د. محمد طالب عبيدات
المسؤولية بطبيعتها أنّى كانت هي تكليف لا تشريف، والأصل أن تكون للقوي والأمين والكفؤ ووفق معايير وأسس واضحة وشفافة أساسها الإستحقاق بجدارة والكفاءة لخلق التنافسية المنشودة، ومطلوب من المسؤول أن يواجه تحديات وضغوطات العمل وأن يكون إستراتيجياً لا فزعوياً، وبذلك يحوّل التحديات إلى فرص يمكن البناء عليها. والأصل أن يكون عمل المسؤول للمؤسسة وتحقيق أهدافها ورؤاها المنشودة لا لإرضاء المسؤول الأعلى، لكن للأسف الواقع يقول بأن معظم الناس تعمل لإرضاء المسؤول الأعلى دون مؤسسية أو أحياناً مبادئ أو أخلاقيات مهنة، والدليل على ذلك أن السياسات تتغير مع تغير المسؤول وحتى الموظفين الذين يكونون بجانب المسؤول السابق يغيرون أنماط تفكيرهم ومبادئهم وسلوكاتهم الوظيفية لتتواءم مع نمطية المسؤول الجديد وهكذا. البعض لا يخشى الله في المسؤولية فيتناسى قدرة الله عليه فيأخذ بالمؤسسة والمرؤسين صوب الهاوية ولا يرقب فيها أو فيهم إلّا ولا ذمة، مما يجعل كثيراً من المرؤسين يتعاملون مع الرؤساء بأسلوب “النفاق” للأسف، وكأن المؤسسة مزرعة المسؤول أو مُلكه الخاص، وبالطبع هذا نقص في مسألة معرفة الحقوق والواجبات لدى المرؤسين. والمسؤول الناجح يطلق العنان لموظفيه وإبداعاتهم وتميزهم ومواهبهم، فيضع بجانبه في المسؤولية الأقوياء والخبراء والمتميزين لا الضعفاء، مما يقوي المؤسسة ويخلق الفريق القوي الذي يدير المؤسسة بمؤسسية لا بفردية، وبإستراتيجية إدارية لا بفزعة أو قرارات فردية. ومفتاح نجاح المسؤولية هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب كأساس للنزاهة والإنجاز والعطاء والتقدم والعدل، ولا يمكن أن تستقيم أمور أي مؤسسة إلا بنجاح آليات إختيار الشخوص العاملين فيها. كما أن الثقة بالمسؤول الناجح وصاحب الرؤية والانجاز أمر محمود وممدوح، فليس المهم تغيير الاشخاص والمسؤولين فقط لاجل التغيير، لكن المهم الإبقاء على نجاح المؤسسة حتى وإن طال زمن قيادة المسؤول الناجح فيها. ومطلوب كبح جماح الواسطة والمحسوبية في إختيار المسؤولين وإختيار الأكفاء لخدمة الوطن وفق معايير شفافة وخصوصاً للمناصب العليا ورجالات الصف الثاني ليكونوا مؤهلين كقيادات مستقبلية، لأن الخيار المبني على الكفاءة والإستحقاق بجدارة يعني إستدامة للمؤسسة ورؤاها وتحقيق أهدافها المنشودة على سبيل زيادة الإنتاجية وتحقيق النماء الإقتصادي. وبالمقابل فإن دعم المسؤول الناجح والنظيف واجب وطني على الجميع ليكون نموذجاً يحتذى بين أقرانه للإقتداء به، فأساسيات وأبجديات صفات وممارسات المسؤول الناجح تكون في المهنيّة العالية وإحترام الناس والمراجعين والقيام بالواجب وأدب المؤسسية وتفهّم حاجات الناس وسعة الصدر دون ضجر والتواضع ودماثة الخلق والإنتماء الأصيل لوطنه ومتابعة العمل على مدار الساعة والعمل أكثر من الحديث والسمات الميدانية ولغة التطوير ورضا المرؤسين والأهداب الإدارية وشغف خدمة الناس والعناوين والنماذج الإنسانية الراقية لتكون عناوين وممارسات رئيسة لديه، وكما يقتضي ذلك ضرورة القيام بواجبه على أتم وجه، وإمتلاكه لرؤية التطوير وإدارة الموارد والفريق العامل وتوجيهه صوب خدمة المواطنين وبمبادرات من طرفه تؤشر لألمحية وإستباقية عالية. فالمسؤولية في هذا الزمان لم تعد تشريفاً ولا حتى تكليفاً بقدر ما أصبحت وقاية من الصدمات وتصريفاً للأعمال، فالضغوط على المسؤول من كل حدب وصوب من فوقه وتحته وجنبه ومحيطه وماضيه وحاضره ومستقبله، ورغم أن المسؤولية واجب وطني وأمانة إلا أن الناس لم تعد ترحم المسؤول فهو في قفص الإتهام طوال الوقت، فالمسؤول يتعرّض للضغوط من مسؤوله الأعلى لغايات إنجاز العمل وفق الخطط التنفيذية والبرامج المعدّة لذلك، والمسؤول يتعرّض للضغوط من الأسفل من مرؤسيه لغايات دعمهم والوقوف لجانبهم والحوز على شعبيه من خلالهم، والمسؤول يتعرّض للضغوط من خلال البطانة التي حوله وهي التي تُضخّم أو تُقزّم المواضيع المطروحة، والمسؤول يتعرّض للضغوط من متلقي الخدمة فهم يريدون خدمات سبع نجوم مهما كانت الظروف الإقتصادي والمالية، والمسؤول يتعرّض للضغوط من بقية الشعب لأنهم ينظرون بعين سلبية أحياناً لجميع المسؤولين وبمجرّد ما أصبحوا كذلك، والمسؤول يتعرّض للضغوط من الشركاء في المؤسسة التي يقودها وخصوصاً المانحين والمساهمين في دعم المؤسسة، والمسؤول يحاسب على ماضيه وحاضره ومستقبلة وهو عرضة للمساءلة بأي وقت، والمسؤول يتطلّع لحاضره ومستقبله بتفاؤل للحفاظ عليهما ليعزز مكانته الوظيفية والإبقاء عليها لمدد أطول، وكل ما على المسؤول في هذه الحالة أن يخاف الله تعالى بقراراته ورؤاه ويتطلع لخدمة وطنه وقيادته أيضاً. ولهذا فإنني أشفق على المسؤولين الشرفاء هذه الأيام، وأطالب بإنصافهم، وبالطبع لا يعني ذلك عدم متابعته أو محاسبته في حال حدوث خلل إداري أو مالي أو أخلاقي لا سمح الله تعالى، فالمسؤول هذه الأيام مذموم ومدحور ومظلوم ومحسود ومرجوم ومُبتلى ويدفع ضرائب كثيرة خصوصاً الصبر والقبض على الجمر والإتهام الجزاف والدفاع وغيرها، والمطلوب المساهمة في تأطير النظرة المجتمعية للمسؤول صوب الإيجابية. بصراحة المسؤولية في زمن الألفية الثالثة باتت “تصريف أعمال” لا إبداعات مع الأسف، ومعظم الناس المرؤوسة تعمل لإرضاء المسؤول لا خوفاً من الله تعالى ولا ضميرهم الغائب ولا حتى لمصلحة الوطن. ولهذا نحتاج لتأطير العلاقة بين المسؤول والمرؤوسين والمؤسسة.