الشاهد -
ناصر لافي
تسارع ردود الفعل الشعبية الأردنية والفلسطينية إزاء تسريبات خطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ، يعبر عن مدى القلق الذي يساور الكثير من القوى المجتمعية بالنظر إلى ما قد تحمله نتائج المفاوضات من ترتيبات تتعلق هذه المرة بقضايا جوهرية كالحدود واللاجئين والمقدسات ،الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على شكل وهوية ومستقبل دول المنطقة وخصوصاً الأردن وفلسطين ومصير وحقوق أبنائها. على الجانب الأردني، التصريحات الرسمية حذرة وشحيحة ومكرورة ،وهو ما لا يساعد في الإجابة على الأسئلة التي تثيرها جولات كثيرة المتواصلة في المنطقة، وتبديد المخاوف الشعبية التي تتزايد بمرور الوقت،وما يزيد الطين بلة، مواصلة الصحافة العبرية التشكيك بالمواقف الرسمية الأردنية، دون ردود أفعال من الحكومة التي تواصل انتهاج سياسة التجاهل،مما زاد في واقع الحال من الضبابية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فبعد نشر تقارير صحفية تؤكد رفض الأردن للتواجد الفلسطيني على الحدود وموافقته على تعويض اللاجئين وتدويل القدس، طالعتنا صحيفة هآرتس الصادرة الإثنين بمزاعم مفادها أن القيادة الأردنية تدرك بأن الدولة الفلسطينية غير قابلة للحياة وتستعد لفدرالية أو كونفدرالية مع الفلسطينيين،وينقل الكاتب "رؤوبين بدهتسور" عن مسؤولين أردنيين -لم يسمهم- إقرارهم بتفهم الأردن بأن الخطوة التالية للتسوية إقامة فدرالية أو كنفدرالية مع الدولة الوليدة، ويوضح بالقول: "الأردنيون يؤكدون قائلين نحن متنبهون الى أنه من المشكوك فيه أن يكون لدولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة إمكانية البقاء زمنا طويلا. ولهذا ستكون الخطوة التالية انشاء اتحاد فدرالي أوكونفدرالي اردني فلسطيني"،ويتابع مدعياً بأن هذا هو موقف الملك عبد الله الثاني الذي يقول بأنه "أرسل في الماضي سرا مندوبين أردنيين كبارا عرضوا فكرة الاتحاد على ساسة اسرائيليين". الأنكى، بأن الكاتب ينقل عن مسؤولين أردنيين كباراً قولهم بأن "الأردن هو عمق اسرائيل الاستراتيجي"، ويعقب: "الجيش الاردني المنتشر على طول نهر الاردن في جانبه الشرقي يمنح اسرائيل الأمن أكثر مما تمنحها قوة من حلف شمال الاطلسي توضع في غور الاردن.ولا يعارض الاردنيون أن توضع قوات من الجيش الاسرائيلي في الغور فترة ما".، وهو الأمر الذي يتوافق مع ما أدعته قناة التلفزة "الإسرائيلية" الثانية الليلة قبل الماضية بأن الأردن يقوم فضلاً عن حماية حدود الكيان الشرقية بتأمين المناطق الحدودية مع الجانب السوري ويمنع تهديد المسلحين السوريين لأمن دولة الإحتلال.وذهب " بدهتسور" إلى القول بأن مسؤولين أردنيين يقدمون لنظرائهم في دولة الإحتلال نصائح تتعلق بالقضية الفلسطينية،منها أن "السبيل الوحيد لصد سيطرة الحركات الاسلامية على الضفة الغربية المسارعة بإبرام تسوية نهائية".. يأتي هذا على خلفية حديث مطول ومتنوع دار الشهر المنصرم حول ميل كل من امريكا والكيان الاسرائيلي الى أيكال جزء كبير من ترتيبات التسوية إلى الأردن، ودندنة بعض الساسة الإسرائيليين على وتر الخيار الأردني.وهكذا فالفدرالية أو الكونفدرالية ،ستكون وفقاً لهذه المعطيات قد تكون مجرد جزء من الصفقة الكلية يتم بموجبها إنهاء ملف اللاجئين وتمرير استمرار التجمعات الاستيطانية الكبرى وربما تقسيم أو تدويل القدس. ربما يطلع علينا مسؤلون أردنيون يكذبون هذه الأقوال، ويعيدون التأكيد بأن فكرة الفدرالية أو الكونفدرالية مؤجلة إلى حين قيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة، لكن لا أظن بأن هذا كاف لإطفاء القلق الشعبي الأردني والفلسطيني، فلا أحد في الواقع ينتظر أن تفضي المفاوضات إلى دولة فلسطينية قابلة للحياة، وعملياً، لا حلول "خلاقة" لملف اللاجئين في ظل موازين القوى الراهن سوى التوطين،وعليه فلا خيار سوى فشل أو إفشال المفاوضات أو القبول بتصفية القضية من خلال التنازل عن القضايا الجوهرية . المثير للدهشة بأن ما تسوقه الصحافة العبرية مما يسيء للمستوى الرسمي الأردني ويغرس الفتنة هنا لا ينعكس سلباً على العلاقات البينية والتي يصفها عدد كبير من الإعلاميين في الكيان الإسرائيلي بـ"الإستراتيجية"، بينما لا يمكن رصد ذات السلوك لو تعلق الأمر بدولة عربية مثلاً أو حتى صديقة، ففي حوادث من هذا النوع وعندما كانت صحافة دولة ما تسيء إلى الأردن، لم يكن الرد ليتأخر ،وحتى لو فضل المستوى الرسمي الأردني عدم الرد مباشرة ،كانت تنبري الصحافة لفعل ذلك،لكن لا هذا ولا ذاك يجري عندما يتعلق الأمر بالكيان الإسرائيلي، وهنا مكمن آخر للريبة.