د .رحيل الغرايبة
كلُّ الأحزاب العربية التقليدية بحاجة إلى مراجعة عميقة وشاملة، وينبغي ألا يقتصر طلب المراجعة على الإسلاميين والأحزاب والجماعات المنبثقة من الفكر الإسلامي، بل هي حاجة ملحة لجميع الأطراف والقوى السياسية التي سلخت من عمرها عقوداً طويلة في العمل السياسي، على الساحة السياسية المحلية والعربية، سواء نجحت في الوصول إلى السلطة أو لم تنجح.
المراجعة المطلوبة لا تعني الانتقاص من جهودها، ولا يعد ذلك نكراناً لتضحيات قادتها وأعضائها، كما أن المراجعة لا تعني بحال الخروج على المبادئ، ولا تمرداً على الثوابت، إن كانت ثوابت فعلاً، بل ينبغي الاتفاق على أن المراجعة ضرورة حتمية لكل جهد بشري بلا استثناء، بل يمكن أن يعد ذلك من باب الوفاء للمبادىء والمثل، لأنه يمثل خدمة لها وعملاً ضرورياً لاستمرارها وبقائها.
من المعلوم بالضرورة لدى أتباع الدِّين الإلهي، أن الله بعث رسلاً وأنبياء كثيرين، وكل رسول كان يأتي ليكمل ما جاء به الرسول الذي قبله، ثم يضيف ويعدل ويلغي وينسخ ما يستحق النسخ، لأن حال الناس يختلف من زمان إلى زمان، ويختلف من مكان إلى مكان، ولذلك يمكن القول إن الرسل والأنبياء يتفقون في أصول العقيدة القائمة على الإيمان بالله وتوحيده وعبادته، ولكن هناك اختلافا في الشرائع وفي الفروع على الجملة، فمن باب أولى أن يتم النظر إلى الأحزاب بالطريقة نفسها؛ وألا يقف أتباع الأحزاب على تعاليم أحزابهم أنها مقدسات ثابته لا يجوز تعديلها ولا تطويرها ولا مراجعتها.
كل الأحزاب والجماعات عبارة عن أدوات ووسائل، اجتهد في إيجادها المؤسسون والروّاد الأوائل الذين يستحقون الشكر والتقدير على ما قدموا واجتهدوا، ولكن ذلك -بكل تأكيد- وجد في ظرف زماني ومكاني معين، وقد طرأ من التغيرات الكثيرة والعميقة والجذرية أحياناً، التي تجعلها غير صالحة بكل ما جاء بها من أصول وفروع لظروف زمانية ومكانية مختلفة.
خطاب المراجعة لدى الإسلاميين -على وجه الخصوص- ينبغي أن يخرج من إطار التقديس ومن إطار الكفر والإيمان، بما يخص الأسماء والأهداف والغايات والبرامج وما يخص الأنظمة والتعاليم واللوائح لأحزابهم، وما تزخر فيه أدبياتهم من اجتهادات متفاوتة ومختلفة، بعضها ما أصاب كبد الحقيقة، وبعضها ما أخطأ، لأن أصحابها ليسوا معصومين بإجماع الأمَّة بكل تأكيد.
المشكلة التي تستحق العلاج في هذا السياق، أن كثيراً من الأتباع لا يفرِّقون بين الإسلام نفسه من جهة؛ وبين الحزب الإسلامي أو الجماعة أو الجهة المنبثقة من الإسلام من جهة أخرى، ولذلك تجدهم يعمدون إلى استخدام ألفاظ الكفر ومصطلحات الردة أحياناً، بالإضافة إلى اطلاق ألفاظ السقوط والتساقط والخيانة والعمالة لكل من يخالفهم في الرأي والاجتهاد، وبعضهم يذهب إلى إسقاط مصطلحات البيعة والإمام والسمع والطاعة، فيما يتعلق بزعمائهم وأحزابهم وجماعاتهم، وكأنها بيعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ولخلفائه من بعده، أو للأئمة عند الشيعة الإماميّة، فهذا قصور كبير في الفهم يستحق العلاج من وجهة نظر إيمانية وفقهية، وينبغي أن توضع الأمور في نصابها الصحيح، بعيداً عن الاستثمار في الجهل والتجهيل.
المشكلة نفسها نجدها عند غير الإسلاميين كذلك، وإن اختلفت المصطلحات، فترى التمسك العاطفي أحياناً لدى بعض الأتباع لحزب من الأحزاب التي انتهت واستنفذت أغراضها، أو فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق شيء من أهدافها، وهذا لا يعني الحكم على كل ما جاء لديها بالبطلان، فهناك ما يستحق التقويم والتثمين، ولكن ليس هناك ما يمنع من إعادة المراجعة والتجديد وتغيير الأسماء والمسميات.