المهندس عادل بصبوص
أعاد رئيس الوزراء د. بشر الخصاونه في حديثه الأخير مشروع "المدينة الجديدة" إلى الأضواء مجدداً، وهو المشروع الذي كانت حكومة الملقي قد إقترحته في تشرين ثاني 2017 لتدفنه وتهيل عليه التراب حكومة الرزاز بعد أشهر قليلة فقط، الجديد في حديث رئيس الوزراء أن المشروع الذي نفضت عنه الحكومة الغبار وإستخرجته من الأدراج وهو يخضع حالياً للبحث ودراسة الجدوى يتعلق بإنشاء "مدينة جديدة" وليس عاصمة جديدة كما كان يتحدث المشروع القديم، وهذا تغيير أساسي في المفهوم، إلا أن جوهر المشروع وكثيراً من عناصره الرئيسية لن تتأثر كثيراً بهذا التعديل.
المدينة الجديدة مشروع عملاق له الكثير من المؤيدين والمناصرين والذين يرون فيه حلاً سحرياً لمشاكل العاصمة عمان المستعصية والآخذة في التفاقم يوماً بعد يوم، وخاصة ما يتعلق بالإزدحام وأزمات المرور وعدم كفاية الخدمات، إضافة إلى أثره المباشر في تحريك عجلة الإقتصاد وجلب المستثمرين وحل مشاكل الفقر والبطالة، أما معارضو المشروع وهم كثر أيضاً فَيَرَوْنَ فيه هروباً إلى الأمام وقفزة في المجهول ومغامرة كبرى لن يقوى إقتصادنا المنهك على النجاة من تبعاتها في حال الفشل، وأن حل مشاكل عمان لا يمكن أن يتم بنقل جزء من سكانها إلى موقع آخر، وإنما بوضع الحلول المنطقية وتنفيذها حتى إن تطلبت بعض الجراحة أو الكي، إضافة إلى خلق تنمية حقيقية في مدن ومناطق المحافظات الأخرى مما يوقف تدفق أبناءها إلى العاصمة بحثاً عن فرص العمل ومستويات أفضل من المرافق والخدمات.
لست متخصصاً في تخطيط وإدارة المدن ولكنني قلق ومتخوف من الأصوات العالية لمؤيدي المشروع والتي بدأت بالإرتفاع عقب الإعلان عن إعادة وضع المشروع مجدداً على طاولة البحث، والتي تحاول دفع أصحاب القرار لتبني المشروع وعدم إضاعة الوقت والبدء بالإجراءات التنفيذية اللازمة، أصوات تذكرني بالأجواء التي سادت في عام 2008 عندما تم الإعلان عن فكرة "مشروع سكن كريم" والذي تم الترويج له كحل لمشكلة إسكان ذوي الدخول المحدودة والمنخفضة من خلال إنشاء (100) ألف وحدة سكنية خلال مدة خمس سنوات بكلف معقولة ضمن إمكانيات الفئات المستهدفة، يومها كان الحماس والإستعجال سيد الموقف حيث طغى "القرار السياسي" على "المنطق الفني" وتمت المباشرة على عجل بالمشروع الذي أنتج خلال ثلاث سنوات أقل من عشرة آلاف وحدة سكنية لم تستطع الحكومة تسويقها إلا بعد مرور عدة سنوات وتحمل جزء كبير من التكاليف في مشروع ربما يكون من أسوء المشاريع التي تم تنفيذها في المملكة على الإطلاق.
أتمنى أن تأخذ الحكومة الوقت الكافي لدراسة لمشروع دراسة فنية شاملة، وأن تقوم بالإعلان عما تتوصل إليه من نتائج بكل شفافية، وأن تقوم الحكومة في حال جاءت هذه النتائج لصالح المشروع، بعقد ملتقى فني يضم مختلف الخبراء والمتخصصين من الجامعات والنقابات المهنية والقطاع الخاص يتم فيه عرض ومناقشة هذه النتائج قبل التوجه للمباشرة بأية إجراءات تنفيذية، فتجربة لا بل ومشكلة "مشروع أبراج السادس" وهو مجرد مشروع صغير مقارنة بمشروع "المدينة الجديدة"- وإن اختلف السياق-، ما زالت قائمة بعد سنوات طويلة من إنشائها تنتظر الحل.