بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
مستشار وخبير اقتصادي
يتحوَّل العالم اليوم، وبشكل جوهري، من فكر التخاصية عبر بيع الأصول العامة، إلى فكر الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص، وفق معادلة أساسها اقتران المصالح والرغبات، بين مدخرات وثروات، والإمكانات المعرفية في القطاع الخاص، مع مشاريع وإمكانات وموارد الحكومات والقطاع العام. وقد استطاع العديد من دول العالم أن يضع معادلة الشراكة مع القطاع الخاص ضمن إطار تشريعي مؤسَّسي مُحَفِّز يقوم على أساس الشفافية التامة، وتقديم الحوافز، وضمان جدية الاستثمار، والحفاظ على الحقوق العامة، واقتسام العوائد المناسبة بنسب عادلة للطرفين في ذات الوقت. ويقوم أساس تلك المعادلة على وضع برامج لمشاريع محددة ومدروسة الجدوى، ومن ثَمَّ إصدار قوانين، أو مشاريع، أو أنظمة عمل بسيطة، وشفّافة، وذات حاكمية رشيدة. وتشير التقارير العالمية اليوم إلى أنَّ هناك ما يزيد على 268 مشروع شراكة مع القطاع الخاص في المنطقة، يجري العمل على طرحها وتنفيذها خلال الفترة 2022-2026، معظمها سينطلق خلال العام 2022، وخاصة في مجال الطاقة، وبنسبة تصل إلى نحو 46% من إجمالي تلك المشاريع، ثمَّ مشاريع النقل والمواصلات، وبنسبة 26%، ثمَّ المياه وبنسبة تصل إلى 16%. ولا بدَّ من القول إنَّ المخرج الوحيد اليوم، لتجاوز أعباء وتبعات جائحة كورونا، كوفيد 19، ولتحقيق تنمية حقيقية، والعودة إلى نمو مستدام، وتحقيق فرص عمل حقيقية وملموسة، سيكون عبر شراكات حقيقية متوازنة مع القطاع الخاص، المحلي أولاً، والخارجي ثانياً. دول العالم بحاجة اليوم إلى مشاريع كبرى تخرجها من أزمتها العالمية، ولن يتمكَّن العالم من ذلك بدون اندماج، وتشارك رأس المال والمعرفة، المتراكمين في القطاع الخاص، مع الحاجة والموارد المتاحة لدى الحكومات العالمية. الدول الحصيفة والحكومات الرشيقة الاستشرافية تتحوَّل اليوم نحو مفهوم الشراكة المتوازنة مع القطاع الخاص، والذي يقوم على توازن تحقيق المنافع الاجتماعية والاقتصادية للدول، مع العوائد المالية والاجتماعية للمستثمرين. أولوية مشاريع الشراكة هي تنمية المناطق، عبر تحسين مستوى البنية التحتية التي تؤهل لمزيد من الاستثمارات، وتحقِّق فرص عمل كبيرة ومتعددة، وتساعد على توزيع التنمية جغرافياً وديموغرافياً بشكل متوازن. وفي هذا السياق أعلنت السعودية عن مشاريع شراكة تتجاوز في حجمها 1.3 تريليون دولار، ضمن رؤية المملكة 2030، وخطة استراتيجية وطنية للاستثمار، وبرنامج "شريك" الذي أُعلِن عنه مؤخراً، كما أعلنت دولة الإمارات عن ما يزيد على 30 مشروعاً جاهزاً للتنفيذ بالشراكة مع القطاع الخاص، باستثمار إجمالي يصل إلى نحو 7 مليارات دولار، كما أطلقت مشروع البرنامج الوطني للسكك الحديدية باستثمار يتجاوز 15 مليار دولار أمريكي، سيؤدي المشروع إلى توليد ما يزيد على 27 ألف وظيفة خلال فترة الإنشاء، و9 آلاف وظيفة دائمة، بعد انتهاء المرحلة الأولى له. وتشير التقارير إلى أنَّ مشاريع الشراكة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ارتفعت من نحو 4 مليارات دولار في العام 2014، إلى ما يزيد على 21 مليار في العام 2021. وقد قدّرت مجلة "ميد" التي تصدر باللغة الإنجليزية، أنَّ مشاريع الشراكة القائمة تشير إلى استحواذ مصر على أكبر حصة منها، بمبلغ يتجاوز 10 مليارات دولار، يليها إيران، بما يزيد على 9 مليارات، ثمَّ دولة الإمارات بنحو 9 مليارات، ثمَّ السعودية بمبلغ يتجاوز 8 مليارات دولار. وفي هذا السياق، فإنَّ الأردن مُطالب أيضاً باستغلال الفرصة، ضمن شراكة حقيقية متوازنة، تحقِّق الأولويات الوطنية، وتستغل الطاقات الكامنة في العديد من المشاريع الكبرى المتاحة والممكنة، خاصة مع ما تمتلكه الدولة من مساحات شاسعة من الأرض، وما لديها من إمكانات هائلة من توليد الطاقة المتجددة وتصديرها، ومن إمكانات كبيرة في مجال المعادن المتنوعة، ومن احتياجات كبرى في مجال الطرق، والربط بالسكك الحديدية، والقطارات الخفيفية بين المدن والمحافظات، ومن مشاريع الربط الكهربائي مع الدول المجاورة. مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص المحلي والخارجي قد تكون المخرج الأهم اليوم لإنقاذ الاقتصاد ممّا يعيشه من حالة ركود وتعثر، والدروس العالمية والإقليمية متعددة في هذا المجال، والأمل أن نتعلم من تلك الدروس ما ينفعنا.
khwazani@gmail.com