د.سامي علي العموش
عندما ترجع بي الذاكرة إلى الوراء كانت الأفكار الواردة بأن الحرب على أوكرانيا ستكون محدودة ومحسومة واعتقد بأن هذه الرؤيا كانت موجودة لدى القيادة الروسية، ولكن سرعان ما أخذت هذه الحرب منحى دولي واستقطابات نراها في المحيط الإقليمي، ليبدأ مسلسل الحرب بشكل مختلف ودراماتيكي، مما استدعى بالقيادة الروسية إحداث مزيد من التغييرات في البناء الإستراتيجي وتغيير كثير من المواقع حتى تستطيع إحداث تفوق نوعي في الحرب، وهنا يظهر لنا بأن هذه الحرب بدت في محورين أو قطبين أحدهما يحارب والآخر يضغط ويزود بالسلاح والمال والعِتاد حتى يُديم استمرارية المعركة، ويُحدث تفوق لدى المعسكر الغربي المتمثل في أوكرانيا من خلال الدعم، لكن الدب الروسي اتجه إلى السيطرة وبسط النفوذ على عدة أقاليم وأتبعها إلى روسيا من خلال الاستفتاء والطلب بالانضمام إلى روسيا، كل هذا يستدعي الوقوف ملياً والسؤال إلى متى تستمر هذه الحرب؟ وخصوصاً بأن هناك ملفاً نووياً لدى القوى المتصارعة.
وعلى الجانب الآخر نجد بأن الصين لا زالت تحافظ على الصمت وتتصرف بالحياد بالرغم من بعض الضغوط التي تمارس على تايوان فهي تقوم بدور المدافع والمنتظر وليس المهاجم، فالمصالح الاقتصادية لديها تتفوق على المصالح العسكرية؛ من خلال النفوذ الاقتصادي والميزان التجاري في البضائع والسلع المصدّره إلى الولايات المتحدة وغيرها، فهي عملياً تنظر من خلال هذا المفهوم وتحاول استبعاد الخيار العسكري عاملة بمبدأ التفوق الاقتصادي والتوسع التجاري في الوقت الذي يعاني منه الدب الروسي من الضغوط الاقتصادية والحصار من كافة الاتجاهات، إلا أنه في نفس الوقت يحقق تقدماً في ميزان القوى معلناً بأنه لم يعد بالإمكان الإبقاء على القوة الواحدة وأن هناك قوى أخرى لابد أن يكون لها كلمتها ونفوذها، وهو يعني بذلك الدور الروسي والصيني في النفوذ العالمي، ثم دور الهند وبعض الدول الآخذه في النفوذ مثل: تركيا وإيران والسعودية، هذه معادلات قادمة لابد من التعامل معها وأن يكون لها حصة من قطعة الحلوى العالمية.
إذاً الصين تحاول تحقيق النفوذ والظهور كقوة عالمية اقتصادية مشاركة بدون إحداث خسائر عسكرية إن أمكن في وقت يتجه فيه العالم ونحن على أبواب الشتاء للحاجة إلى الغاز والوقود وكثير من المواد الغذائية الموجودة في أوكرانيا، هذه المعادلات تفرض نفسها وتتطلب حلولاً سريعة أو بدائل حتى تحدث توازناً عالمياً وإقليمياً في الصراع على النفوذ.
وفي الخلاصة فما يَحدث هو صراع نفوذ ومصالح، وتقاسم الحصة العالمية وإن ما يقوم به بوتين في الفترة الحالية لا يحتمل التراجع لا بل الحقيقة لا يملك التراجع؛ فالتراجع يعني إنتحاراً سياسياً بكل معنى الكلمة والنجاح يعني بأن روسيا العظمى قوة عالمية لا يمكن تجاهلها ويجب التعامل معها على هذا الأساس، والورقة الصينية ظاهرة وضاغطة ومتقدمة، وبروز القوى الأخرى يبين بأن هناك ولادة جديدة بصورة مختلفة لقوى أخرى وأن القوة الواحدة لن تستمر في الهيمنة للأمد البعيد...