د.رحيل محمد غرايبة
في ظل الحملات المدنية والرسمية التي تعمل تحت لافتة حماية الأسرة والطفل، واعتماد مسار التجييش العاطفي أحياناً، والنزوع إلى منهج إثارة التناقضات الاجتماعية والدينية والقيمية؛ الذي يخلو من الانصاف والنظرة الواقعية المعتدلة من مختلف الأطراف، لا بد من الوقوف على جملة قضايا في غاية الأهمية، وينبغي على جميع الأطراف أن تتناولها بصدر رحب، وبمنهجية سليمة، بعيداً عن المواقف المسبقة والشعارات الجاهزة.
من المتفق عليه ابتداءً ضرورة حماية الأسرة والطفولة عبر منظومة شاملة ومتكاملة من المسارات، بدءاً من المسار التعليمي والتربوي الذي يهدف إلى تنشئة الأجيال على القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة، مروراً بالمسار التشريعي على صعيد إيجاد القوانين التي تعالج هذا الجانب بطريقة مدروسة بعناية، من أجل انصاف المرأة بطريقة عادلة، لتكون عضواً فاعلاً في المجتمع في كل مجالات الحياة بما فيها المجال السياسي والاقتصادي، حيث لا يقتصر دور المرأة على المجال الاجتماعي والأسري والتربوي، بالإضافة إلى تنقية التشريعات الموجودة وتحديثها وتطويرها، بما يتفق مع منظومة قيمنا الحضارية التي لا تتعارض مع متطلبات العصر والظروف المتغيرة، وصولاً إلى مسار المؤسسات الحكومية والمدنية القادرة على التنفيذ والرعاية والعناية والحماية المطلوبة.
نحن نشاهد المناضلين في هذا المجال انهم ينقسمون إلى فئتين: فئة تعمد إلى رفع شعارات حماية المرأة والطفل والأسرة عبر نظرة وافدة، وتنهج منهجاً لا يراعي قيم الأمة وأعرافها المستقرة، وتريد القفز فوق الموروث والتراث بطريقة غير علمية، ولا تراعي واقع المجتمع واستقرار الأسرة المطلوب، ويجري أحياناً الاستثمار بقضايا غير صحيحة، وحوادث مفتعلة، ويتم تغليفها بطريقة إعلامية مضللة، وهناك فئة تقابل الفئة الأولى تتعامل مع الموضوع بطريقة الفزعة التي تعتمد على التهييج العاطفي، واعتماد منهج الإتهام، والخطاب العدائي الذي لا يستند إلى دراسات علمية، ولا نظرة سديدة في رؤية الأخطاء والتشوهات التي تعاني منها منظومة القوانين والأنظمة والأعراف السائدة، التي تناقض أحياناً مبادىء الإسلام، وفيها ظلم واضح للمرأة وتصرفات متوارثة بعيدة كل البعد عن منطق العدالة والإنصاف.
ولذلك نحن بحاجة إلى منهج آخر لا يميل إلى هذا ولا إلى ذاك، بحيث يتم اعتماد الطريق الذي يؤمن بضرورة إعادة النظر في مجمل التشريعات الناظمة لحياة الأسرة والمرأة، وأن يتم دراستها عبر لجان متخصصة من الدارسين والعلماء وأهل الرأي والخبرة، بطريقة علمية موضوعية، لا تخضع لمنطق الرؤية أحادية الجانب، ولا تنتظر الدعم المالي الخارجي، ولا يكون ذلك سبباً للتكسب والإثراء المادي، وفي الوقت نفسه لا بد من الابتعاد عن الطريقة العشوائية في الرد والخصومة والإتهام غير العادل وغير المنصف.
لا بد من الاعتراف بوجود ظلم واضح للمرأة يجري أحيانا مغلفاً بالدين، وهناك موروث من السلوكات والانطباعات والاتجاهات الاجتماعية التي تناقض جوهر الإسلام وروحه ومقاصده العامة، وتعتمد على فتاوى واجتهادات شخصية، لها ظروفها وبيئاتها الخاصة، ولا تعتمد على نصوص قاطعة صحيحة، ولا على فهم قويم للقواعد العامة؛ التي تساوي بين المرأة والرجل في أصل الخلقة، وتساوي بينهما في مبدأ الكرامة الإنسانية، وتساوي بينهما في خطاب التكليف العام وفي الحساب والجزاء والثواب والعقاب، حيث يقتضي إرساء مبادىء التعاون بين الرجل والمرأة في مهمة إعمار الكون وصيانة المجتمع وإعلاء الشأن العام، وترجيح المصلحة العامة، على صعيد المسؤولية المشتركة في الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وإقرار دور المرأة في الولاية على نفسها وطفلها وأسرتها، بلا مانع شرعي مصطنع، فالمرأة كائن مستقل بالذمة والمسؤولية في الدنيا والآخرة، وليس مخلوقاً تابعاً للرجل.
نحن نتطلع إلى مسار ثالث موضوعي علمي متزن، غير منفلت وغير ضيق ومتطرف، يحقق الغاية المطلوبة بلا فوضى ولا زعزعة اجتماعية ولا تدخل أجنبي، فنحن نملك القدرة على انصاف أنفسنا وانصاف المرأة دون تقليد الاخرين، ودون انسلاخ من حضارتنا العظيمة.