د.رحيل محمد غرايبة
أعلن الرئيس البريطاني «كاميرون» نتائج المراجعة التي أمرت بها الحكومة بشأن جماعة الإخوان المسلمين قبل عشرين شهراً، وجاء التقرير مبهماً، وحاول امساك العصا من وسطها، حيث أنه لم يبرىء الجماعة تماماً من صلتها بالإرهاب، كما لم يحسم صلتها بالإرهاب على نحو مؤكد، وإنما اعتبر عضوية الجماعة قد تكون طريقاً للتطرف، وأن هناك بعض المنتسبين لها يميلون نحو الخطاب المتطرف، ولم تعلن الجماعة الإدانة الصريحة للجماعات المتطرفة في استنادها على بعض أفكار «سيد قطب» الذي يعد أحد مفكري الجماعة، مما يجعل الجماعة ممراً محتملاً حسب رأيهم نحو التطرف. يعد التقرير نقطة تحول مهمة ويحمل بعض ملامح الخطورة بخصوص التعامل الدولي مع الجماعة على مستوى العالم، رغم أن التقرير لم يحسم صلة الجماعة «بالإرهاب»، إلّا أنه في المقابل لم يحسم براءتها، مما يجعله مرحلة متدرجة في سلم التصعيد ضد الجماعة، وعنصر الأهمية في هذا التقرير يعود بشكل أساسي إلى جهة صدوره، حيث أن بريطانيا دولة عريقة وتتبع منهجية هادئة في إصدار مواقفها السياسية بعيداً عن الاستعجال في الغالب الأعم كما هو معروف عنهم، وبريطانيا تمثل العقل الباطن للتحالف الغربي. يزيد عمر «الإخوان» على ثمانين عاماً، وهم حركة منظمة منتشرة في أقطار عديدة على مستوى العالم، وهم بكل تأكيد لم يمارسوا عمليات إرهابية، ولا يؤيدون هذا النهج، وهم يعلنون بشكل صريح وواضح تمسكهم بالنهج السلمي القائم على التربية والوعي الفكري، ويعتمدون الانخراط في العمل السياسي من أجل إحداث التغيير بطريقة هادئة ومتدرجة، ويسعون إلى إنشاء علاقات سياسية مع مختلف الأطراف والقوى السياسية على جميع الأصعدة العربية والإسلامية والعالمية. «الإخوان» دفعوا ثمناً غالياً لحركة الشعوب العربية في بعض الأقطار العربية في السنوات السابقة فيما أطلق عليه «الربيع العربي»، وخاصة من قبل الأنظمة العربية التي شعرت بالخوف والتهديد من ثورات شعوبها، مما جعلها تعمد إلى إعادة المراجعة والتقويم لأنشطة الحركة وتاريخها، واستخدمت النفوذ والأموال من أجل التأثير على الدول الصديقة وخاصة الدول الغربية. المطلوب من «الإخوان» أن يعمدوا إلى إجراء المراجعة العميقة والشاملة على صعيدهم الذاتي قبل أن يعمد الآخرون إلى تقويم مسيرتهم ومراجعة تاريخهم، وقد قيل ذلك لهم مراراً وتكراراً، ولكن كثيراً من قياداتهم أصمت آذانها عن سماع الأصوات من داخلها، وصرّح بعضهم : « أن الجماعة لا تحتاج إلى مراجعة، ويبالغ بعضهم بالقول أن الجماعة في أحسن أحوالها من باب المكابرة الساذجة التي من شأنها الإطاحة بتراث كبير وغني أسهم ببنائه عدد من المخلصين. الجماعة ينبغي عليها أن تكون حذرة من تسلل بعض المتطرفين إلى مواقعها القيادية وصفوفها التنظيمية وهناك نفر يصرحون بدعم مقولات القاعدة، وبعضهم يتصرف بشكل غير مسؤول ويقوم ببعض السلوكات ويصدر بعض الأقوال التي تسيء إلى الجماعة وأعضائها، وتبطل جهود سنوات طويلة من العمل الدؤوب والتصريحات الموزونة، حيث أن تصريحا واحداً غير موزون يصدر عن شخص غير متزن يعادل باثره السيء آثار مائة تصريح إيجابي مدروس وموزون. المسألة الثانية أن الجماعة لم تفرز أدبيات جديدة تناسب المرحلة، وتغطي على بعض الأفكار القديمة التي كان لها ظروفها وسياقاتها، وعندما يحاول بعض الإخوان الانتقال إلى هذا الافق الجديد، يتم مقابلة ذلك بالعرقلة والاتهام والحرب والحرق، بحيث يتم وصفها بأنها أقوال فردية وآراء شخصية. المسألة الثالثة تتمثل بعدم التقاط الرسالة في الوقت المناسب، وعدم قراءة المرحلة بدقة، قبل وقوع الفأس بالرأس! وكان ينبغي على القيادات أن تستلهم المستقبل بطريقة حكيمة على إثر التغيرات السياسية الكبيرة وأن تضع خطة جديدة لمواجهة هذه التغيرات، وأن تبتعد عن الاستعراض والانسياق خلف بعض الباحثين عن الأضواء عن طريق اللعب بعواطف الشباب والأتباع من خلال الإصرار على أسلوب التعبئة والاتهام، والرجوع إلى البكائيات وتلبس دور الضحية مرة أخرى. المشكلة الكبرى تظهر دائماً في طغيان صوت الرداحين والانفعاليين، من الذين يجيدون كيل الاتهامات وإطلاق الأوصاف، بعيداً عن تربية الأعضاء على التفكير الهادىء المتزن، وامتلاك القدرة على الموازنة ووقف مسلسل الخسائر وإدارة الهزيمة والانسحاب بذكاء، بل نلاحظ الإصرار على تكرار المنهج نفسه الذي أدى إلى فقدان مكتسبات الحركة التي حصلت عليها عبر سنوات طويلة. ينبغي التفكير الآن في أن لا ننقل الخسارة إلى الإسلام نفسه، وأن لا يصل الضرر إلى الشعوب العربية والإسلامية، وأن يكون الهم عاماً وليس حزبياً ضيقاً، وأن يمتلك الأعضاء المرونة الكافية التي تجعلهم قادرين على توظيف خبراتهم ومؤهلاتهم في خدمة أوطانهم، وأن يتوقف البكاء على الأطلال.