الحياصات يكتب: الشيزوفرينيا العامة في سلوك الإنسان العربي: صراع المبادئ والواقع
14-10-2024 03:35 PM
الشاهد - د. علي النحلة حياصات
في عالم ُمتغير بشكل سريع ، يواجه الإنسان العربي أزمة هوية وصراعاً داخلياً يتمثل في ما يمكن وصفه بـ"الشيزوفرينيا" الاجتماعية. هذه الحالة ليست مرضاً نفسياً بالمعنى الطبي، لكنها تشبه الفصام في السلوك والقيم، حيث نجد الفرد العربي يقف على طرفي النقيض في مواقفه وتصرفاته. أحد أبرز مظاهر هذه الشيزوفرينيا هو الهروب المتكرر من النقد الذاتي. بدل أن نواجه أنفسنا بجرأة، نلجأ إلى تبرير تصرفاتنا والبحث عن شماعة نعلق عليها أخطاءنا. ننتقد الآخرين علناً، بينما نرتكب نفس الأخطاء سراً. نجد أنفسنا نتبنى خطاباً متناقضاً، فما نعلنه في وضح النهار يختلف تماماً عما نهمس به لأنفسنا في الليل. المجتمع العربي يعيش حالة من الازدواجية المستمرة، حيث نكون مع الشئ وضده في آن واحد. نرى ذلك في العديد من المواقف اليومية , ندين التطرف علناً، لكن في نفس الوقت، قد نحتفظ داخلياً بأفكار متطرفة أو ندافع عن مواقف متعصبة تجاه الآخرين , نستنكر الفساد ونطالب بالنزاهة، لكن عندما يتعلق الأمر بمصلحتنا الشخصية، قد نتغاضى عن المبادئ ونقبل بالواسطة أو المحسوبية. أحد أهم جوانب الشيزوفرينيا في سلوك الإنسان العربي هو الصراع بين الحداثة والتمسك بالهويات الفرعية. رغم أننا نطمح إلى التقدم والتطور المدني، نجد أنفسنا نعظم من قيم العشيرة أو الطائفة. نتحدث عن الانفتاح على العالم ونطالب بالديمقراطية، لكن عندما يتعلق الأمر بممارسة هذه المبادئ في حياتنا اليومية، نعود إلى التحزب والهويات الضيقة. ربما تكون الواسطة مثالاً واضحاً على الشيزوفرينيا الاجتماعية. نرفضها عندما تحرمنا من فرصة ما، لكن لا نتردد في استخدامها عندما تكون لصالحنا. هذا التناقض يعكس أزمة مبدئية حقيقية، حيث تختلط القيم وتضيع المبادئ في خضم المصالح الشخصية. في ظل كل هذه التناقضات، يبدو أن أزمة الإنسان العربي تكمن في قيم واضحه يستند إليها في حياته اليومية. هذا الغياب يخلق حالة من التخبط والارتباك، حيث يصبح الفرد متأرجحاً بين القيم المتناقضة دون أن يجد طريقاً واضحاً للتوفيق بينها. والنتيجة هي حالة من الفوضى السلوكية والعقلية تشبه إلى حد كبير حالة "الشيزوفرينيا" التي تجعل الإنسان يعيش بين عالمين متناقضين دون أن يكون قادراً على اتخاذ موقف ثابت. قتلتنا الردة ... قتلتنا الردة، إن الواحد منا يحمل في الداخل ضده .
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.