بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
مستشار وخبير اقتصادي
يواجه الاقتصاد العالمي منذ بداية العام 2022 مجموعة متعددة من التحديات الجوهرية التي بدأها وباء كورونا بمتحور شديد الانتشار تحت مسمّى "أوميكرون"، وتعزَّزت بظهور بوادر وإشارات واضحة لمعدلات تضخُّم غير مسبوقة، مدعومة بشكلٍ أساسيٍّ بارتفاع كلف النقل والتشغيل، في ظل تعطُّل نسبي في سلاسل التزويد، وارتفاع أسعار الطاقة، وتوقُّعات بتقلُّبات سياسية وتعبئة عسكرية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. التوقُّعات الأولية، التي جاءت ضمن تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الذي يُصدره صندوق النقد الدولي، تشير إلى نمو الاقتصاد العالمي في العام الحالي بنحو 5%، بانخفاض طفيف عن العام 2021. الاقتصاد العالمي الذي يُتوقَّع أن يتجاوز حجمه للمرة الأولى 100 تريليون دولار في العام الحالي، سيواجه حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي الكلي في نصفه الأول، بفعل التحديات المُشار إليها سابقاً. ولعلَّ التحديات التي ستواجهها كلٌّ من الولايات المتحدة والصين، وهما يشكِّلان نحو 40% من الاقتصاد العالمي، ستشكِّل الحالة التي سينتهي إليها العالم مع ختام العام الحالي. بيد أنَّ الإرهاصات الأولية تشير إلى أنَّ الصين، التي تعدُّ من أوائل مَن تعامل بحزم مع الجائحة التي صدَّرتها من مختبراتها إلى أرجاء العالم، ستواجه مجموعة من التحديات تخصُّ كبرى شركات التكنولوجيا والشركات العقارية لديها، كما أنها ستواجه ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، التي تكاد تستورد معظم حاجتها منها عالمياً، خاصة أنَّ الدلائل تشير إلى ارتفاع أسعار النفط إلى ما يتجاوز 125 دولاراً قبل منتصف العام الحالي. في حين تواجه الولايات المتحدة حالة مختلفة تؤشِّر إلى تحسُّنٍ اقتصاديٍّ تشوبه معدلاتُ تضخُّمٍ ملموسة، ويكتنفه توقُّف سياسات التيسير الكمّي، ضمن معدلات فائدة ستعاود الارتفاع قريباً على ما يبدو، بدلاً من الثبات أو الحالة الصفرية التي سادت على مدى عقود طويلة، ولعلَّ ما تبقّى من مكوِّنات الاقتصاد العالمي، خاصة في القارة الأوروبية، لن تختلف الصورة لديه عمَّا هي الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في نطاق تزايد معدلات التضخُّم الناتج عن تزايد الكلفة، أو ما يُسمّى في الاقتصاد "تضخُّم دفع الكلفة Cost Push Inflation"، وما يستتبعه من ارتفاع في أسعار الفائدة. وقد تدخل في المشهد فقاعات مالية تتمحور حول أسواق رأس المال، وأسواق العملات المُشفّرة، والفقاعات المعهودة في أسعار مجموعة من الأسهم، التي لا يبررها سوى انخفاض أسعار الفائدة، وتوافر سيولة فقاعية لدى بعض القطاعات التي لم تعتد توافر سيولة كبيرة لديها من قبل، كما هي الحال في المستثمرين اليوم في قطاعات النقل، والصحة، والتكنولوجيا الرقمية، والخدمات اللوجستية، وبعض القطاعات الزراعية، بما فيها الثروة الحيوانية. والخلاصة، أنَّ المشهد العام في 2022 هو مشهد مختلط من التحديات الكبيرة في النصف الأول، وسيناريوهات انتعاش توحي بالخروج التام، ليس فقط من الجائحة، ولكن أيضاً الانطلاق نحو عودة الدورة الاقتصادية الساخنة مع النصف الثاني من العام، انطلاقاً إلى العام 2023.
بيد أنَّ منهجية الرَّشاقة في التعامل مع التحديات ستحدِّد مرونة وسرعة وقدرات الاقتصادات العالمية المختلفة على تجاوز التحديات، والانطلاق نحو استعادة العافية الاقتصادية، ضمن انطلاقة يُتوقَّع أن تبدأ في النصف الثاني من العام الحالي، وتستمرُّ بشكل وزخم كبيرين خلال العام القادم، ضمن توقُّعات واضحة بانتهاء تأثير جائحة كورونا في اقتصادات الدول. وتتمحور رشاقة الاقتصادات في التعامل مع التحديات، وقدرتها على اجتراح فرص جديدة تؤدي إلى التعافي السريع من الجائحة في ثلاثة محددات أساسية هي: البنية التحتية والفوقية للاقتصاد، ومستوى التطوُّر التكنولوجي والرَّقمي فيه، وأخيراً وليس آخراً، مستوى ارتباط الاقتصاد بالاقتصاد العالمي عبر التجارة الدولية، والتشابك اللوجستي، والاستقرار النقدي في مواجهة التسويات المالية الدولية. الشاهدُ والمُلَخّصُ لكلِّ ما سبق يكمن في أنَّ الاقتصادات العالمية ستتمكَّن من مواجهة التحديات بقدر ما تملكه من قدرات في البنية التحتية، خاصة في مجال الاتصال والتواصل مع العالم الخارجي، واقعياً أو افتراضياً، ومدى توافر بنية فوقية من القوانين والإجراءات، والقدرات البشرية، والتكنولوجيا الرقمية الحديثة، ومدى ارتباط وتفاعل ذلك الاقتصاد مع العالم الخارجي بحرية وسهولة ومرونة اقتصادية. في المنطقة العربية اليوم، يكاد يكون كل من الاقتصاد السعودي، والإماراتي، والمصري، إضافة إلى الاقتصاد القطري الأكثر قدرة على استيعاب الإرهاصات القادمة، والأقدر على الاستفادة من التبعات الإيجابية للحالة الاقتصادية القادمة، وذلك بفضل توفر معطيات الرشاقة الثلاثة المشار إليها سابقاً. ما تبقى من دول المنطقة ستعتمد قدرتها التفاعلية على مستوى علاقتها مع المعطيات الثلاثة السابقة، من بنية تحتية وفوقية، وبنية تكنولوجية، وارتباط خارجي، وخاصة مع المحيط العربي قبل المحيط العالمي؛ وعليه فالاقتصادات الضعيفة في المجالات الثلاثة لن تتمكَّن من الاستفادة بشكلٍ كافٍ من معطيات التعافي والتحسُّن الاقتصادي القادم إلا بشكل طفيف