الشاهد -
فادي عيد
بالفعل المشهد كل يوم يزداد تعقيدا ولكن هناك مرحلة فى التعقيد تجبر طرفى الصراع للبحث عن حل، خاصة عندما يكون الطرفان يبحثان عن أهداف غير معلنة وعلى عكس ما يرددونه أمام الرأى العام، ثم يجد كلا من الطرفين أنه قد يخسر العديد من الرقع التى أفقدته توازنه فى المنطقة. فحركة حماس التى خسرت بالامس سوريا لن يكون أبدا فى مصلحتها أن تزداد خصومتها مع مصر وأشقائها، كما أن تل أبيب لم يعد فى صالحها خسارة الرأي العام العالمى خاصة بعد أعلان مواقف رسمية من حكومات ودول كانت بعيدة عن قضايا الشرق الاوسط والان باتت تنصب العداء لاسرائيل. ولمشاهدة المشهد الدائر فى الصراع بحرب غزة الحالية عن قرب سنجد أن اسرائيل ورطت نفسها فى مستنقع دموى وأصبحت اى خطوة اخرى سواء كانت للامام أو الخلف ستكلفها الكثير والكثير حتى باتت تل أبيب امام طريقين لا ثالث لهم الطريق الاول : هو استمرار جيش الاحتلال الاسرائيلي فى العدوان وشن هجمات مختلفة من البر والبحر والجو على أنحاء متفرقة من قطاع غزة و العمل على توسيع نطاق العمليات العسكرية البرية، والتوغل الى عمق القطاع، وهذا يعنى الاصطدام المباشر بكل فصائل المقاومة، وهو الامر الذى سيؤدى الى وقوع عدد ضخم من الضحايا سواء كان من الفلسطنيين مما سيضع أسرائيل فى موقف حرج أمام المجتمع الدولى، وستجبر واشنطن على التراجع شئ ما من دعمها ومساندتها الفجة لارهاب أسرائيل ضد المواطنين العزل بفلسطين، بجانب تكبيد جيش الاحتلال الاسرائيلي المزيد من القتلى فى صفوفه، بجانب زيادة الخسائر الاقتصادية لتل أبيب. الطريق الثانى : وهو وقف أطلاق النيران من الجانبين لانقاذ الوضع الانسانى المؤلم بقطاع غزة، ثم سحب القوات البرية الاسرائيلية، وسيكون ذلك أسوأ مشهد لحكومة " نتينياهو " حتى الانتخابات القادمة لتل أبيب، واللجوء الى اقرب طاولة حوار متمسكة أسرائيل بورقة نزع سلاح المقاومة وهى تعرف أن ذلك من رابع المستحيلات أن تتخلى المقاومة عن سلاحها، ولكن لكي تعلو أسرائيل من سقف مطالبها، ومحاولة أطفاء اي نصر سياسي بديلا للعسكرى الذى فشل على الارض كما فشلوا فى تسويقه خاصة بعد ظهور منظومة القبة الحديدية على حقيقتها وعلى عكس ما أدعى قادة جيش الاحتلال الاسرائيلي مبالغين فى قوة تلك المنظومة الدفاعية. والان لم يعد امام حركة حماس وقادة أسرائيل اى مخرج من بحيرات الدم سوى المبادرة المصرية والتى ستنحاز أكثر لاولويات الجانب الفلسطينى خاصة بعد التطورات الى حدثت فى الساعات الاخيرة من مواجهات عسكرية فى غزة، او تحركات دبلوماسية وضغوط من القاهرة (القريبة والمدعومة من أشقائها، البعيدة عن المزايدات وتصريحات المراهقين) على معسكر حلفاء واشنطن، خاصة بعد أقناع وزير الخارجية الروسى "سيرجى لافروف" أطراف عديدة بالاقليم عن أهمية المبادرة المصرية وحقيقة مؤتمر باريس الذى لم يناقش شيئا سوى كيفية نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وانه جاء بتحرك قطرى تركى وموافقة من واشنطن لتحجيم دور مصر وأضعاف دورها فى القضية الفلسطينية وليس أكثر، وهو المؤتمر الذى رفضت السلطة الفلسطينية حضوره بسبب عدم وجود مصر ومعرفة حقيقة أهداف المؤتمر والمشاركين به، بجانب تأكيد كل من السعودية والامارات والكويت لحركة حماس بانه لا بديل عن المبادرة المصرية. دائما كان الرابح الاول فى كل المواجهات القديمة سواء بحرب غزة 2008م او 2012م هى اسرائيل ثم الرابح الثانى حماس، ولكن فى تلك المرة انعكست المعادلة، وأصبحت حماس الاكثر ربحا، وكالعادة لا يوجد خاسر فى تلك الحروب سوى الشعب الفلسطينى وحده، فكل الشواهد والمعطيات الحالية تكتب لنا نهاية العدوان على غزة، خاصة بعد أجتماع ممثلو الفصائل الفلسطينية بالقاهرة بما فيهم ممثلى حركة حماس. ويبقى قيصر الاذكياء "فلاديمير بوتين" أكثر من أستغل فترة انشغال خصومه فى حرب غزة لاعادة ترتيب اوراقه خاصة الاوراق الهجومية، وسيتضح ذلك بعد أن تخمد النيران لبعض الوقت فى فلسطين لكى تشتعل فى بقعة أخرى من العالم. هكذا تتحرك رقع الشطرنج من حولنا، ومن عينه تغفل لحظة ربما يجد نفسه محاصرا، أو قد انتهى دوره من اللعبة، وأن اخمدت النيران فى رقعة فهى تشتعل فى الاخرى، وأن ربح طرف جولة فربما يخسر التالية، فالحرب لم تنته بعد وما زال لها جوالات كثيرة فى أكثر من منطقة بالملعب، والبقاء لمن يقرأ الملعب جيدا ويرى شكل النهاية، فالعبرة بالخواتيم.