قطاعا النقل والإنشاءات في الأردن
د. محمد طالب عبيدات
نشطت نقابة المهندسين والحكومة والجامعات الأردنية في إظهار الدور التنموي الذي يضطلع به قطاعا النقل والإنشاءات لمساهمتهما الفعّالة في البنى التحتية العصرية ودورهما التنموي في دعم الإقتصاد الوطني الأردني والتوجهات المستقبلية للقطاعين، وقُدّر لي أن أترأس جلستي عمل رئيسيتين في مؤتمر إربد الهندسي الدولي الأول وملتقى هندسة السكك الحديدية وإدارتها اللذان عقدا الأسبوع المنصرم، وكانت الفعاليات الهندسية المشاركة محلية وإقليمية وعالمية وقطاع عام وخاص وخبراء وغيرهم. والقطاعان من القطاعات الداعمة للإقتصاد الوطني الأردني حيث نقابتي المهندسين التي تستحوذ على حوالي مائة وعشرين ألف مهندس ونقابة المقاولين التي فيها أكثر من ألفي مقاول وجمعية المشتثمرين في قطاع الإسكان وفيها قرابة الألفي مستثمر وهيئة المكاتب الإستشارية وفيها ما يربو عن ألفي مكتب هندسي وإستشاري. والقطاعان يمتازان بتنوع خبراتهما وتشابكهما مع عدد من القطاعات الأخرى مما يجعلهما أكثر حساسية للتغييرات في الفعاليات الإقتصادية والعوامل الديموغرافية والإجتماعية.
بالطبع كوزير سابق للأشغال العامة والإسكان وراعي لقطاع الإنشاءات أسجّل إعتزازي بالتكاملية والتشاركية الرائعة بين مؤسسات القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني في وطني العزيز لوضع أولويات ورؤى تطوير قطاعي الإنشاءات والنقل، والتي بالمجمل رأسمالها المهندسون الذين ينوف عددهم عن مائة وعشرين ألفاً بواقع مهندس لكل خمسين أردني، وفي ذلك تفوق كمي ونوعي عن بقية دول العالم.
كما أعتز بالبنى التحتية والفوقية من مباني حكومية وغيرها والتي تم إستثمارها في الأردن منذ نشأت الدولة الأردنية والتي تتجاوز ثلاثمائة مليار دولار، بيد أن الإستثمار في قطاع الإنشاءات لوحدة غالباً ما يتجاوز خمسة مليارات دينار أردني سنوياً، ويُشغّل قرابة مائة وخمسين ألفاً منهم ما لا يقل عن 50% من الأردنيين وفي أكثر من 150 مهنة مختلفة، وكنت أتمنّى أن نتجاوز ثقافة العيب ليكون جُلّهم أردنيون لأن هذه المهن مُدرّة للدخل، وخصوصاً أن طوابير العاطلين عن العمل في ديوان الخدمة المدنية يعانون من غول البطالة المقنّعة تحديداً.
وللإنصاف فقد سجّل قطاع الإنشاءات نمواً إقتصادياً مطّرداً العام الماضي هو الأعلى بين القطاعات الأخرى بواقع 9% لإزدياد الطلب على السكن والحاجات الإنشائية والبنى التحتية وغيرها بسبب الأوضاع السياسية في إقليم الشرق الأوسط ولجوء البعض للأردن كبلد آمن ومستقر، رغم أن النمو الإقتصادي بالمجمل لم يتجاوز 2.8%. وإن كنا أصبحنا بأمس الحاجة لتحويل البنى التحتية إلى مشاريع بنى تحتية خضراء بيئياً وطاقة ومياة.
لكم مع تنامي الأحجام المرورية وعدم سعة شوارعنا لها وخصوصاً الداخلية منها، بتنا اليوم وقبل الغد بأمس الحاجة للإستثمار في قطاع النقل ووضعه على سُلم الأولويات الوطنية كمثل قطاعي الطاقة والمياة لغايات تخصيص موازنة ورؤية وإستراتجية محكومة بوقت ومؤشرات إنجاز لهذا القطاع الحيوي، وتحديداً نحتاج للإنتقال صوب النقل الجماعي والنقل السككي للبضائع والأشخاص، وخصوصاً أننا جزء من المشروع العربي للسكك الحديدية والذي نتطلّع لأن تجد الحكومة له التمويل المناسب وبالسرعة القصوى لغايات مواكبة التطورات التكنولوجية المتزايدة في قطاع النقل العام، وخصوصاً في ظل التلكؤ في صرف أموال المنحة الخليجية وصرفها على مشاريع خلطات إسفلتية قروية أو زراعية لا تُدر فرص عمل ولا تحقق مؤشرات نمو إقتصادي.
نحتاج لتغييرات جذرية في ثقافتنا المجتمعية في مسألة الإنتقال لثقافة النقل الجماعي والسككي، فإمتلاك الأردنيين للمركبات ومن محدودي الدخل بواقع مركبة لكل أربع أشخاص بات يُشكّل عبئاً مالياً متزايداً عليهم وعلى شبكة الطرق ومصدراً للأزمات المرورية الخانقة وأحياناً منظراً غير حضاري بخصوص المركبات القديمة.. الخ، وبالمقابل الحكومة مدعوّة لإيجاد أسطول نقل جماعي مرن ويُعتمد عليه في مسألة إدارة الوقت لغايات تخفيف فاتورة النقل للمواطنين والتي تُشكّل أكثر من 35% من مدخولاتهم، ومدعوة أيضاً لمنح حوافز تشجيعية لتغيير المركبات القديمة لا بل الإستغناء عنها وإنتقال شريحة مستخدميها للنقل الجماعي خدمة للوطن من خلال دعم مشاريع النقل العام والجماعي، والتخفيف على البيئة ومنع مصدر رئيس لتلوث الهواء.
المطلوب وبشكل عاجل من أمانة عمّان والبلديات والحكومة تعزيز باصات النقل العام والجماعي داخل المدن لتجذير هذه الثقافة كخطوة على الطريق تسبق الإنتقال لثقافة النقل السككي، ولغايات التخفيف من الأزمات المرورية، وربما بدأت الأمانة الأسبوع الماضي بتسيير خط كمشروع أولي وبالطبع هذا لا يكفي لكننا ننتظر المزيد