الشاهد - ربى العطار
رزق صعلوك
تصوير :محمد شاهين
الموازنات المرصودة للتعليم ليست كافية، وتدريب المعلمين حاجة ملّحة
تم انشاء مركز حديث لإعداد مناهج تواكب العصر والمرحلة الحالية
المهم في المناهج أن يكون هناك التزام في الثوابت الوطنية والأخلاقية
الهوية الوطنية الجامعة لا تلغي كينونة الشخص
الزحمة في عدد الأحزاب يعطل حركتها ولابد من وجود احزاب برامجية
المربي، المعلم والسياسي؛ هو اللقب الأنسب لعضو مجلس الاعيان معالي الدكتور محمد جمعة الوحش، المخلص لمهنته، والمرجع لتاريخ نهضة التعليم في الأردن، فهو صاحب مسيرة علمية وسياسية حافلة وزاخرة بالخبرة العملية،
الوحش حاصل على بكالوريوس اللغة العربية وآدابها من الجامعة الاردنية عام 1969، ومتخصص في الأدب العربي الحديث من جامعة الازهر، وتسلسل في المهنة التربوية والتعليمية حتى عام 1981، لينتقل إلى التعليم العالي ويعمل كأستاذ جامعي في الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، ليعود وقد بدأ رحلة المناصب في وزارة التربية والتعليم حيث مجاله الذي تفانى في خدمته.
تسلم الوحش كمدير لبعض مديريات الوزارة وأميناً عاماً مساعداً للمناهج والامتحانات والتقنيات التربوية قبل أن يصبح أمين عام ديوان الخدمة المدنية، ويحمل حقائب وزارة التنمية الاجماعية ووزارة التربية والتعليم، حتى نال ثقة سيد البلاد لاختياره كعضو في مجلس الاعيان الثاني والعشرين والخامس والعشرين.
"الشاهد" إلتقت معالي الدكتور محمد الوحش، للحديث عن ملف التعليم في الأردن في ظل احتفالنا بمئوية الدولة، والاستماع لوجهة نظره حول ما أثير بخصوص"الهوية الجامعة" كإحدى توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
الاردن، لغاية التسعينات، كان يصدِّر المهن التعليمية الى الدول العربية
يصف معالي العين محمد الوحش التعليم في الأردن بأنه تطور بشكل هائل، وقال: "في عام 1921 وهو عام تأسيس إمارة شرق الاردن لم يكن لدينا مدارس باستثناء مدرسة السلط الثانوية وبضع مدارس ابتدائية او كتاتيب، ونستطيع ان نقول بأن الأميَّة كانت سائدة، أي أن البداية كانت من الصفر، ثم بدأ التعليم يتطور حتى صدرت التشريعات والقوانين في عام 1928 و1930، ومرحلة التعليم العالي كانت في بداية ما بعد الاستقلال، حيث اصبح هنالك معاهد المعلمين،وكانت تمنح الدبلوم، وكانت هذه أعلى شهادة يمنحها الاردن للمتعلمين، ومن كان يريد الدراسة الجامعية كان يسافر إلى دول عربية مثل مصر أو لبنان، أو إل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية للدراسة على حسابه الخاص او على شكل بعثات، وبعد وحدة الضفتين تطور التعليم تطوراً كبيراً، واصبح الاردن يصدر المهن التعليمية الى الدول العربية خلال الفترة من السبعينيات الى التسعينات بصورة خاصة".
وأضاف الوحش، "في عام 1962 دشن الملك الراحل الحسين بن طلال_ غفر الله له_ الجامعة الاردنية، وتوالى بعد ذلك التطوير في التعليم العالي، واصبح عدد الجامعات الان يزيد عن 30 جامعة ما بين حكومية وخاصة، وعدد الطلبة الجامعيين على مقاعد الدراسة الان يقدر بمئات الالاف، ومنهم من يدرس خارج الاردن، وفي مطلع المئوية الثانية أصبح عدد المدارس يزيد عن 8000 مدرسة؛ ما بين حكومية و خاصة، ونتحدث عن 2 مليون طالب في المراحل التعليمية العامة".
هناك تقصير في المستوى التعليمي بسبب أساليب التعليم التقليدية
وأبدى الدكتور محمد أسفه من الأحاديث السلبية عن التعليم في الأردن وقال: "نسمع الكثير من الاحاديث السلبية عن جودة التعليم، بالرغم من الكم الكبير والذي يتعدى مئات الالاف من طلبة الجامعات، ونسمع بأن التعليم لم يعد بمستوى عقدي الستينات والسبعينات، طبعا هذا الكلام فيه جانب من الصحة وجانب من المبالغة، والجانب الصحيح لأننا نتحدث الان عن ملايين من المتعلمين والخريجين وبالتالي وضع طبيعي جدا ان تكون المستويات مختلفة والكثرة هكذا"، واستدرك قائلاً:" في الحقيقة ان هناك تقصيراً في المستوى التعليمي ، والتقصير ناتج من أساليب التدريس لانه مازال حتى الان الكثير من المعلمين وحتى اساتذة الجامعات يمارسون التلقين في التعليم ولا يستخدمون اساليب المشاركة والتجريب العملي والتطبيقي، ويجب الان استخدام التقنيات الحديثة التي دخلت الى مجال التعليم، فنحن بحاجة الى هذه التقنيات كما أننا بحاجة إلى أن ندرب المعلمين باعتبارهم اساس العملية التعليمية وبالتالي يجب ان يكون اهتمام بالغ في تأهيلهم وتطوير مهاراتهم".
المرحلة القادمة في التعليم مهارات وقدرات وليست حفظاً وامتحانات
وفي سؤالنا له عن ابرز التحديات التي تواجه التعليم في الأردن، أجاب :"إن أبرز التحديات بالحقيقة هي الموازنات المرصودة للتعليم وهي ليست بالكافية خاصة فيما يتعلق بتدريب المعلمين، فالتأهيل يحتاج الى موازنة عالية وكبيرة لنقدم برامج تدريبية متطورة وحديثة، وللأسف هذا الامر لا يأخذ الا جزءا بسيطا من الموازنة وهذا خطأ كبير وفيه تقصير، ويجب ان تكون المرحلة القادمة مرحلة مهارات وقدرات، وآن الأوان ان نتخلص من فكرة حفظ المعلومة والامتحان من خلال حفظ المعلومة وكتابتها على ورقة الامتحان، ويجب ان تتطور اساليب التدريس واساليب القياس والتقويم، وأن تركز الامتحانات على المهارات وقدرات الطلبة في كل المستويات، والاهتمام التعليم التقني والمهني لأننا اليوم نعيش في ظل ثورة تقنية بكل المجالات، واذا لم تواكب التربية والتعليم و التعليم العالي هذه التطورات سنتأخر عن الركب كثيرا".
تطوير المناهج ضرورة ويجب أن تكون عملية دائمة ومستمرة
وعن الخطط المستقبلية لتطوير التعليم قال: "اصبح هناك حديث كبير حول المناهج فهي مناهج كلاسيكية وبحاجة الى تطوير؛ ويجب ان تواكب التطور في العالم وان تكون عملية دائمة ومستمرة، ومن هذا المنطلق؛ تم انشاء مركز حديث مستقل عن وزارة التربية والتعليم استقلالا كاملا "تقريبا" يتعامل مع مديرية المناهج بالوزارة لإعداد مناهج تواكب العصر والمرحلة الحالية".
وأضاف: "المهم في ما يتعلق بالمناهج أن يكون هناك التزام في الثوابت الوطنية، القومية، الدينية، الاخلاقية والسلوكية، فهذه الثوابت يجب ان نحافظ عليها وان لا نعرّضها الى أي هزة، وبعد ذلك اكتب ما تشاء قد تكون مناسبة وقد لا تكون، والذي يحكم على ذلك المعلمون، الطلبة والاهالي، ومن خلال التغذية الراجعة واذا كان هناك اجماع على خطأ في هذا المنهاج يجب ان يتم تغييره فورا".
وعن مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على طلاب المدارس والجامعات، قال الوحش: "هناك اهتمام كبير جدا بموضوع التواصل الاجتماعي، والان يوجد شكوى كبيرة جدا من تلك المواقع، والناس أصبحوا لا يستغنون عن التعامل معها برغم الشكوى، وهناك اسقاطات سلبية تحدث في السوشيال ميديا التي اصبحت الكثير منها للأسف الشديد وسيلة لإثارة الفتن او لبث السموم تؤدي لخلافات شخصية او تثير نعرات اقليمية او طائفية، وأنا أؤيد فكرة ان تتضمن المناهج بعض الدروس التي تتحدث عن مواقع التواصل الاجتماعي حتى ندرب طلابنا كيف يتعاملون مع هذه الوسائل ولتحقيق التوعية لهم من خطرها".
لا بديل عن فلسطين والوطن البديل مصطلح تم دفنه
وعن بعض توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي أثارت جدلا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن وعلى رأسها "الهوية الوطنية الجامعة"، قال الوحش:"الهوية الجامعة لا تلغي كينونة الشخص وهذا المجتمع الاردني هو من شتى المنابت والاصول، والهوية الجامعة تعني أن كل من يعيش على الاراضي الاردنية يجب ان يعتز بأردنيته"، وأضاف: " صحيح ان المكون الشرق اردني ومكون الغرب اردني الذي هو من اصول فلسطينية هم الاكثر والاكبر ويوجد المكون الشركسي والشيشاني والعراقي والسوري "الشوام " وغيرها وهناك اكثر من خمسين مكوناً مختلفاً داخل الحدود الاردنية، والكل يجب ان يقول انا اردني لكن لا ينفي ان اصوله شيشانية او مواليد نابلس او الخليل، فالهوية الوطنية الجامعة هوية تجمع ولا تفرق، وليس المقصود فيها الوطن البديل وهذا المصطلح دفن ولا بديل عن فلسطين والذي اصله فلسطيني اذا أراد أن ينسى فلسطين فهو ليس اصيلاً، ولكن بالنهاية هو اردني وانا ولدت في بيت لحم وانا اردني وتعلمت وكبرت واصبحت شيخا وانا اردني، و باعتقادي يوجد في ردود الفعل على هذا الموضوع مبالغات ولا اعتقد ان هناك هدفاً يخالف الدستور، وانما مخرجات هذه اللجنة هدفها تطوير الحياة بكل مناحيها في الاردن سواء كانت سياسية او اجتماعية او اقتصادية ولايجوز ان نبقى نراوح مكاننا ويجب التطوير، والمشكلة عندما نقول انه يوجد اكثر من 50 حزباً بالأردن ولو طلب من رئيس الوزراء او رئيس مجلس النواب ان يسمي 10 احزاب لا يقدر ان يسميها وهذا كما قيل، فالزحمة تعطل الحركة ولابد من وجود احزاب برامجية" وأضاف، "انا مع المخرجات ومن حق مجلس النواب كما هو من حق مجلس الاعيان ان يناقش وان يبدي رأيه وان يكون هناك موافقة او غير موافقة، وان ما يتم الاتفاق عليه من هذه المخرجات في مجلس النواب يتبناه جلالة الملك ومضمون بضمانة الملك وهذا شيء مهم وجديد".
وبسؤاله عن المأمول من الأحزاب السياسية في الأردن، أجاب :" الاحزاب التي لا تنبع من صميم الشعب ليست احزابا، ويجب ان تكون الاحزاب برامجية وتقدم برامج لتطوير الأردن وتلمس حاجات الشعب الاردني، وان نبتعد في عملها عن الشخصنة والمصالح الفردية ، فالاحزاب التي تخدم الوطن تعمل وفق برنامج واقعي يخدم قضايا المجتمع الاردني، ولو حققنا 40-50 بالمئة من طموحات هذه المخرجات نكون قد تقدمنا كثيرا".
مجلس الأعيان يضبط القوانين والتشريعات وينبه الحكومة إذا ظهر خطأ
أما عن دور مجلس الاعيان بالمرحلة المقبلة، فقد بين الوحش أن مجلس الاعيان امامه الحوار مفتوح لا حد له، وهو يختلف كثيرا في موضوع الحوارات والظهور الاعلامي كمجلس النواب لأنه ليس مجلساً شعبوياً، وهو مجلس حوار وليس مهما عند اعضائه ان يقال تكلم العين الفلاني او قال العين الفلاني، لأنه الغرفة الثانية في مجلس الامة ؛ ومطلوب منه ان يصفي اي قضية تتعلق بالقوانين والتشريعات، ولا ننسى ان هذا المجلس هو مجلس جلالة الملك يعني كل الذين فيه تعين بثقة من جلالة الملك، وهذا أيضاً لا يعني ان مجلس الأعيان محصور في عملية النقاش، ودوره مثل مجلس الشيوخ بأميركا ومجلس المستشارين بالمغرب وهو مجلس استشاري ينطق ويدعم الحكومة في حدود الصحيح اذا وجد، واذا كان هناك خطأ يقوم المجلس بتنبيه الحكومة عليه، وقد اختارنا جلالة الملك لندافع عن هذه التشريعات وأن نعمل على ضبطها وتصفيتها".