الشاهد - أصبحت ألمانيا مجرد ظل لذلك المنتخب الذي أرعب العالم لفترة طويلة، وذلك بعد إقصاءين مبكرين في كأس العالم 2018 وفي يورو 2020، وسيتعين على المدرب الجديد هانزي فليك إعادة البناء بهدف الوصول إلى القمة في النسخة القارية المقامة على أرضها عام 2024.
وفي اليوم التالي للهزيمة في ويمبلي أمام إنجلترا بهدفين نظيفين في ثمن النهائي، يطرح المعلقون سؤالين مهمين: ما الذي يفتقر إليه هذا المنتخب الزاخر بالمواهب الفردية؟ وهل يمكن أن يأخذ فليك هذه المجموعة إلى المستوى العالي، أم سيتعين عليه إعادة تشكيل كل شيء من جديد؟
اللاعبون أنفسهم، والمدرب السابق يواكيم لوف لديهم الإجابة على السؤال الأول، حيث اعتبر المدير الفني المنتهية ولايته بعد 15 عاماً على رأس المانشافت أن “ما ينقصنا هو رباطة الجأش في بعض الأحيان والغريزة القاتلة والخبرة”.
وأضاف المدرب الذي سيسلم مفاتيح المنتخب المتوج معه بكأس العالم 2014، إلى مساعده وقتها فليك: “في كل مباراة كانت لدينا أوقات لم نكن فيها بنسبة 100 في المئة، لكن الجودة موجودة، والحالة الذهنية أيضاً”.
ويبدو التطرق إلى عدم النضج أو الخبرة، أمراً غير مقنع بالنظر إلى مجموعة متوسط أعمار لاعبيها 27.6 عاماً حيث أربعة منهم توجوا أبطالاً للعالم عام 2014 وهم بين الركائز الأساسية في التشكيلة: حارس المرمى مانويل نوير، وقطب الدفاع ماتس هوميلز، ولاعب الوسط توني كروس، والمهاجم توماس مولر.
وبالنسبة للقائد نوير، تكمن المشكلة بشكل أكبر في الموقف “الرغبة التي أظهرها الإنجليز في اللحظة التي سجلوا فيها الهدفين في مرمانا كانت أكبر من رغبتنا”.
وقال المهاجم الدولي السابق لوكاس بودولسكي المتوج بدوره بلقب كأس العالم 2014 والذي يعمل محللاً لإحدى القنوات التلفزيونية في الكأس القارية الحالية: “لم أر هذا الطموح، هذه الإرادة، هذه الروح القتالية، كان كل شيء ميؤوساً منه إلى حد ما، عندما ترى وجوه اللاعبين، لا يحدث شيء”.
إذن ما الذي يمكن أن يفعله فليك، في وقت ستقام فيه نهائيات كأس العالم في قطر بعد ثمانية عشر شهراً، وأن اتحاده سيطلب منه قبل كل شيء أن يكون قادراً على المنافسة في غضون ثلاث سنوات عندما تستضيف ألمانيا يورو 2024؟
بالنسبة للخبراء، من الواضح أنه لن يتخلى عن أسس عمل لوف الذي عمل معه مساعداً لسنوات.
وقال لوف: “لدينا لاعبون صغار سيتعلمون من هذه التجربة، وسيتحسنون كثيراً في العامين أو الثلاثة أعوام القادم، وستكون بطولة يورو 2024 ذروة مسيرتهم. يمكننا أن نتوقع هذه الأشياء الجميلة”.
وخلال مروره المظفر في بايرن ميونيخ (سبعة ألقاب في 19 شهراً)، حافظ فليك على روابط وثيقة جداً مع لاعبي النادي البافاري، بينهم مولر الذي أعاده إلى التألق وهو في سن الثلاثين تقريباً، لكن أيضاً مع الركيزتين الأساسيتين اللتين لا غنى عنهما جوشوا كيميش وليون غوريتسكا، بالإضافة إلى الجوهرة الصغيرة البالغة من العمر 18 عاماً جمال موسيالا والذي كان فليك سبباً في ظهوره في صفوف المحترفين، وبالتالي سيعتمد عليهم منطقياً.
وتوقع أسطورة بايرن ميونيخ ومنتخب ألمانيا لوثار ماتيوس، حامل الرقم القياسي في عدد المباريات الدولية (150 مباراة) والمقرب جداً من المدرب الجديد للمانشافت، أن “مولر لن يوقف مسيرته الدولية بمفرده، ولن يستبعده فليك بالتأكيد، في غضون عام ونصف يجب أن يكون لدينا منتخب قوي في قطر، وتوماس لديه مكان في صفوفه”.
ولا يزال الحارس العملاق نوير (35 عاماً) في أفضل حالاته ولا يتعرض مركزه إلى التهديد.
من ناحية أخرى، تتكهن وسائل الإعلام الألمانية بنهاية المسيرة الدولية للاعبي الوسط كروس وإيلكاي غوندوغان.
وسيسمح رحيلهما بنقل كيميش من مركز المدافع الأيمن حيث كان لوف يفضل إشراكه، إلى لاعب الوسط الدفاعي حيث تألق بشكل رائع مع بايرن بقيادة فليك.
أما بالنسبة إلى هوميلز، فهو يترك مسألة مستقبله مفتوحة “لم أفكر في الأمر بعد، أريد أولاً أن أنفصل عن العالم لبضعة أيام”، عقب خيبة أمل الخروج من ثمن نهائي الكأس القارية.
سيكون وصول فليك إلى دفة القيادة سلساً مع مباريات سهلة ضد ليشتنشتاين وآرمينيا وآيسلندا آوائل سبتمبر المقبل في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2022.
لكن ألمانيا سبق لها أن أخفقت أمام منتخب مغمور في هذه المجموعة من التصفيات بخسارتها أمامه مقدونيا الشمالية وعلى أرضها 1-2.
انتهت رحلة المدرب المخضرم لوف مع “الماكينات” بعد قرابة 15 عاماً قاد خلالها الفريق في كافة البطولات القارية والدولية حتى ظهوره الأخير في يورو 2020.
لكن رحلة المدرب القيدوم مع ناسيونال مانشافت لم يكتب لها أفضل نهاية، وذلك بعد الخروج من ثمن نهائي يورو 2020 بخسارته على يد إنجلترا.
ومن المقرر أن يخلف لوف مساعده السابق هانزي، الذي رحل عن بايرن ميونيخ نهاية الموسم الماضي بعدما قضى داخل النادي نحو عام ونصف.
لم يتول لوف أي من الفرق أو المنتخبات الكبرى قبل وصوله إلى منصب المدير الفني لمنتخب ألمانيا، حيث ظلت مسيرته منحصرة بين أندية النمسا وسويسرا وتركيا وألمانيا.
وقاد لوف فريقاً ألمانياً واحداً هو شتوتغارت بين عامي 1996 و1998، لكنه ظفر خلالهما بلقب كأس ألمانيا، فيما وصل إلى نهائي كأس الكؤوس الأوروبية في موسمه الأخير.
ودون ذلك، لم يحقق لوف أي نجاحات بارزة باستثناء فوزه بلقبي الدوري وكأس السوبر في النمسا عامي 2002 و2003.
وفي عام 2004، تولى يورغن كلينسمان تدريب منتخب ألمانيا عقب يورو 2004، ليضم لوف إلى جهازه المعاون كمدرب مساعد، ليصلا معاً إلى نصف نهائي بطولتي كأس القارات وكأس العالم عامي 2005 و2006.
وبعدما قرر كلينسمان عدم تجديد عقده مع المانشافت، أسند الاتحاد الألماني لكرة القدم المهمة لمساعده لوف، الذي وقع على عقد لمدة عامين.
أولى البطولات التي خاضتها ألمانيا في عهد لوف كانت يورو 2008، وقد نجح خلالها في تجاوز كافة منافسيه حتى وصوله إلى المباراة النهائية، لكنه اصطدم بقوة نظيره الإسباني، الذي تفوق عليه بهدف دون رد، حرمه من اللقب.
وجاء الاختبار الثاني بعد عامين، حينما خاضت ألمانيا منافسات كأس العالم 2010 بجيل جديد من الشباب، حيث كان أصغر فريق من ناحية الأعمار منذ عام 1934.
وتصدر المانشافت مجموعته قبل التأهل إلى الأدوار الإقصائية، حيث أطاح في طريقه بإنجلترا والأرجنتين حتى بلوغه المربع الذهبي، لكنه اصطدم بقوة إسبانيا مجدداً، ليخسر بنتيجة (0-1)، ليحصد الفريق بعدها الميدالية البرونزية في المونديال.
ورغم أن الألمان يبحثون دوماً عن منصات التتويج، إلا أن وصافة بطل أوروبا وبرونزية المونديال كانتا إشارة إلى قدرة لوف على تحقيق النجاحات في قادم المواعيد بعد نتائجه المميزة في غضون 4 سنوات على توليه المهمة.
وفي الاختبار الثالث، بلغت الماكينات الألمانية نصف نهائي يورو 2012 بعدما قهرت في طريقها عدداً من الكبار، أمثال هولندا والبرتغال، لكن إيطاليا أنهت مشوارها بالفوز عليها في المربع الذهبي (2-1).
خطوات ألمانيا التدريجية لم تتوقف نحو القمة، حيث جاء الموعد المنتظر في مونديال 2014، الذي كان شاهداً على قوة المانشافت العاتية التي لم يصمد أمامها الجميع.
وكان الإعصار الألماني قوياً منذ أول مواجهة في المونديال، حيث قهر البرتغال (4-0)، قبل أن يتعثر بتعادل مفاجئ مع غانا، لتعود الانتصارات في الجولة الثالثة لدور المجموعات على حساب الولايات المتحدة، لكنه سرعان ما وقع في إحراج لاحقا في أولى مباريات مرحلة خروج المغلوب أمام منتخب محاربي الصحراء (الجزائر)، لكن ذلك لم يمنع المانشافت من تحقيق الفوز (2-1) والعبور إلى ربع النهائي لملاقاة فرنسا، التي تلقت خسارة بهدف دون رد.
بلغت ألمانيا المربع الذهبي مجدداً لتضرب موعداً مع البرازيل، صاحبة الأرض، لكن زلزالاً بقوة 7 ريختر ضرب رفاق الغائب نيمار دا سيلفا، لينجح فريق لوف في إسقاط السيليساو بفوز تاريخي (7-1).
أسوأ هزيمة في تاريخ البرازيل بالمونديال منحت ألمانيا بطاقة التأهل إلى المباراة النهائية، التي واجهت خلالها الأرجنتين بقيادة ليونيل ميسي، لكن هدف ماريو غوتزه القاتل منح المانشافت فرصة قنص اللقب.
هذا المشوار المميز مهد طريق لوف نحو الحصول على جائزة أفضل مدرب عام 2014 من فيفا بنسبة 36.23 في المئة من إجمالي الأصوات، متفوقاً على الإيطالي كارلو أنشيلوتي، المتوج بطلاً لأوروبا مع ريال مدريد في ذلك الوقت.
وفي يورو 2016، لم تتجاوز ألمانيا نصف النهائي بعد السقوط أمام فرنسا، لكن العام التالي شهد تعويض هذا الإخفاق بتتويج رجال لوف أبطالاً لكأس العالم للقارات على حساب تشيلي.
وفي عام 2018 كان بداية انهيار المانشافت في عهد لوف، بعدما أخفق الفريق في تجاوز مرحلة المجموعات في كأس العالم، ليودع مبكراً لأول مرة في تاريخه من الدور الأول.
ولم يكن ذلك الإخفاق هو الوحيد لألمانيا، بل امتدت الانتكاسات لمشاركتها في دوري الأمم الأوروبية بنسخته الأولى، والتي انتهت بهبوط الفريق للمستوى الأدنى، لولا تعديل اللوائح في ما بعد.
وفي النسخة التالية من دوري الأمم، تلقت ألمانيا أسوأ خسارة لها منذ عام 1931 بالسقوط على يد إسبانيا (0-6)، لتفشل في التأهل للأدوار النهائية للبطولة.
ولم تكن مشاركة ألمانيا في يورو 2020 مغايرة عن سابقيها، حيث لم يحقق الفريق سوى انتصار وحيد خلال 4 مباريات خاضها في البطولة، التي ودعها من دور الـ 16، لتنتهي رحلة لوف بأسوأ سيناريو ممكن.
ظهر لوف في حديث لوسائل الإعلام مجدداً عقب إقصاء منتخب بلاده من ثمن نهائي بطولة يورو 2020.
وبدأ مدرب المانشافت المؤتمر بالاعتذار عن الخروج المبكر، حيث قال: “لم يكن هذا الوداع الذي تصورته، وخيبة الأمل كبيرة بعد 4 أسابيع ونصف من العمل والثقة الكاملة في الفريق.
“لقد آمنت بهذه المجموعة، لكني أشعر بالأسف بعدما خيبنا آمال جماهيرنا، وأتحمل مسؤولية الإقصاء دون أعذار أو تحفظات.
“أمضيت 15 عاماً مع الفريق، بها لحظات عديدة رائعة وأخرى مخيبة أيضاً، وأعتقد أن هذا الفريق لديه مستقبل مشرق، وأتمنى لخليفتي هانزي فليك التوفيق والنجاح البالغ، وقلبي سيظل ينبض بالأسود والأحمر والذهبي”.
وأقر صاحب الـ 61 عاماً بارتكاب الأخطاء، حيث قال: “من المبكر بالنسبة لي رصد وتحليل ما حدث، ومن الصعب الآن الإشارة للأمور الخاطئة، لكني أتحمل المسؤولية لأني ارتكبت أخطاء، إلا أني لن أخوض في التفاصيل”.
وفيما يتعلق بعلاقته بفليك، قال: “أنا على اتصال دائم به طوال الأشهر القليلة الماضية، تحدثنا عبر الهاتف أيضاً أثناء البطولة، فنحن نعرف بعضنا منذ سنوات، وأنا متاح له دائماً بحال أراد سؤالي عن شيء، فعلاقتنا الودية ستبقى كما هي”.
وكانت مواجهة إنجلترا هي الأخيرة للوف في منصبه بعد رحلة دامت 15 عاماً، حيث تقرر أن يخلفه مدرب بايرن ميونخ السابق بداية من يوليو الجاري.