الشاهد - ربى العطار
تصوير:سند العبادي
- كان هناك تأخر في تعيين الكادر الطبي
-غرف العزل والعناية الحثيثة بحاجة لمزيد من الأطباء
-التمويل الحكومي لا يغطي 25% من حاجة المزارعين
-لابد من رفع طاقة تخزين الغذاء وبالشراكة مع القطاع الخاص
-الثروات الأردنية موجودة، لكن لا يتم إدارتها بطريقة جيدة
-الاستعجال في إعداد استراتيجية الأمن الغذائي ضرورة ملحة
في ظل ما تمر به المنطقة والعالم من توترات وارهاصات عديدة، عزز اتساعها انتشار فيروس "كورونا" ليصبح شبحاً يحصد أرواح الناس، ويحارب لقمة عيشهم، ويفرض عليهم أنماطاً اجتماعية قسرية، ومع الحاجة إلى توضيح المفاهيم من أصحاب الحكمة والخبرة الطويلة في ميادين العمل السياسي والمتخصص، كان لابد من انتقاء ضيف له دراية واطلاع على المفاصل البارزة التي تؤثر على الأوضاع القائمة في بلادنا، التي تأثرت بشكل كبير شأنها شأن باقي بلدان العالم بالجائحة الوبائية.
"الشاهد" زارت معالي العين عاكف الزعبي، رئيس لجنة الزراعة والمياه في مجلس الأعيان، ووزير الزراعة الأسبق، وأجرت معه حواراً، تم خلاله توضيح مجموعة من المواضيع، التي تنوعت بين الشأن العام والمتخصص.
معالي الزعبي، قيّم إجراءات الحكومة في التعامل مع الجائحة، وبيّن أبرز معوّق أمام القطاع الصحي، لينتقل للحديث عن الخطة التحفيزية التي أقرتها الحكومة مؤخراً.
كما تطرق معالي الوزير الأسبق للحديث عن الشأن الزراعي وما يعانيه القطاع، وماهي أبرز المقترحات للنهوض بالزراعة في الأردن.
وأكد الزعبي خلال اللقاء على ضرورة الاستعجال بإعداد استراتيجية الأمن الغذائي نظراً لأهميتها في مواجهة الأزمات الطارئة.
كما كان الحديث عن الاستثمار حاضراً، والذي أوضح فيه الزعبي أبرز المشكلات التي تحد من التوسع في مشاريعه في الوقت الراهن.
ماحدث في مستشفى السلط أربك الإدارة العليا بوزارة الصحة
"أريد أن أتحدث عن كورونا كمرحلتين، المرحلة الأولى شهدت خطأين، الخطأ الأول، كان بالإغلاق الشامل الذي دام بحدود 68 يوماً مما أثر كثيرا على الجانب الاقتصادي، ولا أريد أن أحمّل أحداً المسؤولية فالوباء كان جديداً والتعامل معه كان بحذر زائد.
وبالرغم من الأصوات الكثيرة التي نادت بانهاء الحظر الطويل، إلا أن الحكومة لم تسمع، وكان عليها أن تعي أن ذلك الإغلاق يكلف خسائر كبيرة، وصعب أن تتحمله الخزينة.
أما من الناحية الصحية كان الخطأ في عدم ضبط الحدود وانتبهوا لها فيما بعد واعترفوا بذلك.
أما المرحلة الثانية من الجائحة، فاعتقد أن الاجراءات الصحية كانت جيدة بنسبة 80%، فقد كان هناك اجراءات واضحة تمثلت ببناء عدة مستشفيات، وتوظيف 2200 من الكوادر الطبية من أطباء وممرضين، مما رفع من الاستعداد للاستقبال، فعدد الأسرَة زاد وغرف العناية الحثيثة أيضاً، بالإضافة لتوفير أجهزة التنفس الصناعي ، وكان هناك تجهيزات بمستوى جيد، لكن مع سرعة انتشار الوباء فإن هناك تخوف من الوصول لمرحلة الاستخدام الكامل لطاقة القطاع الصحي.
وبتقديري فقد كان هناك تأخر في تعيين الكادر الطبي لغاية التعيينات الجديدة، لأنني أعتقد أن الخدمة في غرف العزل وغرف العناية الحثيثة قد تكون بحاجة لمزيد من الأطباء، خصوصاً من لهم علاقة بأجهزة التنفس والجانب الصدري.
ومؤخراً أحدثت تداعيات ماجرى في مستشفى السلط حالة ارباك في الإدارة العليا بوزارة الصحة، فالوزير استقال والأمين العام أُحيل للتحقيق، والأمين العام لشؤون الأوبئة غادر خارج البلاد".
خطة الحكومة التحفيزية مقبولة لأن الاقتصاد بحاجة لهذه الدفعة
"بالنسبة لخطة الحكومة التحفيزية، فاعتقد أنها كانت مناسبة فالحكومة لا تملك موارد مالية كبيرة، فمبلغ (448) مليون دينار أتصور أنه مناسب، لكنني لاحظت أنه كله موجه للفئات غير المقتدرة إن كان مباشرة لدعم صندوق المعونة ومايتبعه، وإن كان بالمحافظة على فرص العمل القائمة، كما قالوا أن جزءاً من المبلغ وهو مبلغ (240) مليون سيتم ضخها بالسوق، سيذهب منها مبلغ (150) مليون دينار إلى مصفاة البترول (رغم أنهم لم يذكروا التفاصيل)، والمبلغ المتبقي (90 مليون دينار) فهو رقم قليل لكنه مناسب مقارنة بقدرات الحكومة وماهو متاح لديها، فكرة الخطة ككل مقبولة لأن الاقتصاد بحاجة لهذه الدفعة."
استبدال العمالة الوافدة بعمالة محلية هدف مستحيل في قطاع الزراعة
"أما قطاع الزراعة فإنني اعتبر أن تشغيل عمال محليين بالقطاع الزراعي خطوة فاشلة، وأنا آسف لقول ذلك في مثل هذه الظروف.
وفشل هذه الخطوة يعود لأسباب منها، أنهم لن يجدوا من يعمل في الزراعة، فقد سمعت أن وزارة الزراعة تريد أن تحل العمالة المحلية بدلاً من العمالة الوافدة، وهذا هدف مستحيل لأنهم لن يجدوا عمالاً أردنيين في القطاع الزراعي.
أما السبب الثاني، فإن المزارع الأردني لا يرحب أبداً بالعامل الأردني الذي ليس لديه القدرة على منافسة العامل الوافد، فهو لا يريد أن يأمره أحد لكن العامل الوافد يقوم بكل ما يطلب منه على أكمل وجه.
وللأسف من اشتغلوا كعمال وطن هم فئة المعدمين، وهي فئة قليلة ، ولا نريد أن نعتمد على المعدمين لإحياء الزراعة، ولو تم تخيير المواطن بين العمل كعامل وطن وبين العمل في الزراعة لاختار عامل الوطن، والسبب أنها وظيفة ولا يستطيع أحد أن يخرجه من عمله، بالإضافة أن لديه تأمين صحي وتأمين تقاعدي.
لذلك نحن سنبقى معتمدين على العمالة الوافدة، وسنبدد مشاريع، جهد، وقت ومال، وسبب الفشل الرئيسي هو قيام الحكومة بفتح أبواب التجنيد للقوات المسلحة والأمن العام والوزارات المختلفة، فكل الأشخاص الذين كان من الممكن أن يكونوا عمال زراعيين والذين يحملون شهادات أساسية وتوجيهي ذهبوا للعمل في القطاع الحكومي مما فوت الفرصة للاستفادة منهم في أعمال أخرى، وهي سياسة حكومية استمرت منذ منتصف السبعينات لغاية الآن .
أما السبب الثاني، فيعود إلينا نحن الأردنيين، فجميعنا يريد أن يذهب للجامعات، لذلك فتحت الجامعات أبوابها وتم قبول معدلات (60 و65) على حساب مكرمة القوات المسلحة والعشائر والتربية والتعليم وغيرها.
هؤلاء أصحاب تلك المعدلات كان من الممكن أن يذهبوا للمعاهد المتوسطة، فهو يقبل العمل بوظيفة حكومية براتب 200 دينار لكنه لا يقبل العمل في مهنة ممكن أن يحصل معها على مبلغ (1000) دينار وأكثر."
أصل المشاكل بالقطاع الزراعي متركزة في موارد الانتاج، والأراضي الزراعية تفتتت
للأسف، مشاكل الزراعة في كل مرحلة تتفاقم ولا يتم معالجة أسبابها ونتائجها، وفي كل فترة تعاني الزراعة من أزمة معينة، لكنني سأتحدث عن مؤشرات عامة وأساسية، فأصل المشاكل بالقطاع الزراعي متركزة في موارد الانتاج، وهي (المياه، الأرض، العمالة الزراعية، التمويل، والبحث العلمي).
لنأخذ الأرض كأحد موارد الانتاج على سبيل المثال، فالأراضي الزراعية تقلصت وتفتتت، فمنذ عام 1975 لغاية 2018م تراجعت المساحات التي نزرعها مليون ومئة ألف دونم، وطبعاً تلك المساحة التي تراجعت هي الأراضي التي تزرع بالحبوب وليس الخضار أو الأشجار المثمرة.
ومخاطر التراجع بزراعة الحبوب عالية جداً، فالعائد المالي قليل، ولم يعد المزارعون يزرعون الحبوب، ولم تعد العمالة متوفرة، مما أدى لتقلص تلك المساحات، فسابقاً كنا نزرع مليونين وستمائة ألف دونم تقريباً من القمح والعدس والشعير، أما الآن فنزرع مليون ونصف تقريباً.
أما المياه، فكل عشر سنوات نصل لمرحلة حرجة، فنبحث عن حلول كالسدود ومياه الديسي، والآن نفكر بالناقل الوطني، وهو مشروع اسمه "قناة البحرين"، لكن اسرائيل رفعت يدها عنه بعد موافقتها لأسباب سياسية طبعا، مبررة أنها قامت بدراسة جدوى.
وفيما يتعلق بالتمويل السنوي لقطاع الزراعة فيبلغ (495 مليون دينار)، تشارك الحكومة بمبلغ (45 مليون دينار) يعني 9% فقط من قيمة التمويل، أما الباقي فتدفعه البنوك، لكنها لا تدفعه للمزارعين، وإنما يذهب للشركات الزراعية التي تستورد موارد، ثم وسطاء، وشركات توريد مسلتزمات الانتاج لانها تدين المزارعين.
والتمويل الحكومي من خلال مؤسسة الإقراض الزراعي، لا يغطي 25% من حاجة المزارعين ، مما يعني أننا بحاجة 125 مليون دينار ليكون رأسمالها، بدلاً من 75 مليون دينار الحالية حتى يكون لها حضور في المشهد الزراعي، حيث ستكون قروضها أعلى واقراضها للمزارعين أكثر.
ومشكلتنا الكبيرة في التسويق، وهي جانبين، (داخلي، وخارجي)، فالتسويق الداخلي مشكلته بأسواق الجملة التي فيها تحديد الأسعار، لذلك يجب مراقبته ومراقبة المزاد فيه حتى يتم التأكد بأنه جرى بالطريقة السليمة، أما الجانب الخارجي وهو الصادرات، فإذا استثنينا موضوع الإغلاقات على الحدود، فالصادرات بحاجة دائما لاسواق مفتوحة بشرط توفر النقل، لذلك فمشكلة الصادرات هي بالنقل.
الرقابة تركز على اسعار التجزئة، ومطلوب توسيع الرقابة
الحكومة لديها القدرة للسيطرة على الأسعار في رمضان، فنحن في بلد صغير كلنا نعرف بعض فيه، لكن الرقابة فقط على أسعار التجزئة وهي رقابة خفيفة، وأفضل مساهمة من الحكومة في هذا الإطار المؤسسة الاستهلاكية العسكرية والمدنية.
أما الرقابة على تجار أسعار التجزئة والتي تتحدث عنها وزارة الصناعة والتجارة فهي ليست موجودة، فعمان بحاجة إلى (500) مراقب وليس (70) مراقب من الوزارة فقط، ومن الصعب فرض عقوبات، لأن هذا سوق حر، والمستهلك لديه خيار بين أن يشتري من سوق غالي وآخر رخيص، لكن ان تحدثنا عن السكر والأرز والبن والزيت بالإضافة الدواجن وبيض المائدة والألبان، فعلى وزارة الزراعة أن تتفق مع وزارة الصناعة والتجارة لمقابلة الصناعيين والمزارعين والاتفاق معهم على حد أعلى يلتزموا به .
ولا يجوز القول بأن الأسعار تتقرر بموجب العرض والطلب، بل علينا استخدام عبارة " أن الأسعار تتقر بموجب عوامل السوق المختلفة وفي مقدمتها العرض والطلب"، فهناك عوامل أخرى لها علاقة بالاحتكار، وتغيير الطلب وتغيير الأسعار.
الاستعجال في إعداد استراتيجية الأمن الغذائي ضرورة ملحة
وأريد أن أنوه إلى نقطه مهمه تحدث عنها جلالة الملك عبدالله الثاني حفظ الله، بأنه يجب الإسراع بموضوع الأمن الغذائي، واستراتيجية الأمن الغذائي الآن هي قيد الإعداد، نظراً لأهمية هذا الموضوع، فالربيع العربي وجائحة كورونا عززا من أهمية العمل على الأمن الغذائي.
إن الأسواق لا تتيح المواد الغذائية كما نشاء أو على حسب رغبتنا، فنحن لسنا من الدول الكبيرة التي تطلب كميات كبيرة ويكون لها تأثير في السوق العالمي، ولذلك فمن الممكن أن تحدث مشاكل لدينا بتأمين الغذاء، ومن تلك المشاكل قطع خطوط الاتصال أو قلة العرض في السوق أو الطلب الزائد من القوى الاقتصادية الكبرى.
لذلك، يجب الاستعجال في إعداد الاستراتيجية وتأسيس قاعدة بيانات لكل المواد الغذائية، وعمل نظام انذار مبكر، يراقب وضع المواد الغذائية، في الأسواق العالمية، لتعطينا تنبيه، وحتى نقوم بتأمين مخزوننا الاستراتيجي، والآن لدينا مخزون كافٍ من القمح والشعير، وصوامع كافية، لكن لابد من رفع طاقة التخزين، وأن نتجه للتخزين بالشراكة مع القطاع الخاص، فالحكومة لديها مخزون من القمح والشعير، لكن السكر والأرز موجود لدى القطاع الخاص.
كما يجب الاهتمام بتنمية الصادرات حتى يتم توفير عملة صعبة، بالاضافة للاهتمام بالتمويل الزراعي.
أسعار الطاقة عائق كبير أمام الاستثمار
فيما يتعلق بالاستثمار، فإن لدينا مشكلة كبيرة جداً، يعني من دون أن نتحدث عن القوانين والأسباب الأخرى التي يتم تكرارها كعائق أمام الاستثمار، أو الحديث عن أسعار الطاقة فهي التي تبعد المستثمرين "تهججهم"، ومن تجربة شخصية أعتقد أنه السبب الأساسي وليس مايقال بأن المشكلة في بطء الاجراءات بالنسبة للمستثمرين.
مايريده المستثمر بالدرجة الأولى هو استقرار التشريعات، ثم صناعة القرارات في تملات المستثمرين اليومية، ثم تأتي مشكل الموارد من المياه والطاقة التي تعتبر ذات اسعار عالية، بالإضافة لضرورة تسريع الاجراءات وهو مايسمى "سهولة الأعمال".
مشكلتنا في ضعف تنفيذ الخطط على أرض الواقع رغم معرفة الأسباب
لدي عبارة أرددها دائماً، وهي، " أن الأردن محدود الادارة ولكنه ليس محدود الموارد"، فأي خطة بحاجه إلى إرادة سياسية وإدارة ناجحة، فالثروات الأردنية موجودة، لكن لا يتم إدارتها بطريقة جيدة، فنحن لسنا أغنياء بالموارد، لكننا لسنا فقراء إذا أدرنا ماهو متاح لدينا بشكل جيد.
ومشكلتنا أننا نعرف الأسباب، ونضع الخطط والاستراتيجيات، لكن متابعة التنفيذ ضعيفة للغاية على أرض الواقع.