الشاهد - بقلم كلٍ من بيانكا باكس، مديرة ممارسات التعددية والمساواة والشمول في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى بين آند كومباني، وسارة مينيلي، الشريكة لدى بين آند كومباني الشرق الأوسط
بينما تواجه الشركات صعوبات جمّة ناجمة عن النقص الحالي في الموارد البشرية من أصحاب المهارات والمواهب، يمكن للسيدات أن يشكّلن جزءًا هامًا من الحل. فعلى الرغم من اختلاف نقاط الانطلاق والسياقات الثقافية في كل دولة، فإن هناك فرصًا سانحة في كل دولة لضمّ مزيد من السيدات إلى القوى العاملة لتلبية احتياجات المؤسسات وتعزيز تمكين المرأة فيها. ولا شكّ في أن فهم أوجه الاختلاف -وحتى أوجه الشبه- بين الرجال والنساء في سياق العمل أمر بالغ الأهمية للتعامل مع هذا الجانب واستقطاب أفضل المواهب.
وقد وجدت أبحاثنا حول الشمول أن الرجال والنساء يشعرون بالمساواة من حيث الإلحاق والاستبعاد من العمل، رغم اختلاف المخرجات والتجارب التي يخوضها كلا الجنسين في مكان العمل.
استمرار الانحياز الجندري في السيطرة على الخيارات المهنية
ربما أصبحت المهن أكثر توازنًا خلال الثلاثين عامًا الماضية، ولكن عدد السيدات لا يزال أقلّ مما ينبغي في المهن الإدارية والتقنية ذات الرواتب العالية – وبخاصة في الوظائف التي تشهد طلبًا كبيرًا في وقتنا الراهن.
يتعلم الأطفال منذ صغرهم عددًا من الأنماط والتوقعات المهنية المرتبطة بنوع الجنس، وذلك انطلاقًا من الفكرة القائلة باختلاف القدرات بين الفتيان والفتيات. ورغم اختفاء فجوة التعليم الجامعي بين الرجال والسيدات في معظم الدول، ما يزال خريجو المجالات التقنية من الرجال في الغالب.
اهتمام النساء بالمرونة في العمل أكثر من اهتمام الرجال
ما زالت المعتقدات بأن الرجال هم من يذهبون للعمل وأن النساء هن المنوطات بشؤون المنزل راسخة لدى البعض بشكل يقيّد المرأة والرجل على حد سواء، ولهذا فإن العثور على وظيفة تمتاز بالمرونة يعتبر حلًا لمشكلة من جهة وسببًا لمشكلة أخرى في الوقت ذاته - لأن ترتيبات العمل المرن، كالعمل بدوام جزئي مثلًا، تعني انضمام المرأة إلى سوق العمل على حساب حصولها على الراتب المناسب والتطور الوظيفي.
كما أن السيدات اللاتي يواصلن العمل في وظائف بدوام كامل قد يبتعدن عن الوظائف "التي تنطوي على ضغوطات كبيرة" والتي يرين أنها تنطوي على ظروف غير متوقعة. وبالإضافة لما سبق، تأخذ الموظفات إجازات طويلة بوتيرة أطول من الرجال، ويقول أكثر من 30 بالمائة من السيدات اللاتي قلّلن ساعات عملهن أو حصلن على إجازة طويلة أن ذلك أضرّ بمسارهن المهني، مقارنة بأقل من 20 بالمائة من الرجال.
استمرار التحيّز يؤدي إلى معاملة النساء بشكل مختلف
تضرب الكثير من السلوكيات والهياكل المطبقة في مكان العمل بجذور تعود إلى الانحياز الواعي وغير الواعي وتنطلق من أنظمة صممتها الأغلبية، وهم الرجال. ويؤدي ذلك إلى معاملة السيدات بشكل مختلف، فهنّ يتلقين الإرشاد والتوجيه في الغالب ليعرفن ما عليهن القيام به، إلا أنهن يفتقرن إلى الرعاية والدعم لتأييد مساهماتهن، حيث يميل القادة الرجال إلى دعم الرجال في عملهم.
كما يمكن أن تؤدي أنظمة الترقية إلى ظهور مخرجات منحازة بحيث يعمل القادة على تقييم معايير الترقية بصورة غير موضوعية تمنح الأفضلية للرجال – ومنها مثلًا توفر مهارات القيادة لدى الشخص. ويطلب من السيدات أيضًا أداء وقبول أعمال إدارية أكثر وتحمّل أعباء العمل العاطفي دون أن تحصل على مقابل لذلك بشكل عام.
الركائز الخمس الأساسية للشركات الكبرى
عادة ما تتسم الشركات الرائدة بالاستباقية في تعاملها مع انعدام التوازن الجندري وما يسببه من مشاكل للسيدات والرجال، حيث يدعم كبار القادة تلك الجهود من خلال خمس ركائز أساسية:
1- الوعي بمشكلة بالسقوط في المستوى المتوسط
عند معاملة السيدات أو الرجال أو أية مجموعة ضمن قالب واحد، لا يكون بوسع الشركة الالتفات لاحتياجات الأفراد المختلفة، ولكن الاهتمام بالعوامل المتعددة التي ترسم التجارب الحياتية لكل فرد يساعد الشركات في تجاوز المستوى المتوسط وتحقيق التميّز عن غيرها.
وبهدف استقطاب أفضل الموظفين والاحتفاظ بهم، مع ضمان وجود الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة، تنتهج الشركات الرائدة في هذا المجال مقاربة دقيقة ومصممة بشكل يتناسب مع فريقها، فبعض الموظفين يرغبون بعمل ينسجم مع شغفهم بينما يتطلع الآخرون إلى المرونة والتقدم المهني.
2- مكافحة الانحياز الجندري من خلال الرعاية وتنوّع القدوات
قد يكون الانحياز لأحد الجنسين سببًا في كبح إمكانات الموظفين وعدم إطلاق العنان لجميع ما لديهم من قدرات، ولكن بوسع الشركات مكافحة ذلك الانحياز والابتعاد عنه عبر إبراز قدوات تتسم بالتنوع وتوفير الفرص المتساوية للرعاية والدعم، وعبر تشجيع الجهود التشاركية وترسيخ الإجراءات الملموسة لمواجهة الانحياز وتخفيف أثره.
وتلعب القدوات المتنوعة دورًا هامًا وملهمًا على الصعيد المهني، إذ إن رؤية القادة يحاربون المعايير الجندرية التقليدية – كالرجال الذين يذهبون في إجازات طويلة لرعاية الأسرة – يساعد في التخفيف من ذلك الانحياز. كما أن وجود قادة من خلفيات مشابهة للموظفين يعزز تطلعاتهم ويدفعهم للبقاء في عملهم – مع الملاحظة بأن الجهات الراعية لا يجب أن تكون من الخلفية.
ولا ننسى أهمية البعد عن الانحياز في التوظيف والترقية، مثل تنقيح المعلومات في السيرة الذاتية أثناء عملية المراجعة الأولية أو طلب خضوع المديرين والمسؤولين عن الترقية أو عن إجراء المقابلات لتدريب متخصص ضد التحيز.
3- إرساء الممارسات الشمولية كون ذلك إجراءً مضادًا لاختلال التوازن الجندري
نعرّف الشمول بأنه إحساس الانتماء للمؤسسة وللفريق والحصول على معاملة كريمة كفرد والتشجيع على المشاركة الكاملة بشخصية الفرد الأصيلة. وتظهر أبحاث بين أن أقل من 30 بالمائة من الرجال والسيدات يشعرون بالشمول الكامل لهم في العمل مما يعني أن هناك العديد من الأمور اللازم تحسينها لمعالجة هذه المشكلة.
ويعدّ الشمول عاملًا هامًا لبقاء الموظفين في المؤسسة لأطول فترة ممكنة ولدعم الابتكار وتحسين الأداء. وفي هذا السياق، نرى بأن هناك ثلاث خطوات بالغة الأهمية تعزز الشمول للجميع، وهي: تشجيع النمو من خلال التطور المهني والإرشاد والتوجيه والشراكات، وتيسير التواصل مع مجموعات مماثلة وشبكات داعمة، بالإضافة إلى إظهار الالتزام تجاه طموحات التنوّع والمساواة والشمول.
4- دعم العاملين عن بعد وإزالة العقبات التي تعيق نجاحهم
وبالنسبة للموظفين الذين يحتاجون إلى المرونة أو يرغبون بها، فيمكن أن تسهم خيارات العمل بدوام جزئي أو العمل عن بعد في بقائهم ضمن قوة العمل، إلا أن تلك الترتيبات غالبًا ما يرافقها تباطؤ في النمو المهني والعديد من التضحيات المرتبطة بالراتب. ورغم أن عدد السيدات اللاتي يعملن من خلال ترتيبات العمل المرن أو الدوام الجزئي أكبر من الرجال في الوقت الراهن، نرى عددًا متزايدًا من الرجال الذين يعطون الأولوية للمرونة كذلك.
كثيرًا ما يواجه العاملون عن بعد والعاملون بدوام جزئي تحيزًا ضدهم – بما في ذلك ما يتعلق بالترقية، لأن العاملين عن بعد لديهم فرصة أقل بالحصول على الترقية رغم تشابه إنتاجيتهم مع الآخرين أو حتى تفوقهم عليهم. وهنا يمكن توظيف عدد من أساليب مواجهة التحيز الجندري لمساعدة الموظفين الذين يفضلون العمل المرن، ومنها التدريب المتخصص والتخلي عن معايير النجاح غير الواضحة، إلى جانب ما تقوم به الشركات الرائدة من تخصيص وقت شخصي للعاملين عن بعد أو العاملين بدوام مرن للقاء مدرائهم وقادة شركتهم.
5- موارد واعدة من أصحاب المواهب من خلال برامج تطوير المهارات أو استقطاب العائدين إلى سوق العمل
النساء أكثر عرضة من الرجال لأخذ فترات استراحة أو إجازات مطوّلة في منتصف مسارهنّ المهني، وهو ما يُعزى في الغالب للالتزامات العائلية المترتبة عليهن. وفيما يودّ حوالي 90 بالمائة من السيدات العودة إلى العمل، فإن النسبة التي تعود منهنّ بالفعل هي 40 بالمائة فقط، إذ تواجه حوالي ثلاثة أرباع السيدات الراغبات بالعودة إلى سوق العمل بعد فترة توقف اختيارية صعوبة جمّة في العثور على وظيفة.
وهنا ينبغي النظر إلى الموظفين الذين غادروا في إجازات طويلة على أنهم مورد واعد للمهارات والمواهب رغم أنهم قد يحتاجون لتعلّم مهارات جديدة للعودة إلى سوق العمل. ويمكن للبرامج المخصصة لأولئك العائدين، والتي توفر لهم التدريب على المهارات الرقمية المطلوبة، أن تحسّن التوازن الجندري في العديد من المجالات المهنية، كما أن تطوير مهارات الموظفين الحاليين يحسّن من فرص بقائهم في وظائفهم ويسهم في إيجاد مجموعة متنوعة من أصحاب المواهب ليكونوا مرشحين مناسبين للمناصب الإدارية.
تحقيق التوازن
يمثل التعامل مع الانحياز الجندري رحلة متعددة المستويات لا وجهة محددة لها – ولكنها بالغة الأهمية لضمان استفادة السيدات من أفضل ما لديهن من إمكانات وتقديم أفضل ما لديهن من إمكانات في سياق العمل. وفي سباق استقطاب المواهب، لا يسع الشركات أن تتجاهل نصف المواهب الواعدة المتاحة.