د. محمد طالب عبيدات
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن انتشار موضة السفر للخارج من قبل بعض الطلاب في مرحلة الثانوية العامة وتحديدا إلى دول مثل السودان وتركيا وهنغاريا وأوكرانيا وبعض دول الخليج العربي للحصول على شهادة الثانوية العامة هناك هروبا من صعوبة الثانوية العامة الاردنية وطمعا برفع المعدل لسهولة الامتحانات وإحتساب معدلات المدرسة للحصول على فرصة قبول بتخصص جامعي مناسب ونظرا لغياب الامتحانات الوطنية هناك في بعض الدول.
والقضية مدار البحث أصبحت تشكل ظاهرة واضحة للعيان حيث أعداد الطلبة بالمئات وفي تزايد، مما يعني ضرورة معالجة الامر وأخذ سمعة التعليم العام بالاردن بعين الاعتبار، ومراعاة مصلحة الطلبة الموجودين حاليا هناك ولاخر فرصة، لكننا بحاجة لقرارات سريعة ومدروسة لوضع حد لمثل هذه الممارسات ومنع تكرارها مستقبلاً، وهنالك تصريحات مطمئنة لمعالي نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم في هذا الشأن.
وللإنصاف التعليم العام بالاردن عاود بالسنوات الاخيرة بإلتقاط أنفاس الجودة للثانوية العامة والكل يسعى للمضي قدما صوب تجويده أكثر، وأعتبر شخصياً ممارسات بعض الطلبة والمغادرة للخارج كنتيجة ضعفهم يحتاج لضبط لمسألة تكافؤ الفرص والعدالة ودرء الظلم مع الطلبة المتقدمين للثانوية العامة الأردنية.
مما لا شك فيه أن الطلبة الذين ذهبوا لدول خارج الاردن لتقديم التوجيهي هناك هم من زمرة الطلبة الضعاف علميا وتحصيلا -إلا من يتواجد والديهم في الملحقيات الدبلوماسية أو لغايات العمل هناك بحكم الوظيفة أو الإقامة-.، ووزارة التربية والتعليم كانت واضحة بقرار إستباقي يقضي بعدم إحتساب التوجيهي لهؤلاء الطلبة إلا إذا تقدموا لامتحان وطني عام، لكن إصرار الطلبة وأهليهم وضع بعض منهم في مأزق كبير وفاقم المشكلة، إلا إذا كان هنالك معايير وأسس لإمتحان وطني عام مشابه في حيثياته ومكوناته للإمتحان الوطني الأردني “التوجيهي”.
ممارسات حدثت مع بعض هؤلاء الطلبة إنعكست سلباً على سمعتهم وأدائهم، وهم أيضاً بطريقة غير مباشرة يسيئون لسمعة التعليم العام في الأردن والذي يعتبر إحدى النقاط المضيئة في مسيرة الدولة الأردنية والتي نعتز به وبجودته نسبياً بالنسبة لإقليم الشرق الأوسط والمحيط العربي، وللأسف حدث بعض الإشكالات مع هؤلاء الطلبة في السودان حيث تم تسريب أسئلة الامتحان العام هناك وتم إتهام بعض الطلبة الاردنيين وإنعكس سلباً عليهم وتم سجن بعضهم للأسف.
في بعض الدول الاخرى هنالك إمتحان وطني، ولكن السؤال لماذا يهرب هؤلاء الطلبة من الاردن ليغادروا للخارج لتقديم الامتحان هناك لولا التسهيلات والاغراءات التحصيلية المحتملة للمعدلات والنتائج؟ والمطلوب الآن خريطة طريق واضحة وأسس ومعايير للدارسين بالخارج لتتواءم والثانوية العامة الأردنية على الأقل لتحقيق العدالة ومبدأ تكافؤ الفرص عند القبول في الجامعات الأردنية.
أعلم أن هنالك مطالبات نيابية بإيجاد مخرج عملي ولو مؤقت لحل مشكلة الطلبة الذين في الخارج الان، لكن المطلوب حل جذري للعملية برمتها ووضع أسس ومعايير تمنع أي طالب بالمغادرة لتقديم الامتحان بالخارج إلا إذا كان مقيما على سبيل المثال لثلاث سنوات متتالية في البلد إياه وكذلك أن تكون كفايات الإمتحان العلمية متواءمة مع الثانوية العامة الأردنية ومعايير أخرى لقياس الجودة والمعرفة العلمية للطلبة !
للأسف كثير من الناس أهالي وطلبة باتت نظرتهم للتعليم للحصول على الشهادة الكرتونة فقط دون مهارات او جودة، وهذا جل خطير، وبالطبع هذا أيضا ينطبق على الحصول على شهادات الدكتوراة الفخرية وغيرها للحصول على الالقاب الفارغة دون مضمون، وهنالك ظلم كبير يقع على الطلبة الاردنيين الحاصلين على الشهادة الثانوية العامة الاردنية والتي نعتز بها والذين هم قابضون على الجمر، فمعدلات الطلبة الهاربين للخارج أعلى من معدلاتهم دون تعب أو جهد يذكر، والعدل أساس الملك.
ومطلوب فورا معايير وأسس لضبط الشهادات بكافة أنواعها –ثانوية عامة وغيرها- من الخارج او الداخل لضمان جودة التعليم وإلا فإن قطاع التعليم برمته في خطر! وبصراحة فإن كثير من الشهادات من الخارج باتت بالمزاد العلني وبدفع الفلوس دون تعب -إلا القليل-، والمطلوب قرارات جريئة لاصلاح موضوع إعتماد شهادات الثانوية العامة ومحاسبة المخالفين فوراً، ومطلوب من الحكومة الإذعان بوضوح للتوجيهات الملكية السامية لإصلاح التعليم بشقيه العام والعالي ووضع حد لمهازل شراء الشهادات والمتاجرة بها، لأننا في الأردن لدينا نظام تربوي وتعليمي يعدّ منجزاً حضارياً ومصدر فخر وإعتزاز للجميع حيث منذ نشأة الدولة الأردنية خرّج القوى البشرية الكفؤة والتي ساهمت في بناء ونماء الأردن والعديد من دول المنطقة. *وزير الأشغال العامة والاسكان الأسبق