د. محمد طالب عبيدات
أجزم بأن هنالك مفارقات كبيرة وعجيبة وغريبة بين مؤتمرات العرب العلمية ومؤتمرات الغرب العلمية، وإن كان من المفروض أن يكون لهما نفس الوقائع والأحداث إلّا أن الفروقات شاسعة جداً بينهم من حيث طبيعة المؤتمرات ووقعها وحضورها وأهدافها وانعكاساتها على التنمية وعالم الواقعية في الحياة والتطبيق وغير ذلك.
ففي مجال افتتاح المؤتمرات، تُفتتح المؤتمرات في العالم الغربي عموماً بكلام علمي ومهني مقتضب وجيز لا يتجاوز بضع دقائق معدودة من قبل ممثّل الجهة المُنظّمة المؤتمر، وتُوزّع الجوائز على الباحثين الشباب والكبار ممن لأبحاثهم العلمية صدى وإنعكاسات عملية على التطوير والتحديث والتطبيق وبواقع ثلاث إلى أربع جوائز، وبعدها يكون عرض لتجربة عالم معروف في مجال عصري ورؤيته للألفية القادمة من خلال أبحاثة العلمية الرصينة وانجازاته ويُفتح بعدها باب الحوار حول الموضوع لإفادة واستفادة العلماء الحضور من الشباب والمتمرّسين أيضاً.
بيد أن افتتاح المؤتمرات في العالم العربي تُفتتح بوابل من الكلمات والخطابات الرنّانة وغالباً من غير المتخصصين، وربّما يتجاوز عددها الخمس أو أكثر ولمدة تتجاوز الساعة وأحياناً الساعتين ولتضم كلمات رئيس الجنة المنظّمة ورئيس اللجنة العلمية ومناديب عن الجهات المنظّمة وكلمات استرضائية لأناس بعينهم وكلمة راعي المؤتمر وغيرها من الكلمات. وتخلو جلسة الإفتتاح من أي مظاهر علمية لتأخذ طابع الإحتفالية لا العلميّة، وطابع النظرية لا الواقعية!
وبعد الإفتتاح تنطلق فعاليات المؤتمرات في الغرب لتتوزّع على جلسات متوازية ومتخصصة حسب أهداف المؤتمر، وكما يتوزّع المشاركون وفق اهتماماتهم وتخصصاتهم، ويبقى المؤتمر هكذا حتى انتهاء مدّته في يومين أو ثلاثة أو أكثر، وبما لا يقل عن خمسماية مشارك أو باحث. بيد أن المؤتمرات عند العرب لا تتعدى اليوم الواحد دون تخصصية –إلّا مَنْ رحم ربي- وأحياناً دون جلسات متخصصة ولتجد الباحثين من مختلف التخصصات في قاعة واحدة، وأحياناً يتجمّعون من وزارات مختلفة كمشاركين رغماً عنهم، وليحاضر بهم –لا يعرضوا أوراقاً علمية بحثية- ثلة من أساتذة الجامعات، وينتهي المؤتمر باحتفالية الولائم في الغداء والعشاء والفعاليات الإجتماعية وغيرها!
وفي مجال التوصيات، تخلو مؤتمرات الغرب من أي شيء أسمه توصيات ولا يوجد لجان لصياغة التوصيات، لأن الأهداف العامة للمؤتمرات هو إلتقاء الباحثين للإستفادة من أبحاث بعضهم البعض والتشبيك فيما بينهم، ومعرفة آخر ما توصّل اليه العلم والبحث العلمي على سبيل تكملة المشوار العلمي الرصين. بيد أن مؤتمرات العرب يتشكّل لها لجان توصيات من مختلف الوزارات والجامعات لغايات بلورة توصيات تتواءم مع خطط التنمية الشاملة والمستدامة، لكن المصيبة أن هذه التوصيات تبقى حبيسة الأدراج دون تطبيق عملي لها ودون مواءمتها مع خطط التنمية بأشكالها كافة.
أمّا إذا خُضنا في أهداف الحضور أو المشاركين فحدّث ولا حرج، ففي الغرب تكون أهدافهم تلاقح الأفكار والإستفادة والمشاركة الحقيقية وتعزيز المدرسة الفكرية والبحثية للمشاركين، بيد أنها عند العرب تكون لتثبيت الحضور وظهور الورقة العلمية في وقائع المؤتمر لتُحسب في الترقيات العلميّة!
وفي مجال التحكيم تكون كل الأوراق العلمية محكّمة في المؤتمرات العالمية في الغرب وذلك من قبل محكّمين ثقات، لكنها غالباً تكون محكّمة شكلياً لا فعلياً عند العرب!
بالطبع لا يمكن أن أعمّم هنا، فهنالك بعض المؤتمرات القيّمة والباحثين المتميّزين عند العرب ومؤتمرات وباحثين دون المستوى عند الغرب، لكننا هنا نتحدّث عن مدرسة فكرية لفن إدارة المؤتمرات وتحديثها لتواكب العصر ولغته ولتكون رافد أساس للتطوير والتحديث والتغيير المنشود في زمن الألفية الثالثة، وليصبّ ذلك كله بالطبع في خطط التنمية ويتواءم معها فعلياً وعملياً لا على الورق فقط.
صحيح أن الفرق بين العرب والغرب نقطة، لكن هذه النقطة هي التي وسّعت الفرق بيننا وبينهم ليكون شاسعاً بين العالمين الأول المتقدّم والثالث النامي ليس في المؤتمرات العلمية فحسب بل في كل شيء، لأن القضية برمّتها قضية ذهنيّة ليس إلّا، فهلّا أطلقنا العنان لتغيير طبيعة مؤتمراتنا العلمية لنُفيد ونستفيد، ونكون أكثر واقعية وعمليّة ومرونة لا مظاهر إحتفالية كلاسيكية!
*وزير الأشغال العامة والاسكان الأسبق