في ذكرى الثورة وعيد الجيش والجلوس، المملكة لا تقبل الإختزال !
الأردن يعايش دكتاتورية الجغرافيا الصعبة، منذ نشأة كيانه السياسي بمنطقة شهدت منذ مطلع القرن الماضي الهيمنة والإستلاب وصراع النفوذ والأطماع والإحتلال، منطقة الديمغرافيا المتحركة بهجرات قسرية، وأنظمة غير مستقرة بصراعات دامية ...
منذ مطلع قرنٍ مضى، نشأ كيان الأردن السياسي شأن الكيانات الأخرى بعد زوال الحكم العثماني، كإمتداد لرسالة الثورة العربية الكبرى بنشدان الوحدة العربية والتحرر والوحدة ونهضة الأمة، وواجهت ما واجهت أمام دول عظمى منتصرة بحرب كونية تقاسمت المنطقة بهيمنتها ونفوذها ...
فنشأة كيان الأردن الوطني السياسي، جاء بهدف وحدوي نحو سوريا الكبرى ، في مواجهة مشروع صهيوني تنبه له الأردنيون قبل قيام كيانهم السياسي ، والذين ادركوا منذ البدايات حدوده لن تتوقف عند الجغرافيا الفلسطينية، وهذا تأكد في وثيقة ام قيس ، ومقاتلة الأردنيين لمستوطنات صهيونية على أرض فلسطين ...
وتترجم النضال الأردني بنشوء الإمارة بالجد المؤسس الملك عبدالله الأول إبن رسالة الثورة العربية بأهدافها الوحدوية ، ولتبدأ مرحلة التأسيس بنشأة الدولة الوطنية الأردنية، بمشروع نحو الوحدة ومواجهة مع مشروع الحركة الصهيونية ومحاولاتها، أن لا يكون الأردن كياناً سياسياً ومشروع دولة ، وتجاوزت الإمارة بحنكة الأمير وتلاحم الشعب مرحلة التأسيس، بنيل الإستقلال ووضع الدستور ، ولم تمضي سنتان لتقع الحرب العربية الإسرائيلية ١٩٤٨، وينقذ الأردن الضفة الغربية والقدس ويصنع وحدة حفظت جزء غال من فلسطين بواقع عربي ضعيف وهزيمة جيوش عربية، ويبدأ توجه الأردن نحو القضية الفلسطينية متحملاً تفاصيل مكابدتها التاريخية، وتفشل كل محاولات مشاريع وحدة سوريا الكبرى كهدف للفكرة الأردنية الهاشمية، ويعقب مشروع الوحدة الأردنية الفلسطينية إغتيال الملك المؤسس، والذي استهدف إغتيال هذة الوحدة التاريخية ...
واعقب تطورات حرب ٤٨ وقيام كيان إسرائيل، بدخول المنطقة العربية مرحلة الانقلابات العسكرية التي قامت تحت شعار تحرير فلسطين، وتعايش المنطقة شعارات التخوين والتقدمية والرجعية، ويغيب العقل والتنمية والديمقراطية ، وتنصب أعواد المشانق والزنازين، وشعار لا صوت يعلو على صوت المعركة، بغياب استراتيجية وخطط حقيقية للتحرير ، وتصبح القضية شعار لبيان رقم واحد واستلام السلطة ولعبة الكراسي، ويعايش الأردن هذه المرحلة، ويتجه لوحدة مع مملكة العراق وقيام الاتحاد العربي، والذي تم تصفيته بمجزرة الملكية الهاشمية في العراق، وبداية لدخول العراق مرحلة الانقلابات، ويذهب الأردن لخطط التنمية الداخلية بكافة المجالات ويحقق إنجازات وطنية في عهد الحسين الباني تجاوزت حجم قدراتة ومواردة الذاتية، وتأتي حرب ٦٧ بغياب خطة حقيقية للحرب، والأردن يدرك نتيجتها المحتومة بخطابات التهريج والحناجر، بأنطمة اخذت العرب لحرب لتكون نتيجتها الإحتلال الكامل لفلسطين بسقوط الضفة الغربية والقدس واحتلال سيناء المصرية والجولان السوري وجنوب لبنان ، وكانت نتيجتها الاخطر على الأردن محاولة الكيان الإسرائيلي المنتصر بالحرب، أن يفرض وثيقة استسلام على الأردن بمعركة الكرامة، التي افشلت بإنتصار الجيش الأردني التاريخي، وتحقيق نصر مؤزر على جيش إسرائيل الذي لا يقهر ، وعلى محاولته فرض الاستسلام وتصفية القضية الفلسطينية، ولتأتي فتنة أيلول ١٩٧٠ والتي كانت محاولة تستهدف الدولة الأردنية بالمشروع البديل وتصفية القضية على حساب الأردن والدولة البديلة. ويتجاوز الأردن أحداثها بسيادة الدولة الاردنية.
وتأتي حرب ١٩٧٣ ويشارك الأردن بقواته العسكرية على الجبهة السورية، وتعقب حرب ٧٣ بداية الحلول السلمية بعقد مصر اتفاقية كامب ديفيد مع الطرف الإسرائيلي، وعمليا وضعت الإتفاقية نهاية الحسم العسكري مع إسرائيل، بخروج الشقيقة الكبرى من مواجهة الصراع العسكري مع إسرائيل .
وتشهد المنطقة تطورات واحداث بالحرب العراقية الإيرانية بمجئ الثورة الإيرانية، ويعقب تلك الحرب ، قيام القوات العراقية بإحتلال الكويت، في مرحلة تفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وبداية تشكل نظام عالمي جديد بأحادية القطبية، ويتشكل تحالف دولي لإخراج القوات العراقية من الكويت، ويرفض الأردن المشاركة بسعيه لحل عربي عربي ورفضه لقدوم قوات أجنبية بتدويل قضية الإحتلال، مع تاكيده التام برفض إحتلال الكويت، ويعقب ذلك دخول المنطقة بمرحلة، ان السلام خيار استراتيجي بإجماع عربي، بإنعقاد مؤتمر مدريد ، بحصيلة اتفاقية أوسلو بين الفلسطينين وإسرائيل ، واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل ،،
وتدخل المنطقة مرحلة جديدة بإحتلال العراق ٢٠٠٣ ، وكان تحدي تاريخي باحداث تطوراته داخل العراق وعلى المنطقة، ويواجه الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني هذا التحدي ومخاطر تطوراته وتداعياته على الأردن، ويتجاوز الأردن بصلابة وحكمة وحنكة الملك بهذا الزلال الكبير على حدوده كل تداعيات الأزمة العراقية وتطوراتها اللاحقه.
ومن جديد يواجه الأردن موجة التطرف والإرهاب الذي بدأ يضرب في المنطقة ، ويواجهه الأردن بصلابة وحسم وحزم ، رغم كل اليافطات التي تغطى بها الإرهاب بجماعاته المختلفة، كرداء في تفتيت المجتمعات.
ولتبدأ المنطقة مرحلة الثورات وما يسمى بالربيع العربي ، وبداية الأحداث في الأزمة السورية بصراعات دموية ، اشبه ما تكون بحروب الوكالة على حدود الأردن ، واستطاع الأردن بحكمة وحنكة الملك ووعي الشعب الأردني ويقظة الأجهزة الأمنية وجاهزية القوات المسلحة ، أن يتجاوز حريق الأزمة السورية من الإمتداد داخل حدود المملكة، وبتميز وفاعلية علاقات الملك الدولية التي نسجها مع القوى الدولية المؤثرة على الأرض السورية، وسجل الأردن موقفاً تاريخيا ً للاشقاء اللاجئين السوريين رغم ظروفة الاقتصادية الحرجة، وموقفا تاريخيا للملك وتمسكة بالحل السياسي للأزمة السورية بما يحفظ وحدة التراب الوطني السوري والشعب ووحدة مكونات الشعب السوري والدولة السورية.
وفي ظل هذة الأوضاع العربية باحداثها والصراعات الدامية بتداخلاتها الإقليمية والدولية على حدود المملكة ، استطاع الأردن في عهد الملك عبدالله الثاني ان يتجاوز تحولات تاريخية غير مسبوقة على حدوده، بما يحفظ أمن وسلامة الأردن والتمسك بثوابت الأمن القومي العربي، والدفاع عن الإسلام وبراءته من أن ينسب الإرهاب للدين الإسلامي الحنيف.
وفي ظل هذة الأوضاع ، استطاع الأردن ان ينسج علاقات دولية موازنة، ساهمت بتحقيق استقرار رغم كل الحرائق المشتعلة على حدوده ، ويفرض مكانة دولية وحضورا متميزا رغم اضطراب العلاقات الدولية بتنافس مصالحها في المنطقة والعالم ..
وفي جانب القضية الفلسطينية، والتي تشكل المحور الأساس في الموقف الأردني وفي تحركات الملك على المستوى العربي والدولي، بقى الأردن متمسكا بموقفة الثابت بضرورة حل الدولتين، وأن القضية الفلسطينية هي أولوية القضايا على كافة ملفات المنطقة، والموقف الثابت والتاريخي تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية ، وتلخص الموقف الأردني بلاءات الملك التاريخية الثلاث ورفض جلالته لصفقة القرن والتمسك بقيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة والإستقلال على حدود الرابع من حزيران ٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية ، وأن الموقف الأردني مع القضية الفلسطينية لا يرتبط بحالة الوضع العربي المفكك ، وبأنها للأردن قضية مصيرية ومصلحة أردنية عليا ، ومهما كان حجم المواجهة والتحدي ...
وبقيت جهود الملك ورسالته مستمرة، من ضرورة العمل العربي المشترك بما يواجه تحديات قائمة ومفروضة بتطوراتها وتحولاتها على المنطقة، ورغم الوضع العربي الراهن بأوضاعة القائمة، وموقف دولي وإقليمي بالغ التعقيد بتداخلات نفوذه ومصالحة في المنطقة، وهي حالة تاريخية بمعطياتها، وابعد من معطيات سياسية عايشتها المنطقة منذ عقود مضت، فالمنطقة تشهد أوضاع إقليم يتجاوز الحالة العربية، بما يهئ لنظام إقليمي جديد ويتجه لنمط جديد بعلاقاتة الدولية، وهي حالة متشابكة ومعقدة بملفاتها وتداخلاتها، التي قد يتبلور عنها نظام أمن إقليمي جديد بتوازن المصالح بين قوى إقليمية ودولية. وهي ظروف بالغة التعقيد، وقد تُعاند الأردن بمجموعها ولا تُطاوع .
بالأردن القوي، يبقى الملك رهان أردني وعربي بما له من علاقات الأخوة مع اشقائة من القادة العرب ، وبما يملك من حضور دولي متوازن في علاقاته مع المجتمع الدولي، خدمة للقضايا العربية وشعوبها ...
وعلى مستوى الشأن الداخلي بهذا المرور على محطات تاريخية موجزة ، لسنا مع هذا التهويش ولا مع ذلك التشويش، رغم الإصرار على مسيرة الإصلاح المطلوب بكافة جوانبه، ولكن ان لا نغتال الدولة ومؤسساتها بهذا التشويش والتهميش، أو التشكيك الذي لا يرتقي لمستوى مرحلة تاريخية بنوازلها الكبرى، وكثير من معطياتها ، قد لا تُطاوع الأردن في تفاصيل مشهدها القائم ..
نعم لإجتثاث الفساد ولكن الأردن ليس بالدولة الفاسدة ...
نعم لتطوير أداء السلطات والمؤسسات وفاعليتها في خدمة المواطنين، ولكن الأردن ليس بالدولة الفاشلة ...
نعم لمواجهة التحدي الداخلي، الاقتصادي بأزمته المتراكمة ، وتحدي البطالة الأخطر بأولويتها ، وواقع الخدمات بنوعيتها وعدالتها لكافة المواطنيين، وهذا يتطلب فصل المسارات، مسار الموقف الوطني في خندق الوطن والدولة وخلف الملك لمواجهة مخاطر خارجية بأحداث وتطورات تشهدها المنطقة وتفويت فرصة ومحاولات إضعاف الأردن، وفصل مسار الموقف الوطني الذي لا يقبل الإجتهاد في خندقه، وذلك عن مسار مطالب الإصلاح المطلوب داخلياً لمواجهة تحديات داخلية، وهذا يفرض على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها بالانفتاح والحوار مع كافة مكونات الوطن السياسية والإجتماعية والمناطقية لإيجاد الحلول، وتقديم مشروع إصلاح سياسي عميق وجذري، وبما يلبي مطالب الشعب وبما ينسجم مع متطلبات مرحلة تاريخية، اعتاد الأردن بتجربته التاريخية اجتياز كافة المراحل الصعبة بالحكمة والصلابة، وبتماسك جبهتة الداخلية بالالتفاف حول قيادتة الهاشمية وحماية الدولة من الإهتزاز أو الإضعاف .
هل الحكومة قادرة على تقديم استراتيجية وخطة وطنية متكاملة، للتوافق الوطني في ظل الدولة والشرعية الدستورية وليتحمل الجميع مسؤولية مواجهة التحديات الداخلية بالمشاركة الفاعلة؟ وليتحمل الجميع أيضاً مسؤولية مرحلة تاريخية تمر بها المنطقة بكل انعاكساتها على الأردن، وذلك بالتلاحم الوطني في خندق الدولة والقيادة بلوغاً لشاطئ الأمان، ولمكانة للأردن تحت الشمس حضوراً ودوراً ؟
الدكتور أحمد الشناق