بقلم : عبدالله محمد القاق
في الذكرى التاسعة والاربعين لنكسة حزيران واحتلال مدينة القدس .. تمر علينا الكثير من الذكريات الحزينة والاليمة التي وقعت للأمة العربية باستمرار الخلافات والازمات العربية وتردي العمل العربي وفشل المصالحات الفلسطينية وتفاقم الوضع العربي في كل من سورية والعراق وليبيا ومصر واليمن والعديد من الدول العربية بالاضافة الى مواصلة اسرائيل قبضتها على الفلسطينيين بشتى الوسائل .. وعدم تحقيق التضامن العربي وتراجع القضية الفلسطينية أمام المحافل الدولية ، وتفاقم النزاعات بين الفصائل الفلسطينية "فتح وحماس" بالرغم من الوساطة السعودية والاردنية الايجابية والبناءة وهو لم نشهده في السابق، وتعثر خريطة الطريق .. والدعوة الى عقد مؤتمر جديد لحل أزمة الشرق الأوسط في باريس الاسبوع المنصرف بعد أن ضربت الولايات المتحدة بعرض الحائط كل القرارات الدولية ، وأسهمت في المزيد من الدعم الإسرائيلي لمواصلة عدوانها على الشعب الفلسطيني وأمعنت في زيادة وتيرة الاعتقالات الفلسطينية من وزراء ونواب ومقتل الشيوخ والأطفال والنساء وتدمير كل ما يمثل عنواناً للسلطة الفلسطينية في رام الله وغزة ونابلس وجنين واريحا انطلاقاً من سياستها العدائية بأن لا شريك فلسطينياً يمكن أن يفاوض اسرائيل في هذه الظروف الحرجة.
إن هذه الذكرى تجيء وهي تلقي بظلالها الحزينة والكئيبة على الشعب الفلسطيني والامة العربية فيما اسرائيل تواصل التعبئة وتجييش الجيش وتزويدها بالأسلحة المتطورة وتعيين الفاشي ليبرمان وزيرا للحرب الاسرائيلي للاستعداد للانقضاض على بعض الدول العربية او الإسلامية، وربما تكون سورية او ايران نظراً لكون الولايات المتحدة تصف هاتين الدولتين بأنهما تدعمان "الإرهاب" وهما تقفان شوكة أمام التمدد الإسرائيلي في الوطن العربي ، فضلا عن مواجهتهما لاستمرار الاحتلال الاميركى للعراق الذي اسهم في تمزيق الصف العربي وزاد من الفرقة والشقاق الأمر الذي ادى الى عدم استقرار في المنطقة جراء وقوع الولايات المتحدة أمام مأزق تاريخي في هذا الاحتلال. ولعل الكتاب الذي أصدره مؤخراً مايكل اورين حول الشرق الأوسط الجديد او حرب الأيام الستة قد اشار الى ثقة العرب الكبيرة بالنصر ضد اسرائيل فى الخامس من حزيران وشعورهم آن ذاك بأنهم قادرون على إلحاق الهزيمة بإسرائيل غير عابئين بأية تهديدات اسرائيلية ، تجاه العرب لامتلاكهم أسلحة وصواريخ القاهر والظافر ، وقيام الدول العربية بالسعي لتكثيف جهودها عبر اتفاقية الدفاع المشترك لمواحهة العدوان الإسرائيلي .. غير أن هذه الثقة سرعان ما تبددت جراء الخيبة بالأمل العربي.
إننا ننظر الى هذه الذكرى بمزيد من الألم والحسرة حيث يختلف الفلسطينيون في غزة هاشم ، وفي رام الله وتواصل اسرائيل بناء المستوطنات الإسرائيلية وتسمين البعض الآخر وتقع أحداث عربية التي قد تؤثر مستقبلاً على مختلف المخيمات الفلسطينية في لبنان
إن هذه الأوضاع المؤلمة التي يمر بها العالم العربي تزيد الأمة تمزقاً وتفتيتاً.. نظرا لغياب الإستراتيجية العربية التي ينبغي تطبيقها من أجل الخروج من هذا المأزق خاصة وأن المبادرة العربية التي أقرت في بيروت عام 2002 وتم تكريس تفعيلها في عمة الرياض عام 2007 ، لم توافق عليها اسرائيل والولايات المتحدة لكونها تتضمن فقرات جوهرية ورئيسية في شأن عودة اللاجئين الفلسطينية الى ديارهم وفقاً لقرار الجمعية الهامة للأمم المتحدة 194 .. وهو ما ترفضه اسرائيل بدعم من الولايات المتحدة الأميركية والتي استخدمت حق النقض للعديد من القرارات التي أعدت في شأن إدانة اسرائيل لمجزرة جنين وغيرها من المجازر التي لم تنفك اسرائيل عن مواصلتها والقيام بها سواء في فلسطين أو لبنان.
واذا كانت حرب تموز التي اندلعت بين حزب الله واسرائيل ، قد أسهمت في إعادة الثقة للمواطن العربي خاصة بعد تقرير فينوغراد ، الذي أوان الموقف الحكومي الإسرائيلي جراء تقصيره في هذه الحرب التي استمرت 32 يوماً ضد حزب الله: فإن مثل هذا الانتصار يعيد للأمة العربية الأمل والنشوة والثقة في أن ما يقال من أن قوة اسرائيل لا تقهر.. قد بدّد تلك الأقاويل.. وأكد أن اسرائيل .. يمكن أن يمرغ أنفها في التراب اذا ما عزمت الدول العربية على مواجهتها.. والوقوف أمام اعتداءاتها وغطرستها وصلفها الكبير على الأمتين العربية والإسلامية خاصة وأن اسرائيل بدأت تدرك أن تطبيع العلاقات العربية معها أولاً سوف يمكنها من القوة والسعة في استمرار هذه الغطرسة والعربدة على الوطن العربي ، غير ان الموقف الرسمي السعودي عبر السيد عادل الجبير وزير خارجية السعودية أكد في أكثر من مناسبة موقف السعودية الوطني الداعم لمبدأ المبادرة وكذلك الدول العربية الأخرى بأنه لا اعتراف ولا تطبيع مع اسرائيل الا بعد أتى بها الشامل من الأراضي العربية المحتلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم وديارهم المغتصبة ، وأن أي إجراءات تخالف ذلك لا يمكن الركون إليها أو الموافقة عليها لكونها تعتبر انتهاكاً لهذه المقررات واجهاضاً للجهود العربية الإلزامية الى إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف تعيش جنباً الى جنب مع اسرائيل بعيداً عن الصلف والفطرية والضجة وسياسة القمع الاسرائيلية التي تنتجها ضد الشعب الفلسطيني وممارسة كل أساليب الحصار الظالم على هؤلاء المواطنين ، فضلاً عن تكريس الموقف الأميركي بأن لا تعامل مع حكومة الوحدة الوطنية لأنها تضم قادة من حماس ، علماً بأن هذه الحكومة منتخبة ديمقراطياً.
إننا نتطلع الى هذه الأحداث التي تعصف بالأمة العربية الكثير من الإحباط وعدم الثقة بالنفوس لكننا وفي نفس الوقت نؤمن إيماناً قوياً بأن عزيمة هذه الأمة لا يمكن أن تتأثر أو يفت من عضدها استمرار هذا الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ، ومواصلة النهج التوسعي والاستيطاني والقمع ضد الفلسطينين والتهديدات الا سرائيلية بحرب جديدة مقبلة ضد الدول العربية لأن هذه الأمة سوف تنطلق مجدداً من عقالها وتعيد توحيد صفوفها لمواجهة هذا الصلف الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية .. خاصة وأن الهتلريين استطاعوا أن يجتاحوا خط ماجينو الفرنسي بضربات شديدة وقوية وفي فترة قصيرة نسبياً في شهر حزيران عام 1940 الأمر الذي يؤكد أن الأمة العربية والإسلامية في تضامنها يمكن استعادة هذه الأراضي خاصة اذا ما نظرنا الى ما تواجهه قوات أميركا في العراق وفي أفغانستان من اندحار وقتل ومواجهات كبيرة من شأنها أن تعيد للعرب ثقتهم بأنفسهم من أجل الضغط على اسرائيل والقوى الكبرى بضرورة إعادة النظر في مواقفها وقبول المبادرة التي من شأنها تحقيق الأمل العربي.. "الأرض مقابل السلام" ، فهل يستطيع العرب تجسيد ذلك في هذه المناسبة المشؤومة؟ .