د.مفضي المومني
ينتظر الأردنيون غداً نتائج الثانوية العامة، أيديهم على قلوبهم… منتظرين معدل مأمول وتخصص مجهول…! مثل كل عام… وتتكرر الحكاية… وننشغل بالتهاني والكنافة والحفلات ومواكب الخريجين… والذي ثبت مع الوقت أن أصحاب المعدلات المنخفضة هم الأكثر فرحاً وضجيجاً… وأحيانا العادة السيئة إطلاق العيارات النارية لأن الطخ تقليد فج وخاطئ يوحي لصاحبة بالرجولة أو لفت النظر… ونرجو أن لا يتكرر ويزهق ارواح الأبرياء.
وماذا بعد… (تذهب السكرة وتأتي الفكره)… حين ينفض السامر… وندخل في معمعة البحث عن مقعد جامعي وتخصص مرغوب مهيوب… ! وتداهمنا نماذج القبول الموحد، وما يواجهه الناجحون واهاليهم في إختيار التخصصات… والوجهة القادمة، ونعلم جميعا ما يحمله ذلك من رهبة وخوف وقلق للأهل والطلبة، كون التخصص الذي ستحمله نتائج القبول الموحد هو المُحدد لتخصص الطالب في الجامعة ودراسته المستقبلية وبالتالي مسيرته المهنية والحياتية كما تعودنا..!، إذا عرفنا أننا ندرس في الجامعات لنتمكن من تحصيل وظيفة أو عمل فيما بعد، ومع صدور نتائج الثانوية العامة غداً، يجب التنويه إلى تقصير جامعاتنا في قضية إرشاد الطلبة للتخصصات التي تطرحها أي الإرشاد والتوجيه الأكاديمي والمهني، إذ نطالع إعلانات الجامعات؛ وبالذات الخاصة لتسويق تخصصاتها مركزةً على أسعار الساعات وما يتوفر من تخصصات، دون أي تلميح أو تصريح يصب في خانة التوجيه والإرشاد الأكاديمي والمهني( للتنويه الإرشاد والتوجيه المهني علم تطبيقي له مراحل تبدأ من المدرسة إلى التعليم العالي ومن ثم التدريب والتشغيل والعمل والتقاعد، ومراحله تبدأ بالإختيار ثم التدريب ثم الإستخدام أو التشغيل ومن ثم التكيف ولا يقتصر على مرحلة ما بعد التوجيهي فقط، ولكني أركز هنا على هذه المرحلة لأننا لا نهتم في المراحل الأخرى…! ).
الجامعات وبالذات الحكومية لا تقوم بتسويق تخصصاتها وشرح أهميتها والتعريف بها وتوضيح كل ما يخص هذه التخصصات للطلبة، إذ لا يكفي إعلان أسماء التخصصات وأسعار ساعاتها، ولا تقوم بعمل ورش تثقيفية إرشادية للناجحين في حرمها الجامعي أو أي مكان أو وسيلة ولا تصل للطلبة في بيئاتهم قبل الأختيار، وتكتفي كل عام بتزويد التعليم العالي ولجنة القبول الموحد بأعداد المقاعد المتاحة لديها لكل تخصص، وترمي بالثقل على لجنة القبول الموحد لأن قبول وتهافت الطلبة على المقعد الجامعي في الجامعات الحكومية تحصيل حاصل، والقضية لا تعدو تعبئة شواغر لديها، وحساب مالي… ! وتعتقد غالبية إدارات الجامعات الحكومية أنها تتعامل مع (زبائن جاهزين..!) وغير مطلوب منها أي عناء لإرشاد الطلبة والأهالي..!
وهذا مفهوم خاطئ ولا يبرره أن القبول للطلبة على التخصصات المختلفة يحدده معدل الثانوية العامة فقط، فإذا علمنا أن علم الإرشاد والتوجيه المهني له ركيزتين أساسيتين أولاهما الفرد؛ من حيث شخصيته وميوله واتجاهاته وقدراته، وثانيهما العمل، وتحليله وخصائصه ومتطلباته، حيث يساعد الإرشاد والتوجيه المهني والأكاديمي الرصين على أن يمتهن الفرد مهنة تتناسب مع ميوله واتجاهاته وقدراته وسماته الشخصية، وعكس ذلك ذهاب الأفراد والطلبة إلى تخصصات لا تتناسب مع ميولهم واتجاهاتهم وقدراتهم، وهذا له مردود سلبي جدا على الفرد والمجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ومن أهم انعكاساته، أفراد يفتقدون للطموح في مهنهم وتخصصاتهم، إنتاجهم متدني، محبطين، ليس لديهم طموح لتطوير ذاتهم وأعمالهم، يتركون عملهم حيثما سنحت الفرصة وغيرها… وينعكس كل ذلك على إنتاجهم أو خدماتهم التي سيقدمونها عند إنخراطهم في العمل بعد التخرج، ويتسبب أحيانا بضياعات وفواقد اقتصادية بحسابات اقتصاديات التعليم بسبب ترك المهن والتخصصات التي تم تأهيلهم لها، وانتقالهم إلى أعمال أخرى بسيطة غير التي تم تأهيلهم لها، وهذا يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني في المجمل، وكذلك على الفرد والمجتمع.
من هنا نتساءل ماذا عملت الجامعات لإرشاد الطلبة في التخصصات التي تطرحها… ؟، وهل لديها دراسات ومنشورات رصينة متاحة لخريجي الثانوية العامة وأهاليهم عن كل تخصص؟، من حيث تعريفه ومجالاته العملية ومتطلباته وخصائصه، وكذلك دراسات مسحية للعرض والطلب عليه في سوق العمل..!، ازعم أن ذلك غير موجود، وان وجد فبشكل محدود وسطحي جدا لا يتجاوز مسميات التخصصات، ومن خبرتنا العملية نتعرض يوميا وخاصة في فترة ما بعد ظهور النتائج للسؤال عن التخصصات من الناجحين في الثانوية العامة وأهاليهم، وتكون الإجابات بسيطة وسطحية تفتقر للدقة والمعلومة، وعليه تنحصر اختيارات الطلبة أثناء تعبئة طلبات القبول الموحد، باختيارات عشوائية غير مدروسة لا ترتكز على علم التوجيه والإرشاد المهني والأكاديمي، وهذا يفسر فيما بعد تدني مستوى الخريجين في غالبية التخصصات، لأن اختياراتهم في الأصل غير صحيحة أو مناسبة لعدم وجود توافق بين خصائص الفرد ومتطلبات العمل.
من هنا فالواجب على الجامعات أن تصل للطالب والأهل من خلال طرق التواصل المختلفة ومن خلال مواقع الجامعات على شبكة الانترنت، بحيث يستطيع الطالب والاهالي اخذ تصور كامل عن كل تخصص، ومتطلباته وخصائصه ومجالات العمل والتطور الأكاديمي والوظيفي فيه، مما يساعد خريجي الثانوية العامة على الاختيار الواقعي الحقيقي والأفضل الذي يلتقي مع ميولهم واتجاهاتهم وقدراتهم وخصائصهم الشخصية، وكلنا يعلم إخفاق الكثير من الطلبة في تخصصاتهم الجامعية سواء أثناء الدراسة، أو فيما بعد في حياتهم العملية.
ويجب أن تستبق الجامعات مجلس التعليم العالي في إيقاف والتخلص من التخصصات الراكدة وتطرح تخصصات جديدة يطلبها سوق العمل.
أملنا أن تخرج جامعاتنا الرسمية من تقاعسها وتغيبها عن مشهد التوجيهي ومابعده، لتساهم في إرشاد وتوجيه الناجحين في الثانوية العامة، وتؤمن لهم الإرشاد والتوجيه المهني والأكاديمي اللازم والمدروس، لمساعدتهم على الإختيار الصحيح، فهل نرى إجتماعات عاجلة لمجالس الأمناء والعمداء والكليات والأقسام في جامعاتنا الوطنية، لتفعيل دورها المطلوب في الإرشاد والتوجيه الحقيقي للطلبة..! وأقترح عمل أيام توجيه وإرشاد في قاعات ومرافق الجامعات في الحرم الجامعي، بحيث تكون هنالك زاوية لكل قسم وتخصصاته وتوفير مواد مطبوعة بما أسلفت… وحضور أعضاء هيئات التدريس لمقابلة الأهالي والطلبة وشرح كل ما يخص التخصصات لديهم، وكذلك الإجابة على إستفساراتهم، ويمكن تكليف كل قسم بعمل فيديو قصير عن كل تخصص لديه يتم عرضه ونشره للطلبة والأهالي، وهنالك الكثير مما يمكن عمله لاستقبال الأهالي والطلبة في الحرم الجامعي… والأفكار كثيرة… وتشعر المدرس وإدارة الجامعة بدورها… وتريح الأهالي بالتواصل مع الجامعة وإدارتها ومدرسيها، لتحقيق ولو نسبه من التوجيه والإرشاد، مما يسهم في رفع سوية العملية الأكاديمية، وسوية الخريجين ويساهم فيما بعد في رفع سوية الاقتصاد وسوية المجتمع، وتقليل الفواقد وعدم الكفاءة، وقد أدركت ذلك الدول المتقدمة وعملت عليه منذ زمن بعيد، وأملنا أن تدرك الجامعات لدينا وجميع المؤسسات التعليمية مسؤليتها في أهمية الإرشاد والتوجيه المهني والأكاديمي لرفع سوية الخريجين وبالتالي دعم وتطوير الاقتصاد والمجتمع. ....حمى الله الأردن.