فهد الخيطان
ما تحقق في قمة العلا بالرياض، أمس، يعد وبكل المقاييس اختراقا كبيرا في جدار الأزمة الخليجية التي استعصت على الحل لأربع سنوات. الدور الأميركي كان حاسما في جمْع الأطراف على طاولة واحدة، ومشاركة أمير قطر شخصيا في القمة دليل على أن تسوية الخلاف مع السعودية تحديدا صار ممكنا.
سبق القمة إعلان سعودي بفتح الأجواء والحدود البرية والبحرية مع قطر التي علقت من جانبها دعاوى التقاضي ضد السعودية والإمارات.
لكن وبالنظر إلى عمق الخلافات الخليجية ومستوى تمثيل بعض دول مجلس التعاون الخليجي في القمة، يمكن القول إن ما تحقق مجرد خطوة أولى على طريق طويل من العلاقات المليئة بالشكوك والحساسيات والأحقاد وتباين الأولويات والتحالفات.
عمليا يمكن القول إن العلاقات بين قطر والدول الثلاث عادت إلى ما كانت عليه قبل قرارات الأزمة، وهي في الحقيقة لم تكن علاقات طبيعية بالكامل، فالمناوشات السياسية والإعلامية كانت مستمرة على كل الجبهات، والخلافات كانت ظاهرة على أكثر من مستوى، قبل أن تتفجر على النحو الذي شهدنا في ذلك الحين.
التقديرات الأولية تفيد بأن خط المصالحة لن يكون على نفس السوية بين الدول المتنازعة، فقد نشهد تقدما محدودا في العلاقات بين قطر والسعودية فيما تبقى الأزمة تراوح مكانها بين أبوظبي والدوحة، وهو ما كان قائما بالفعل قبل الأزمة الأخيرة.
إعلام الطرفين سيكون أداة القياس لمدى نجاح القمة في احتواء الخلافات، فإذا شهدنا تهدئة على جبهة القنوات الفضائية يغدو ممكنا الحديث عن تقدم أكبر في المرحلة المقبلة، أما إذا استمر التراشق الإعلامي على حاله، فذلك مؤشر قوي على أن ما حصل في العلا مجرد قمة مجاملات فرضتها ضرورات الوساطة الأميركية لإدارة توشك على الرحيل.
دولة الكويت التي أخذت على عاتقها مهمة تحقيق المصالحة، لن تفوت الفرصة، وستبذل أقصى ما عندها للبناء على ما تحقق والسير قدما لإنجاز شروط المصالحة كاملة وصولا لتسوية الخلافات بشكل نهائي.
لكن سنوات الأزمة الثقيلة راكمت ملفات خلافية عميقة لا يمكن تجاوزها بسهولة، ورتبت تحالفات وحسابات يصعب تخطيها دون إرادة قوية لتقديم تنازلات متبادلة تضع وحدة مجلس التعاون الخليجي أولوية على سواها من المصالح.
وفي هذا الصدد للسعودية والإمارات أن تتجاهل مصالح الحليف المصري الذي ساند الدول الثلاث في موقفها من قطر لحسابات تخص موقف الأخيرة من النظام المصري والصراع المستعر بين البلدين على أكثر من جبهة. كان المقرر أن يحضر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي القمة في الرياض، لكن القاهرة اكتفت بتمثيل على مستوى وزير الخارجية في مؤشر على حالة من الحذر الشديد حيال فكرة المصالحة، وهو ذات الشعور الذي دفع ثلاث دول خليجية إلى تخفيض مستوى تمثيلها في القمة.
تاريخ المصالحات العربية زاخر بلقطات العناق وعبارات الثناء والمودة، لكن الحقائق على الأرض دائما ما كانت مغايرة للصور، وليس من سبب يدعونا إلى الاعتقاد بأن ما حصل بالأمس يشذ عن التقاليد العربية في المصالحات. علينا أن ننتظر قادم الأيام لنرى مصير المصالحة الخليجية.