حمادة فراعنة
لشعب كردستان مكانة وقيمة واعتبار، لدى كل فهيم عاقل يدرك وقائع التاريخ، ومتطلبات الحياة، فقد تعرض الكرد للظلم ولازالوا، ومزقت المؤامرات أرضهم ووحدتهم، وعملت على تغييبهم، وتبديد هويتهم القومية، وبعثرة مكوناتهم، ومست كرامتهم.
معاناة الكرد، تفوق معاناة العرب وتطلعاتهم، فقد تمزق العرب بين كيانات ودول بقرارات الدول الاستعمارية، ولكن بقوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم، باستثناء فلسطين حيث المستعمر الأجنبي مازال على صدورهم، ولكن الكرد تقسمت أرضهم وتوزعوا بين أربعة بلدان متجاورة: تركيا وإيران والعراق وسوريا، وباتوا محكومين من قوميات أخرى لم تنصفهم إلى الأن، باستثناء الراحل صدام حسين بعد سنوات طويلة من النضال الكردي متعدد الأشكال، أن إعترف بهويتهم القومية، وأنهم مكون أساسي مستقل من الشعب العراقي، وأقر حقهم بالحكم الذاتي، ولايزال هذا التراث السياسي يشكل محطة هامة ضرورية لاستعادة حقهم الطبيعي وإن كان في إطار حكم ذاتي كجزء من دولة العراق.
ثمة ثقافة عنصرية سائدة، وسلوك أحادي متحكم يرفض الإقرار بالمكون الكردي، وحقه في تقرير المصير، وإلصاق كل التهم نحو إرادته وتطلعاته، ونحو إدارته، تحت حجة قد تكون مشروعة لدى القوميين في إيران وتركيا وسوريا والعراق، خشية تمزيق بلدانهم وتقسيمها، قد يكون، ولكن حرصهم على وحدة بلدانهم يفرض على القوميين في هذه البلدان أن يحترموا القومية الكردية وخصوصيتها وحقها في تقرير المصير، وإذا كان أهل البلدان الاربعة، يخشون على بلدانهم من التقسيم ومطالبة الكرد بالاستقلال، فخشيتهم مشروعة ومبررة، ولكن عليهم أن يوفروا للكرد المساواة والعدالة والشراكة حتى يختار الكرد أنفسهم الوحدة وينبذوا الانفصال، ويختاروا البقاء كمواطنين متساوين في الحقوق القومية مع الإيرانيين والأتراك والعراقيين والسوريين.
علينا أن ندرك معادلة الحياة واستقرارها، وهي عليّ أن أحترم كرديته حتى يحترم عروبتي، عليّ أن أحترم مسيحيته حتى يحترم إسلامي، عليّ أن أحترم الأخر وخصوصيته حتى يحترمني، علينا أن نقر التعددية في الحياة والمجتمع ولا تخلو دولة في العالم من هذه التعددية.
على قاعدة هذه المعادلة العادلة، يمكن التعايش والشراكة والاستقرار، وغير ذلك، ستبرز مظاهر الظلم والتمييز والإجحاف بحق الأخر وستبرز مقابل ذلك: مظاهر احتجاجية ورافضه ومقاومة ، ولهذا لن تتقدم معايير الديمقراطية والاستقرار في العالم العربي، إذا لم نحترم الأخر، الكردي، الشركسي، الشيشاني، الأمازيغي، الإفريقي، المسيحي، السني، الشيعي، الدرزي، وأن لا يتوهم أحدنا أنه أفضل من الأخر قيمة وثقافة وحضارة وتاريخاً ومستقبلاً.
على قاعدة هذه القيم، واحترام المصالح، والبحث عن القواسم المشتركة، توطدت العلاقة بيننا كأردنيين وإقليم كردستان العراق، بدون أن يُسبب ذلك أي حساسية بيننا وبين بغداد، بل شكلت هذه العلاقة بين عمان وأربيل أحد عوامل الاحترام المتبادل بين الأردن والعراق، لأنها علاقة نظيفة علنية قائمة على الندية والاحترام المتبادل.
زيارة رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني الخاطفة للأردن لعدة ساعات، لم تكن توطيداً لعلاقات عامة عابرة، بل لمصلحة تخدم الطرفين، وأكيد فيها ما هو مفيد وضروري.