستقرة لا تتوقف ولا تتعطل مهما كانت الصعاب ومهما كانت العوائق