ناديا هاشم / العالول
لا شك أن البلدان النامية بما فيها البلاد العربية تشترك معا بقاسم مشترك أعظم .. فهي ما تكاد تبني حتى تُهَدّم .. وما تكاد تُعمِّر حتى تدَمّر .. وما تكاد تتقدم حتى تتراجع ..
رحلة مكوكية أبدية تكرّ و تفرّ متأرجحة دوما بين خطوة للأمام وخطوات للخلف .. حتى أعياها الرحيل المتذبذب بين الرغبة الفعلية بالإنجاز والنزعة الخفيّة المخفيّة لتخريبه ..ونتيجة لهذا المسلسل "المُلَقْلَقْ" تفشّت حالة من عدم اللامبالاة المُزْهقة لروح الإنجاز اللازمة لتحقيق مشروع حقيقي متطور يحمل بين ثناياه وعود التنمية والتقدم ..
نعم الفشل ليس المحطة النهائية لأية مسيرة مهما كان نوعها.. فالإخفاق هو جزء لا يتجزأ من مسيرة النجاح ولكن بشرط التعلم من الخطأ .. فالمعضلة تكمن عندما يشكّل التراجع النسبة الأكبر بعمليتيْ النمو والتنمية لتفشّي آفات الإخفاق التي أمحلت الزرع وجففت الضرع ..
فأية استراتيجية تقوم على خطط بأهداف تحتاج الى متابعة وتقييم بين الحين والآخر من أجل سد الثغرات وتجنّب العثرات مطوّرين من خلالهما برامج العمل وآلياته .. لأنه بالإمكان تجنّب المطبّات الواقعيةعند تطبيق اختبار الفرضية والتجربة لأي برنامج قبل تطبيقه على أرض الواقع من خلال اختباره مسبَقا ، واضعين تصورا افتراضيا مختبرين بدائله بمختبر افتراضي قبل وقوع الفأس بالرأس مستفيدين بذلك من آليات العالَم الافتراضي القائم على التصوّر والخيال ..
ولعل تفاعل القراء بمقالة" الحوار بين إعمار ودمار" هو الذي أعادني الى شق هام فيها الا وهو "التعليم" الذي يرفع وينهض ويبني ويعمّر إذا كانت أساساته صحيحه وأهدافه سامية ..
فأي تطوير يحتاج الى تغيير نحو الأفضل ضمن خطة.. وهنا تكمن المشكلة فالبعض يرفض التغيير لأسباب باتت معروفة لا داعي لاجترارها فأغلبها غيرمنطقي يقود لمزيد من التراجع ..وحتى لوحصل تغيير أفضل بالتعليم وآلياته وأنظمته مثلا.. فإنه سرعان ما يتم العودة عنه ..
فمثلا هنالك توجه جاد الان للرجوع لامتحان الشهادة الإعدادية – للصف التاسع- المَترِك – لتحسين مستوى الطلاب المتدنّي بخاصة ممن يصلون للمرحلة الثانوية النهائية وهم يفتقرون للحد الأدنى من المهارات الأساسية للقراءة والكتابة !
وبغض النظر عن كوننا مع عودة المترِك أَمْ لا .. او إعادة امتحان الثانوية الى جلسة واحدة .. او .. أو .. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تم ايقاف العمل بهما بالمقام الأول في وقت كان مستوى الطلاب أفضل بكثير من الآن ؟
فحينها تكلَّل جهد الطالب بثلاث نجاحات عبر دزينة أعوام دراسية بداية بامتحان الشهادة الابتدائية ثم الشهادة الثانوية وما يتوسطهما من امتحان الشهادة الإعداية- المترك – امتحانات رفعت من شأن الطالب لكونه يبقى متأهبا طيلة أعوامه الدراسية عبر عملية مستمرة من المتابعة والتقييم.
حتى المناهج تغيرت على مدى الثلاثين عاما الماضية فاصبحت مادة اللغة العربية بأدبها العربي وقواعدها نسخة أخرى عن التربية الإسلامية ..فنحن لسنا ضد تجيير بعض الآيات القرآنية وخُطب الصحابة كنموذج أدبي دون أن يطغى الجانب الديني على المحتوى الحقيقي للأدب العربي وفروعه ..فمادة التربية الدينية لهي كفيلة بتغطية الجانب التعليمي التوعوي للمنهاج دونما حاجة للتداخل مع مادة اللغة العربية ، ويا حبذا تفعيل المضمون الديني بجعل الطلاب يطبقونه عملا وسلوكا بدلا من صَمّه ..
فثبات الاستراتيجيات مع اجراء بعض التغييرات المحسِّنَة بالمتابعة والتقييم يحفظ الاستراتيجية بغض النظر عن الوزير القادم او المغادر..فالمطلوب هوتصويب أكبر عدد من الأهداف بمرمى التطور وليس بمرمى المتنافسين ، فيكفينا تذبذبا يمسمرنا لينطبق علينا المثل "تيتي مثل ما رحتِ مثل ما جيتي" ..شاملا بذلك حقول مختلفة من القوانين والأنظمة بمجالات التعليم والاستثمار والضرائب والجنسية المزدوجة.. الخ فنقضي جلّ وقتنا رايجين جايين تارة بين إلغاء قانون او نظام او آلية وتارة أخرى بالعودة عن الإلغاء وهكذا دون تقدم ملموس ..
المشكلة ان الغالبية ترسل دون أن تستقبل ليتحول هذا الى حالة من الشد العكسي قالبا المعقول الى اللامعقول فجأة بقدرة قادر ،اوعلى الأرجح نتيجة تغير تدريجي ضمن مخطط يندس تدريجيا بين طيات المرونة محجّرا اياها بقالب لا ينفكّ ولا بأحسن مِفَكّ معرقلا مرور اية مرونة تحاول شق طريقها عبر هذا التحجّر الرافض لأي نوع من انواع الإستقبال معتبرا نفسه المصدر الوحيد للإرسال دون استقبال .. يعني طريق بإتجاه واحد!
بالمناسبة كيف سنستقبل اقتراحات المهندس المبدع "حنا سلامه" بتصوراته الافتراضية لحل "مصيبة البرجيْن بأم اذينة " والتي تداولتْها وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا ،عارضا استثمارهما عبر تقييم افتراضي ليتم تطبيقها على ارض الواقع بدلا من بقاء البرجيْن كعنوان لعدم الوفاق والاتفاق ..
فما أحوجنا لوزارة تعمل علىى تطبيق الإبداع الحقيقي للمبدعين لجذب الاستثمار .. او حتى دائرة للابداع والتميز يتم الحاقها بوزارة التخطيط مثلا ، لترعى التميّز وتستثمره
وبذلك .. نضمن الخروج من زاوية " تعال ولا تيجي"..