ناديا هاشم / العالول
لا شك ان الفلفل والفلافل بأصولهما ومشتقاتهما من بهارات شرقية وأوسطية تتناغم جملة وتفصيلا مع سحر و خيال شرقنا بشروقه وغروبه بلياليه التي اختزلها خيال شهرزاد وحكمتها و دهائها بألف ليلة وليلة كل ليلة منها كانت بمثابة الليلة الأخيرة لها قبل إحلال دمها من قبل تعنت شهريار وظلمه لبنات جنسها ..
شرق لا مثيل له بعبق ايامه وحفيف اشجاره وصخور أمواجه .. شرق يدير الرؤوس ويحيي النفوس..حتى شربنا من كأس منحوس شكلُهُ الفُرْقة ومضمونه الإنقسام لتصبح محصلتهما عنوان هويتنا وسبب تعصبنا وعصبيتنا ، حتى انقلب المصير بين بشير ووعيد ونذير مستقرأ على الأخير.. فشرِقْنا بدمع كأسنا المتعوس المعرقِلِ للحظوظ ..
نعم ما زلنا نؤمن بفناجين الحظ راجمين النحس مهللين لكل وهم مرسوم ..فغرقنا بشرِّه الميؤوس ..وبدلا من ترديدنا " يا عوازل فلفلوا " لتكون كما كانت مصدر فكاهة وطرافة صرنا نفلفل بعضنا بعضا افرادا وجماعات وشعوبا ليس لتعارفوا بل لتفرّقوا .. فغدونا نتقلّب بين ألم وتعاسة ..
ترى ما سبب هذا الاهتراء الداخلي الذي سمح لسكّين التجزئة بأن يعمل بنا فاستجبنا له طواعية حتى القانا على شواطئ الكُره والضياع واللجوء مُهدَّدين بالتلاشي عن ظهر هذه البسيطة..والغرق بقيعان اللاوجود ..
هنالك ُمن يعْزي سبب انهياراتنا لأسباب اقتصادية وأخرى سياسية واجتماعية .. كل هذه العوامل كانت موجودة مسبقا بين استعمار وانتداب ومناطق نفوذ واحتلال وفقر ..
لكن الفرق بين الأمس واليوم أننا كنا محَصَّنين وطنيا وقوميا بنسيج داخلي خيوطة قوية محبوكة بدين ولغة وثقافة متداخلة تغرزها إبرة الهدف مشكِّلَة مصيرا واحدا متماسكا متواصلا تؤطره اخوّة حقيقية تنمّي وطننا الصغير والوطن العربي الأكبر على حد سواء ..
لُحْمة مؤطَّرة بحُسْن الخُلُق المغلَّف بالقناعة والمضمَّخ بعزة نفس مصدرها تربية تغذيها الأخلاق الصالحة النابعة عن أمومة ثابتة وأُبوة نافعة ..تربية توحّد ولا تفرّق تشد من أَزْر الصديق تردُّ كيد العدو .. تربية دعامتها القيم والمبادىء ..
ولكن تداعت التربية سواء من منبعها او مصبها وما بينهما لوجود العراقيل الطبيعية والمصطَنعة ..فصحونا على كابوس تربيتنا لننعيها : واتربيتاه !
تداعت التربية بعد ان تآكلت البنية التحتية القِيَمية للقيم الأساسية لتغليفها بخزعبلات القديم ومهاترات الحديث-الحداثة- .. فنحن للأسف ننتقي الأسوأ من كليهما .. لأننا لا نتقن فن الإختيار .. ربما بقصد .. او بدون قصد ..
مكررين لعل وعسى ينفع التكرار:
إنماالأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا
وحتى لا يبدو موضوعنا ترفا فكريا جامدا وتنظيريا مائة بالمائة يتداخل فيه سجع القوافي و اللاقوافي -بدون قصد- ..
دعونا نُقْفَلْ عائدين لموضوعنا "الفّلْفَلَه" بفعلها فَلْفَلَ .. وايضا إسمها فلْفلْ - سواء حار حلو مسحوق اسود وابيض.. او خضروات بفلفلها الأخضر والأصفر والأحمروحتى السائل مثل الشطّة والتوباسكو وغيرها ..
كلها تؤدي الى الفَلْفَلَة اي الشعور بلذعة الفلفل وفق درجات مختلفة من الفلفل الحار المذاق والمتوسط او الخفيف..
ويظهر ان لغتنا العربية هي الوحيدة التي اشتقت الفعل فَلْفَلَ من الاسم الُفلفل.. .. فالفعل –فَلْفَلَ -اي حرْقَصَ الآخرين لدرجة الشعور بالضيق الصامت الذي لا يعبّرعنه صاحبه بل يتركه مُفَلْفَلًا " بيفافي " صامتا .. أو يردُّ عليه مضاعفا !
جاعلين من أغنية : يا عوازل فلفلوا ما قاللي وقولتيلوا .. بمثابة اسلوب تعامل أبدي منبثقة عن عملية فلفلة الرز اي سلقه بإضافة العصفر وما يتبع من بهارات وفق نوعية الطبخة ..
وعلى ضوئها تفتّق العقل عن أرز ماركة " فلفليهم".. يعني حرقصيهم عندما تنصح الحماة كنتها - بالإعلان- باستعمال ارز ماركة فلفليهم ، فكأن "زكاوة" الأرز ستفلفل الذائقين قائلة : موتوا بغيظكم- طقّوا - !
ونحن نقول : مش غلط اذا كانت الفلفة تخلق المنافسة من اجل تطوير الذات ..ولكننا نحن كشعوب نامية عربية لم نستفد من الحرقصة سوى نصب المكائد والتراشق بالكلمات فمنهم من يرد وآخرون يرثون لحال المُفَلْفِل لأنه هو اصلا مفَلفَل من أصله .. ولهذا يلذع الناس بفلفل لسانه نافثا سمومه بوجه الآخرين ..
ثقافة معتوهة .. ثقافة المفَلفِل والمُفَلْفَل.. القاهر والمقهور .. والداعس والمدعوس .. الخ ....حتى وصلنا اليوم للداعش والمدعوش !
يقول الخبراء اختصارا لكل المشاكل يُفَضل عدم الرد على الطرف البادىء بالمشاكسة –المفلفِل- بالمثْل ...اذ يجب على الطرف الآخر "تكبير عقله " ، باستخدام الحوار الصامت "غير اللفظي" وفقا لنوعية المشاكسين ومستواهم "العقلي" و "النفسي " عملا بفلسفة "قلة الكلام كلام " ..
فإصلاح النفس ومن ثم جعْلها نموذجا جيدا يقتدي به الآخرون هو المطلوب "أولا" ... فلندرك بأنه لو نظر الناس الى عيبهم .. ما عاب إنسان على الآخر..
فلماذا لا يستعملون ارز ماركة إصلحيهم .. وعّيهم .. نوْريهم .. عوضا عن فلفليهم .. فكفانا فلفلة بعضنا بعضا فنحن لسنا باّرُز!
شرح صور ناديا العالول