عبدالهادي راجي المجالي
... يوجد فارق كبير بين (ماما) وبين (يمه)... بين (مامي) وبين (يابني).. بالمناسبة أنا من حزب (يمه) ومن شعبة (يا ميمتي)... كنت أنادي أمي (يا ميمتي).. وهي كانت تناديني (يابني)...
حزب (يمه) مختلف عن حزب (ماما)... حزب (يمه) لا يعرف الفنادق الفاخرة، ولو كانت أمي على قيد الحياة وسألتها عن (سيداو) لظنتها (طبخة)... وحزب (يمه) له ارتباط كبير بالحنان.. فأنت لا تكبر أبدا بنظرهن, وعطرهن الصلاة (والمسبحة).. وأمرهن يشبه أوامر المارشالات العسكرية التي تصدر في لحظة صعبة من عمر المعركة, وعليك أن تنفذ الأمر حتى لو كانت انتحاريا..
حزب (يمه).. موجود في المخيمات، والبوادي, في القرى.. في الأوردة.. وهو الحزب الذي يجمع وظيفة الأم والطبيب والمصلح، اتذكر أن أمي كانت طبيبتي... فلا بد مع كل وصفة تقدمها لي أن تقرأ المعوذات.. كانت تقول دوما: (عبدالهادي محسود).. وأنا لا أعرف على ماذا كنت احسد على جمالي مثلا؟ أم على نومي المتأخر؟ أم على شكاوى الجيران مني... لكني كنت أصدقها وأقول فعلا أنا (محسود)...
حزب (يمه) أيضا, هو حزب الوصايا الصارمة.. فقد أوصتني حين دخلت الجامعة أن لا أمشي مع (الهمل) قالت لي: (انهم سيعلمونني الدخان) وهي لم تكن تعرف أني قد قطعت أشواطا.. ودربت أجيالا من الحارة عليه, قالت لي أيضا: (بنات الناس دير بالك عليهن) وأنا لم اترك واحدة إلا وأحببتها من طرف واحد.. وقالت لي: (ترى الاحزاب تشذب).. كانت أمي في صف المخابرات دائما لا أعرف لماذا؟ وكلما سمعت عن اعتقال أحد الطلبة الذين أتوا من جامعات سوريا أو العراق... تعلق على الأمر قائلة: (دايرين ورا الاحزاب بدل ما يبلشوا في كتبهم وقرايتهم).. أمي كانت تقول أيضا: (الاحزاب ضيعت عيالنا)...
أنا من حزب (يمه).. الحزب الذي يعرف تفاصيل (الميرمية) وطرق استخدامها, والحزب الذي يحتفظ (بالبابونج) في أكياس من الورق حتى يستقر الزيت فيه, والحزب الذي كان يضع الزيت في الأذن اليمنى.. ويشتعل القلب، صدقوني حين كانت أذني تؤلمني.. كانت أمي تداوي القلب.. أنا من حزب (يمه) الذي تجد فيه (الطناجر) لا تهدأ أبدا... الحزب الذي يرفع صوت القرآن عاليا قبل طلوع الشمس بقليل، والحزب الذي كان.. حين يضع يده في الصحن تشعر بأنه ترك الكثير من العسل والسكر..
وقد ظلت أمي تنبهني من الأحزاب.. لا أعرف لماذا؟.. ولا أعرف لماذا كانت تعتبر الاعتقال أمرا مهما, كانت تظن أن الدوائر الأمنية حين تعتقل واحدا من الطلبة.. فهي لا تحقق معه أبدا, وإنما تقوم بدعوته كي ينتبه لدراسته... وتعيد تربيته وترده لأمه مهذبا ومؤدبا..
أمي كانت مع القبضة الأمنية الصارمة, كل العضوات في حزب (يمه) كن هكذا.. وقد فتحت عيوني على الدنيا, وما على اللسان أجمل من كلمة (يمه)... وأريد أن أقول لها بعد عشرين عاما من رحيلها, ما زلت مؤمنا بالمبادئ التي قمت بتربيتي عليها.. بما فيها القبضة الأمنية الصارمة..
Abdelhadi18@yahoo.com