محمد طالب عبيدات
أما وقد أقرّ مجلس النواب مشروع قانون الإنتخاب وتم تحويله لمجلس الأعيان كمحطة تشريعية ثانية في مجلس الأمة لغايات مناقشته وإقراره، فإن هذا القانون يعتبر من أهم القوانين الإصلاحية السياسية وفق الرؤى الملكية السامية والأوراق الملكية النقاشية والرؤى الملكية الإصلاحية العصرية، فقد أقرّ مجلس النواب مشروع القانون وفق ما ورد من الحكومة بإستثناء بعض التعديلات التي أقرتها لجنته القانونية والتي جالت المحافظات كافة وإلتقت بالمواطنين ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب وفق حواريات وطنية متخصصة بإمتياز لهذه الغاية، ووافق على هذه التعديلات حوالي 88% من النواب الحاضرين أثناء التصويت على القانون.
وللأمانة فالقانون له ميزات نسبية إيجابية عديدة تتضمن الخروج من قوقعة الصوت الواحد والدوائر الوهمية ويتضمّن الترشّح وفق القوائم والتمثيل النسبي لحسم الفائزين، وحدّد عدد مقاعد المجلس بمائة وثلاثين وقسّم المملكة إلى 23 دائرة إنتخابية، ومن الممكن من خلاله تشكيل حكومات برلمانية من خلال إئتلافات نيابية مصغّرة حيث أن التجربة والحياة الحزبية الأردنية ليست بالقوية وتطغى عليها قوائم التيارات والأفكار السياسية والإجتماعية أكثر من الأحزاب، وبالتالي فإن فرص الفوز العادل لكافة ألوان الطيف السياسي والإجتماعي أكثر إمكانية.
والقانون الإنتخابي مكوّن من 68 مادة ويشكّل أول مشروع قانون إنتخاب توافقي دائم وليس مؤقّت، بحيث يتم توزيع المقاعد النيابية ضمن القانون وبنظام تضعه الحكومة وبحيث تكون كل محافظة دائرة إنتخابية واحدة بإستثناء عمان خمسة مقاعد وإربد أربعة مقاعد والزرقاء مقعدان، وتم منح المرأة خمسة عشر مقعداً إضافياً بواقع مقعد لكل محافظة وثلاث دوائر لبدو الشمال والوسط والجنوب، وسيكون لكل ناخب عدد من الأصوات التي تساوي عدد المقاعد المخصة لدائرته الإنتخابية بحيث لا يقل عن ثلاثة مقاعد للدائرة الواحدة، والقوائم لا تضم مرشحين أقل من ثلاثة ولا يتجاوز عدد المقاعد النيابية المخصصة للدائرة الإنتخابية، وبحيث يقوم الناخب بالإدلاء بصوته لقائمة واحدة فقط من القوائم المرشحة أولاً ثم يصوّت لكل واحد من المرشحين ضمن هذه القائمة أو لعدد منها. وأبقى القانون على كوتات النساء والمسيحيين والشركس والشيشان، وبالنسبة للمقاعد الإضافية للنساء لا تعتبر المرشحة ضمن الحد الأعلى للمرشحين في القائمة.
والقانون وضّح المادة المتعلّقة بشغور المقاعد لأي سبب سواء نتيجة الوفاة أو الإستقالة أو شغور المقعد الإنتخابي لأي سبب أو غير ذلك، كما فصّل القانون الحالات الإستثنائية المتعلقة بوفاة النائب أو تساوي الأصوات بين القوائم أو المرشحين، وأعطى الحق للمستخدمين المدنيين بعقود حق الإقتراع وإحتفاظ العسكريين بحق الإنتخاب حال التقاعد.
والقانون لا يتضمّن قوائم وطنية ولا عتبة حسم لإحتساب الفائزين، بالرغم من مطالبة بعض النواب بذلك، لكن رأي الأكثرية الديمقراطي كان قد صوّت ضد ذلك وبالتالي فنحن نحترم الرأي الديمقراطي الحرّ، وربما كان ذلك لقناعة النواب بعدم نضوج أو قوّة الحياة الحزبية وأن النسيج الإجتماعي والتيارات المصغّرة تطغى على ذلك، وبالتالي فعند عدم وجود قائمة وطنية فإن ذلك حتماً سيؤول لشطب مسألة العتبة لإعطاء الفرص للتجمعات والتيارات الصغيرة لتأخذ دورها، والقوائم الوطنية والعتبة برأيي مسألتان مرتبطتان بقوة ببعضهما.
وبالطبع لا يخفى على أحد أنه وبالرغم من بعض الأصوات التي تنتقد القانون لخلوه من قوائم الوطن الحزبية الصرفة إلّا أن القانون بصيغته الحالية يشجّع على إئتلافات وتيارات حزبية مصغرة عابرة للمحافظات وفق قوائم وطنية منظّمة، كما أن القانون لا يمنع من وجود برامج حزبية لهذه القوائم التي على مستوى المحافظة أو العابرة للمحافظات، وبالتالي هنالك فرصة قوية لتشكيل حكومات برلمانية من إئتلافات حزبية وتيارات مُعدّة مسبقاً إبّان الإنتخابات وذات صبغة برامجية سواء سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية أو غيرها.
وأمّا ما يردده البعض من أن القانون سوف يفسخ البيئة والبنية الإجتماعية والنسيج الإجتماعي الأردني كنتيجة لممارسات البعض إبّان الإنتخاب من حيث الخداع لبعض المرشحين وتركيز أبناء العشيرة الواحدة على مرشحها في القائمة لمنحه مزيداً من الأصوات والحجب عن غيره وغير ذلك من الممارسات السلبية، فالبطبع هذه ممارسات أخلاقية لا يضبطها أي قانون عصري، وبالتالي فهي ثقافة مجتمعية عند البعض وممارسات فردية مثلما أنه بالمقابل معظم المجتمع الأردني طيب وصادق وأمين وغير مخادع.
وبالملخّص فإن الحوار الذي دار حول قانون الإنتخاب إبّان جلسات مجلس النواب ولجنته القانونية واللقاءات المتكررة وآراء الشارع الأردني والمنابر الإعلامية والثقافية والشبابية وغيرها، كلها كانت تصبّ في مصلحة الوطن العليا صوب الإصلاح السياسي الذي يصبّ في بوتقة خريطة الطريق الإصلاحية التي رسمها جلالة الملك حفظه الله، ومشروع القانون إصلاحي بإمتياز وفيه تجاوز للصوت الواحد والدوائر الوهمية ويمنح مبدأ تكافؤ الفرص لكل المواطنين بالتساوي للتقدم للإنتخابات وفق حضورهم في الشارع وصناديق الإقتراع.
والآن مطلوب من الجميع سواء من صوّت للقانون أو ضدّه أو أثنى عليه أو إنتقده بأن يقف في خندق الوطن، فالديمقراطية تقتضي بأن نحترم رأي الأكثرية أنّى كان رأينا! والمطلوب المضي قدماً خلف مسيرة الإصلاح التي يتبناها جلالة الملك وأساسها أن يتم إختيار مجلس نيابي قوي دون إعتبارات شخصية وتغليب المصالح الوطنية العليا على كل شيء.
وبصراحة فقانون الإنتخاب توافقي ولا يمكن أن يرضي الجميع، وفيه خطوات إصلاحية للأمام وحتماً لا يخلو من السلبيات، ومن ينكر ذلك فهو جاحد بحق الوطن ومؤسساته الدستورية ولا مجال للمزايدة على الوطن وإنجازاته في ظل ما ننعم به من بيئة إصلاحية مستقرة وآمنه، ووفق حقوق المواطنة مطلوب من الجميع الآن التحضير للمرحلة المقبلة صوب إفراز مجلس نيابي قوي يمثّل كافة ألوان الطيف السياسي والإجتماعي الأردني وفق الرؤية الملكية السامية.