عبد الهادي راجي المجالي
.... لايهتز قلبك لشيء مثل اهتزازه , لمرض البنات ....
وها أنا أسير على خط القلق , قلبي معلق بين ميزان الحرارة , وحبة البنادول ...وقد نسيت الكمامة , صرت أريد أن اسرق الفيروسات من زينة ...وصرت أحيانا اكسدر أمام الغرفة , معتبرا مسألة الحجر الصحي مؤامرة دنيئة حاكها الأطباء لإبعادنا عن أولادنا ...
زينة ابنتي تعاني من الكورونا , وأنا أعاني ...من صوت كحتها , ومن مشيتها المتعبة ومن صحن الطعام إذا عاد ممتلئا , أعاني ..من الجديلة الكركية إن لم تعد تعقد على كتفين من عنبر ومرمر ...أعاني من العيون الذبلانة التي تشرق علي في الصباح , وأعاني من الأيام التي تمر بطيئة ..وأعاني من الأولاد الذين يتهامسون عند باب الغرفة , وقطتها التي تموء عند الباب وما من أحد مجيب .
تلك المرة الأولى التي يهتز قلبي , واخاف حد القهر ...اشعل السيجارة وانساها بين اصابعي , تلك المرة الأولى في العمر التي تتغلغل جمرة السيجارة لأطراف جلد اصابعي ولا أحس بالإحتراق , إن كان قلبك يحترق والنار تأكله ..ماذا سيفعل احتراق الأصابع ؟ ...
البنات سكر الحياة ودواء الروح , وأنا اعرف ان ابنتي مثل وردة تأخرنا عليها في الماء قليلا , لكنها ستزهر ..ستعود لكتب (التوجيهي) ...للدلع الكركي الذي يستقبلني في سويعات المساء , ويرمي بالعتب على قلبي ...وأنا استسلم تماما لهذا الدلع , ستعود كي تحضر لي فنجان القهوة في الصباح ..وتبحث معي عن الهاتف ..وحين ينام الكل , تعد لي سندويشة على عجل ...واحس بمذاق الأصابع التي مرت على الخبز ...كأن الله بارك نعمة الخبز وبارك زينة اكبر نعمة من بها علي ...ستعود حتما للشغب , للجديلة وللحلق الذي تعلق على الأذن ..وأنا كنت اراه نجمة من سماء الله قد (تشعبطت) على الشعر الأسود الجميل ...ستعود كي ترتدي ساعتها الحمراء ..وصدقوني أن عقارب الوقت لم تكن تمشي في يدها , بفعل البطارية ...بل كانت تراقص نعومة نخلة كركية , استبدت بالمدى وارتفعت كي تظلل عمري وأيامي والمسار ...
امتطي قلقي , منذ أيام وأنا امتطي القلق ...وامشي بين الباب والشباك , وتصغر في عيني الأوطان ..تصغر الأحداث الجسام كل شيء يصغر , وتكبر زينة ...زينة وحدها الكبيرة في هذا العمر ..التي احتلت ايامي , واستولت على مساحات القلب كاملة ..احسها في شراييني , في وميض العيون ...احسها الوطن والمنفى والملتقى ..احسها البحر وكل الشواطيء ..احسها المرسى , والنسيم إن مر على أنفي ...واحسها قلبي الذي تعب كثيرا ..
وها أنا اعد الأيام , واكتب عن زينة بعض الغزل ..هي ستقرأ ما كتبت حتما , واظن أنها ستضحك , ستضحك كثيرا ....وزينة حين تضحك ..تضحك معها الكرك .. حماك الله يا أغلى وطن , وأول الفرح , وكل العمر .