الشاهد - أسرة الشاهد
الخيال هو المفتاح الحقيقي للفن، وهو الأساس وموطن الإبداع
الأردن هو روح الشرق وبلد متنوع تاريخياً وتراثياً
المتحف المتنقل نقلة نوعية في الحركة الفنية التشكيلية الأردنية
الثقافة لا تتوقف، فهي جزء من الحضارة
من صناعة الطيران إلى صناعة الإبداع، يختصر سهيل البقاعين من دارته في اللويبدة المسافة بين أحلام أصحاب الهمم وواقعهم، فهو يربط الخيال بالإبداع ويؤسس لجيل مثقف فنياً، يساهم في بناء ثقافة تؤسس لحضارة مبدعة.
سهيل البقاعين، مطور فكرة قاريء الألوان ومؤسس مبادرة "عبق اللون"، يسعى لتحقيق إنجاز غير مسبوق، وقد فعل، حينما راهن على أصحاب الهمم من مرضى متلازمة داون والمكفوفين وحتى ممن هم يعانون التوحد، فاقترب منهم وفهم احتياجاتهم، واستفز الطاقة الايجابية فيهم لينمو لديهم الحافز للابداع والتألق.
الشاهد زارت دارة سهيل في اللويبدة، والتقت رئيس جمعية أصدقاء اللويبدة ومؤسس الدارة الفنان التشكيلي سهيل البقاعين، وكان هذا الحوار :
الظروف الصعبة والامكانيات المحدودة لا تقف عائقاً أمام النجاح
تحدث البقاعين عن طفولته ونشأته في منطقة جبل الحسين، وعن حبه لفن الرسم، وقال "بدأ تعلقي في فن الرسم منذ طفولتي متأثراً في أحد مدرسي الفن والرسم في مدرسة ابن الأحنف الحكومية في منطقة جبل الحسين، وهو الدكتور كايد عمر، الذي كان له أسلوب فريد ومميز ويجذب الأطفال ويحببهم في تعلم الرسم والألوان".
وأضاف، "إن البيئة المحيطة التي نشأت فيها كان لها أثر في زيادة شغفي بالرسم، فالحارة القديمة وخربشتنا على الحيطان، وأمي التي كانت تعمل في الحياكة وغزل خيوط الصوف الملونة، ومنزلنا القديم القريب من مديرية المناهج، التي كانت بعد أن تنهي طباعة المناهج ترمي المتبقي من الألوان المستخدم في الطباعة فنأخذه ونستخدمه في الرسم، بالإضافة إلى أن والدي المتقاعد من القوات المسلحة عمل في مكتب هندسي فكنت متأثراً أيضاً بالرسم الهندسي، كلها ساهمت في رفع منسوب تعلقي بالفن والألوان".
وعن دراسته قال البقاعين: "التحقت بمدرسة عكا الثانوية وتخرجت منها وكان حلمي دراسة العلوم السياسية، لكن ميولي للرسم كان مازال مستمراً، وبسبب صعوبة ظروفنا في تلك الأوقات وقلة الامكانيات لم أتمكن من دراسة التخصص الذي أحببته، فقادتني الصدفة إلى إعلان في أحد الصحف لدراسة دبلوم علوم الطيران وهو مايسمى اليوم (إدارة المطارات)، وعملت في هذا المجال، وكان تجربة مثيرة ومفيدة علمتني الضبط والربط والترتيب والالتزام ومنحتني متعة السفر لعديد من الدول العربية والأجنبية، وفي منتصف الثمانينات انتسبت أنا ومجموعة من الزملاء بعمان في نادي "عبر الخطوط الجوية الأردني" وهو نادٍ مسجل لدى المنظمة العالمية لأندية الطيران في كندا، وقد ساهم في تسهيل اجراءات السفر للأعضاء وباسعار تشجيعية وامتيازات خاصة، كما كنا نشارك كأعضاء بالنادي في معارض عالمية تمثل الأردن، وكنا سفراء بلدنا في هذا المجال"، ويضيف، "في منتصف التسعينات، أستطعنا في نادي عبر الخطوط الجوية الأردنية عمل أكبر مؤتمر على مستوى العالم لشركات الطيران بمشاركة أكثر من 300 عضو من جميع أنحاء العالم، وكان هدفنا تسويق الأردن عالمياً كوجهة سياحية، وكان لدي هاجس التعرف على الثقافات والتاريخ والحركة الفنية والتشكيلية والمسرح في كل الدول التي زرتها، وكنت أحب استغلال أي وقت متاح عندي للرسم والقراءة، فأنا أحب الكتابة في الشأن الفني، حتى أن أول تجربة كتابية لي كانت في المرحلة الإعدادية عندما كتبت بحثاً عن ليوناردو دافنشي".
ترويج الأردن سياحياً من خلال الفن التشكيلي
وعن احترافه الرسم وبداية ظهوره كفنان تشكيلي، قال البقاعين: "قمت بعمل معرض في نادي ديونز، وقادتني الصدفة لمقابلة شيخ الفنانين التشكيليين في الأردن الفنان رفيق لحام، وهو أحد مؤسسي رابطة الفنانين التشكيليين في الأردن، وأبرز مؤسسي اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، فطلب أن يرى أعمالي فعرضت عليه بعضها، فأعجب بها ودعاني للانضمام إلى جمعية الفنانين التشكيليين الأردنيين، وأصبحت أمين سر الرابطة، مما أعطاني المجال للتعرف على عدد كبير من الفنانين الأردنيين والاطلاع على أعمالهم، وأقمت العديد من المعارض من بينها معرض فني لأبنائي (عون وراية) في (البلو فيج) بمدينة السلط، وكنت رغم ذلك مستمراً في عملي في مجال الطيران".
وتابع البقاعين، "تركت العمل وقمت بافتتاح مشروعي الخاص فافتتحت مكتباً سياحياً سجلته باسم (المنفرد للسياحة والسفر)، وكانت لدي فكرة لترويج الأردن سياحياً من خلال الفن التشكيلي أو السياحة التشكيلية، فالسياحة الأردنية متنوعة، والأردن هو روح الشرق فهو بلد ثري تاريخياً وتراثياً ويستحق أن يكون له مكان في السياحة العالمية، وكان لدينا أمل في النجاح مع انطلاق الحركة التشكيلية الفنية بالأردن ثمانينات القرن الماضي".
الفن ليس فقط في عمان، والفنان الاردني مظلوم
يقول مؤسس دارة سهيل: "الفنان الأردني مظلوم، بسب عدم وجود الدعم الكافي لايصال الفنان الأردني للعالمية، رغم وجود المتحف الوطني الأردني الذي كان أكبر الداعمين للفنانين والأردنيين وأعمالهم الفنية، إلا أن هذا الدعم لم يكن كافياً".
وبسؤاله عن المتحف المتنقل قال البقاعين، "قبل اكثر من عشر سنوات تحديداً عام 2009م تفرغت للعمل الفني، وتعاونت مع المتحف الوطني وعملت على مايسمى بالمتحف المتنقل تحديداً بتاريخ 18 أيار 2009م، وكان نقلة نوعية للفن التشكيلي في المنطقة، لأن الفكرة هي عدم اختزال الفن بالعاصمة، فابناء الجنوب في الكرك والعقبة ومعان، وابناء الشمال في اربد وجرش وعجلون، ومناطق وسط المملكة والبادية لهم الحق في الوصول للفن الأردني والاطلاع عليه، والفنان الأردني يجب أن يكون له مكانه بين المواطنين، ومازال هذا المشروع قائماً، ونحن نطالب بدعمها وتجذير ثقافة الفن، وعلينا أن نعمل نقلة نوعية على مفهوم الثقافة ، ونشكر ونقدر دور وزارة الثقافة في عمل فكرة مدن الثقافة، التي شاركنا في جميع فعالياتها".
معرض (ماوراء البصر) والرسم بالإحساس
وروى البقاعين قصته مع دعم أصحاب الهمم، فقال : "أمي هي الأساس والملهم والمحفز الحقيقي الذي جعلني أهتم بالفن، ووالدي أيضاً كان يدعمني بهذا الاتجاه حتى أنه طلب مني دراسة الفن في ايطاليا، لذلك فانني مقتنع بأن الفن للجميع، ففي جولاتي في مجال العمل الفني دعمت الموهوبين من اصحاب الهمم مثل الاشخاص الذين يعانون من متلازمة داون والتوحد، لأنني أدرك أن العلاج باللون والرسم مجدٍ مع أصحاب الصعوبات والذين يعانون من مشاكل نفسية مثل الاكتئاب، وهناك مستشفيات متخصصة في دول عالمية تعالج مرضاها بالرسم والألوان والموسيقى، ولأن الفن لا يُشرَح أو يُفسَّر، قمت في عام 2010 بعمل ورشة فنية لطلبة مكفوفين من خلال التخيل، وتطوعت عام 2011م لتدريب أعضاء في الكلية الملكية للمكفوفين، وتأثرت من طفلة كفيفة بعمر السبع سنوات تحدثني عن حلمها بإقامة معرض خاص بها، ولمست فيها روح وعقل شخص راشد ومدرك، والهمتني لعمل معرض حمل عنوان (ماوراء البصر)، الذي شكّلَ نقلة نوعية من خلال الإحساس بالرسم عن طريق التخيل ورائحة اللون، وكان لدي مباديء اعتمد عليها بأن الكفيف له الحق في تعلم الفن لأنه يملك عقلاً وقلباً مبصرا، ونحن أيضاً إذا أعجبنا إحساس معين فنحن نغلق عيوننا".
قاريء اللون فكرة غير مسبوقة
وعن تجربته في التعامل مع المكفوفين قال البقاعين: "لم يكن الموضوع مجرد تعليم الرسم، وانما التعرف على عالمهم والاحساس بإحساسهم والتقرب منهم لكسر الحاجز بينك وبينهم، وهناك علم الطاقة الذي يفسر مدى الحاجة إلى الاندماج مع الأشخاص الذين يعانون نقصا في أحد حواسهم، أو لبناء حالة مشتركة تذيب الحواجز بينك وبين شخص آخر، والمفتاح الحقيقي للفن هو الخيال، فالسينما والتلفزيون والرسوم والنحت وجميع الفنون تعتبر مبدعة إذا كان الخيال وراء الفكرة فيها، لذلك فالخيال هو الأساس وموطن الإبداع، وهو ما اعتمدنا عليه في استنهاض الابداع عند اللمكفوفين، حتى استطعت في عام 2015 تطوير قاريء اللون بتوظيف التكنولوجيا وهو جهاز يتيح للكفيف وضع الجهاز على الرسمة، لينطق بعد تشغيله باللون الموجود في الرسمة، ووصلنا للقدرة على تمييز اللون من خلال حاسة الشم، حتى أننا لاحظنا وجود منافسة بين المكفوفين في معرفة اللون وتمييزه".
وأكد البقاعين، "يتوجب علينا أن نزرع لدى ابناءنا الثقافة الفنية بتعريفهم بالفنانين العالميين وتعريفهم بثقافة الألوان وما تعبر عنها، وهو المطلوب تعليمه في المدارس، لذلك أنا أسعى لتكون ثقافة الفن مهنة ولها تأثير في المجتمع".
"عبق اللون" وضعنا على خارطة العالم
يقول البقاعين "في عام 2017 عرضت على سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني حاجتنا في الكلية الملكية في المكفوفين لوجود مرسم، وبالفعل خلال 48 ساعة كان المرسم جاهزاً بأمر من سيد البلاد، فأسميناه مرسم (عبق اللون)، وتوسع المرسم الذي كنت أدرِّب فيه 20 طالباً مكفوفاً وزاد عددهم، لكنني أركز على النوعية وليس على الكمية، ولدي طلاب متميزين وحققوا مراكز أولى في الرسم رغم فقدانهم للبصر".
وأضاف، "خلال تلك الفترة عرضت أعمال طلابي في عدة دول من العالم مثل، مدينة "كان" الفرنسية، كوبا، جزيرة موريشتوس، جنوب افريقيا، دبي،وفي لبنان، واصبحت رسالتنا عالمية".
الملك قدوة في دعم المبدعين
وينهي البقاعين حديثه بالإشارة إلى الدعم الملكي للثقافة الفنية الفنية، ويقول: " زيارة الملك للكلية الملكية للمكفوفين وتكريمي بوسام الاستقلال من الدرجة الثالثة، وضعتني أمام مسؤلية الاستمرار لتطوير ما وصلنا إليه من الانجاز، فالثقافة لا تتوقف، وهي جزء من الحضارة، لذلك جلالة الملك كان له اهتمام في الابداع، وزار الكلية في عام 2018 للاطلاع على تجارب المكفوفين في الرسم ومدى تفاعلهم مع هذا الفن، وسمع منهم وحقق أحلامهم ورفع من معنوياتهم وأيد طموحاتهم، وهذا التواضع والاحتفاء بالمبدعين نراه بشكل كبير عند سيد البلاد نتمنى أن نراه عند مسؤولينا ويتخذوا من هذا الاهتمام قدوة.
قمت باستئجار دارة سهيل لاستقبال الطلبة للتعلم واظهار قدراتهم للاستمرار بتقديم منجزات تصل بنا إلى الابداع، لكننا نتمنى المزيد الدعم للوصول إلى هذا الهدف" .