الانتخابات الرئاسية اللبنانية والحلقة المفرغة !
بقلم :عبدالله محمد القاق
اخفق مجلس النواب اللبناني للمرة الرابعة عشرة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية حيث لم يكتمل النصاب القانوني لعقد الجلسات وذلك بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان ،مما دفع رئيس المجلس نبيه بري الى تأجيل جلسة الانتخاب لجلسة قادمة بعد ان اعلن امس الاول السيد حسن نصرالله ان حزب الله يؤيد وبصراحة ميشال عون كرئيس للجمهورية اللبنانية باعتباره رئيسا توافقيا وليس سمير جعجع المحسوب على تيار المستقبل والذي تعتبر يداه ملطختين بدم الرئيس الراحل رشسد كرامي . ويحتاج افتتاح جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الى حضور ثلثي عدد النواب البالغ عددهم 128 نائبا اي 86 نائبا على الأقل. ويحتاج المرشح لرئاسة الجمهورية الى ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب في دورة الانتخاب الاولى، والى نصف عدد أعضاء المجلس زائدا واحدا في الدورة الثانية.وفي دورة الانتخاب الاولى نال زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع 48 صوتا في معظم الجولات الانتخابية ثم فقد النصاب القانوني للجلسات ومن أبرز الذين منحوه أصواتهم نواب كتلة المستقبل التي يتزعمها رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري . لكن تلك الاصوات لم تكن كافية للفوز بالرئاسة الاولى. كما نال النائب هنري حلو الذي دعمته كتلة النائب وليد جنبلاط النيابية 16 صوتا بينما وجدت 52 ورقة بيضاء كانت قوى 8 آذار النيابية وأبرزها كتلة النائب ميشال عون وكتلة حزب الله اقترعت بها لأنها لم تعلن بعد عن مرشحها للرئاسة. والملاحظ انه طبقا للدستور اللبنانى فإن مجلس النواب هو المنوط به انتخاب رئيس الجمهورية، لكن التركيبة الطائفية والسياسية الهشة فى لبنان التى تجعل الاستقواء بالخارج أمرا طبيعيا، تؤدى إلى وجود ناخبين آخرين اساسيين مثل سوريا وايران والسعودية والولايات المتحدة وفرنسا، ودون التوافق بين هؤلاء لن يكون هناك رئيس للبنان، وقد ظهر ذلك واضحا عند انتخاب الرئيس الحالى ميشال سليمان قائد الجيش السابق في الخامس والعشرين من مايو عام ٢٠٠٨، بعد أزمة كبيرة ومعارك وصلت الى العاصمة بيروت، ولم تحل إلا باتصالات اقليمية ودولية انتهت باتفاق الدوحة . ولذلك فإن عدم التوصل بين الأطراف المؤثرة فى الوضع اللبنانى إلى توافق حول شخص الرئيس الجديد حتى الآن، كما يقول المحلل السياسي فتحي محمود يعنى أن مجلس النواب اللبنانى لن يستطيع انتخاب رئيس قبل التوصل إلى هذا التوافق حتى لو انتهت فترة الرئيس الحالى فى ٢٥ مايو المقبل ودخلت البلاد فى أزمة فراغ رئاسى، وتشير معظم التوقعات إلى أن الاجتماع المقرر للمجلس المقبل وتغيب نواب حزب الله وحليفه ميشيل عون مما يعنى عدم اكتمال النصاب القانونى اللازم لانعقاد الجلسة.وينص الدستور على أن ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الجلسة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في جلسات الاقتراع التي بعد ذلك، وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات من انتهاء ولايته، وتم تعديل الدستور وخرق هذا الشرط فى عهد الرئيس بشارة الخورى والرئيس إلياس الهراوى والرئيس إميل لحود حيث تم التمديد لهم لنصف فترة رئاسية ، ورفضت قوى الثامن من آذار خصوصا حزب الله خيار التمديد للرئيس سليمان مؤخرا بسبب مواقفه العلنية المنتقدة لسلاح حزب الله وتدخله في الحرب في سوريا، الأمر الذى سيحول دون حصول التوافق الضرورى لتعديل الدستور من أجل تمديد ولايته. وقد فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للبنان خلال جلساته الماضية بعد أن أسفر فرز الأصوات في اول جلسة عن وجود ٥٢ ورقة تصويت بيضاء، فيما حصل المرشح سمير جعجع على ٤٨ صوتا، وتوزعت باقي الأصوات بين هنري الحلو ١٦ صوتاً، وأمين الجميل الذي حصل على صوت واحد، بالإضافة إلى٧ أوراق ملغاة. وقد اعتبر المراقبون هذه الجلسة الاولى انذاك مجرد بروفة لجس النبض بين القوى المختلفة فى المجلس، حيث تتوزع المقاعد النيابية بشكل شبه متساو بين قوى ١٤ آذار التى تضم تيار المستقبل بزعامة سعد الحريرى (وهو التيار الرئيسى الذى يمثل الطائفة السنية) وحلفائه وابرزهم القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، فى مواجهة قوى ٨ آذار التى تضم حزب الله وحلفائه وأبرزهم التيار الوطنى الحر بزعامة ميشيل عون، بينما يحتفظ الزعيم الدرزى وليد جنبلاط بكتلة برلمانية صغيرة محايدة، يعتبرها بيضة القبانى التى يمكنها ترجيح طرف ضد آخر، ولكن فى الحقيقة لا يكون لها تأثير عند حدوث توافق بين القوى الرئيسية. ووسط الانقسام السياسي الحاد بين قوى ١٤ آذار، المناصرة للثورة السورية ضد النظام ، وقوى ٨ آذار الداعمة لنظام الرئيس السورى بشار الأسد، وعدم التوافق على مرشح وسطى، تظهر جليا تداعيات الأوضاع فى سوريا على الانتخابات الرئاسية فى لبنان، بل ان البعض يتخوف من الا يتم التوصل إلى رئيس لبنانى جديد إلا بعد حسم الوضع فى سوريا، خاصة مع الانقسام الحاد في البلاد حول موضوعين أساسيين: سلاح حزب الله وتورط أطراف لبنانية فى الصراع السورى. ومنذ سنوات يحاول الجنرال ميشيل عون حليف حزب الله الوصول إلى مقعد رئيس الجمهورية بمساعدة سوريا وايران، لكن رفض قوى ١٤ آذار المقربة من السعودية له يحول دون تحقيق حلمه، وقد شهدت العاصمة الفرنسية باريس منذ عدة أشهر اجتماعا نادرا بين عون وزعيم قوى ١٤ آذار سعد الحريرى الذى يقيم خارج لبنان منذ نحو عامين بعد تلقيه تحذيرات من وجود محاولات لاغتياله هناك.وهناك أسماء مارونية أخري من خارج القوي السياسية تطرحها بعض الأطراف الدولية كحل وسط للخروج من الأزمة، مثل قائد الجيش جان قهوجى وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إلا أن انتخاب أحد هذين الاسمين يتطلب تعديلاً للدستور الذي يمنع ترشح كبار الموظفين للرئاسة ما لم يقدموا استقالاتهم قبل سنتين من موعد الانتخابات، وحتى الآن هناك شبه إجماع بين الأطراف السياسية على رفض تعديل الدستور لهذا الغرض، لكن كل شئ فى لبنان وارد. وفى كل الأحوال تبقى القوى الإقليمية والدولية المتحكمة فى خيوط اللعبة فى لبنان هى الناخب الأبرز، وخاصة سوريا وايران والسعودية والولايات المتحدة، وهو أمر ليس بجديد في لبنان منذ عهد الوصاية الفرنسية مرورا بالنفوذ المصرى فى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ثم السوري والسعودى والايرانى، وإلى أن يظهر التوافق الخارجى والداخلى فى لبنان سيبقى "الفراغ الرئاسى" هو الاحتمال الأقوى، خاصة مع ثبات الأوضاع الحالية فى سوريا ومحاولة كل طرف استخدام لبنان ورقة ضغط فى الصراع السورى، وهو أمر طبيعى فى ظل غياب رئيس "صنع فى لبنان". ويلاجظ ان اسهم كل من العماد ميشال عون وامين الجميل ترتفع لاختيار رئيس توافقي في لبنان بعد تدخلات عربية ودوليةلانهاء الازمة المستعصية والواقع ان لبنان يمر حاليا بازمة جديدة وهي التمديد لمجلس النواب الحالي بعد ن اخفق المجلس في تعديل قانون الانتخابات النيابة واذا مافشل المجلس في التمديد لنفسه لسنتين اخريين وهو ما يرفضه الجنرال عماد عون تكون لبنان البلد تعيش في فراغ دستوري رئاسي وبرلماني وعندها تصبح الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس تمام سلام غير فاقدة للشرعيية على رأي الجنرال عون . رئيس تحرير جريدة سلوان الاخبارية abdqaq@orange .jo