الشاهد -
الشاهد – راكان القداح
راسون بلدة قديمة قدم التاريخ, سكنها البيزنطيون والرومان والأمويون. وكلمة (راسون) منحوتة من الكلمة البيزنطية (أرسون), كما ورد في كتاب بلادنا فلسطين وفي معجم البلدان لياقوت الحموي ، وينسب إليها نجم الدين عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن الريسوني الحنبلي الذي توفي في القاهرة عام 768هـ ، وفي عام 105هـ وأثناء الحكم الأموي ولي محمد بن عبد الملك واليا على مصر من قبل أخيه هشام بن عبد الملك وبعد ثلاثة شهور من ولايته ترك مصر وسكن في قرية راسون وقد خاطبه آنذاك هشام بن عبد الملك وقال له : (أتترك مصر لريسون حسرة ـ ستعلم يوما أي البيعيين أربح) ، فأجابه محمد بن عبد الملك إنني لست أشك أن أربح البيعيين ما صنعت ، (كما ورد في بحوث ودراسات المدينة المنورة وتاريخ امرأة المدينة المنورة تأليف محمد عبد الغني). راسون بلدة جميلة ورائعة روعة عجلون وقراها وبلداتها جمعت الطبيعة في رسمها وتشكيلها وتلوينها " فتبدو من جنان الله على الأرض لطبيعتها الساحرة الوادعة" تحضنها الجبال الشامخة المكسوة بشتى صنوف الأشجار والنباتات والأزهار البرية" تبث روائح عطرية تنبعث من زهور الزعرور تنعش القلوب وتمنح أوردتها وشرايينها مرونة وحيوية ونشاطا كانت تعرف باسم خربة الريسون ,، ولعل سبب التسمية قد جاء من طبيعة المنطقة وجغرافيتها; فكلمة ريسون مشتقة من كلمة( ري) ومعناها نبع الماء الذي يروي القرية, و(سون) هو الاسم المجرد للمنطقة; أي أن المنطقة مروية بنبع ماء. ينسب إليها نجم الدين عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن الريسوني الحنبلي الإمام الجليل القدوة المتوفى في القاهرة عام 768 ه¯, سكنها محمد بن عبد الملك شقيق هشام بن عبد الملك عام 105 هجرية. حديثاً اكتشفت في المنطقة كنيسة قديمة مفروشة بفسيفساء يعود تاريخها لعهد الملكة هيلانة, لكن دائرة الآثار العامة أجلت التنقيب لحين توفر التمويل اللازم له. في بلدة راسون شمال شرقي مدينة عجلون بحوالي 13 كم تشتم رائحة الماضي وتراث الأجداد حيث ينبعث من بيت تراثي قديم حوَله صاحبه الى متحف يجمع تراث ابائنا واجدادنا اذ يشاهد الزائر لهذا المتحف "دلال" القهوة تتوسط المتحف تحيط بها مقتنيات أثرية تجاوز عمرها مئات القرون تحكي قصص الاباء والاجداد ادوات الزراعة القديمة تبث في الروح نسائم الماضي برائحة عبقة تتسلل الى الروح بدون حواجز وتعود بنا مئات السنين الى ماضي الاجداد وحياتهم الطبيعية التي عاشوها . في منزل عمره يزيد عن القرن يمتلكه الحاج محمد سليمان الشرع ترى مئات المقتنيات الاثرية القديمة التي كان يستخدمها اجدادنا في الزراعة وحصاد الزرع منها " الفأس والمعول والقادم وعود الحراث ولوح الدراس والشرعة والسكة والمقطف والغربال والمسرد والمذراة والشاعوب وطاحونة القمح المنجل والحاشوشة كما يضم أدوات طهي قديمة, وأدوات الخبز, والإنارة القديمة كالسراج والمصباح الزجاجي والشمعدان واللوكس والمصابيح الكهربائية القديمة والحديثة, ونماذج للمواصلات القديمة, وبعض القطع الأثرية التقليدية, وعينات من الحرف اليدوية القديمة والحديثة, وأدوات عمل - صنع - القهوة العربية, وأدوات الاتصالات القديمة, ومجموعة من العُملات الأردنية الورقية الإصدار الأول والثاني لمجلس النقد الأردني, ومجموعة من العُملات الأردنية الورقية من الإصدار الأول حتى الإصدار السادس للبنك المركزي الأردني. حيث يشاهد الزائر الى المتحف عند دخوله المحراث القديم المصنوع من قائمة خشبية يبرز من احد أطرافها سكة المحراث مغلفة بصفيحة من الحديد ومثبت بعصا من الخشب الغليظ يعلّق النير في أحد طرفيها على الكدانة التي تكون مربوطة بالشرعة على عنق الدابة. كما يشاهد الزائر في المتحف العديد من الادوات القديمة التي كان اجدادنا يستعملونها في صناعة الالبان ومشتقاتها منها " الضبية والركابة والشكوة " اضافة الى ازياء قديمة تعود بنا مئات السنين الى الماضي الجميل منها " الحطة المدرقة والعرجة " وفي زاوية اخرى ترى " دلال القهوة ومواقد النار والمهابيش ومحاميس القهوة " تنبعث منها رائحة الهيل والكثير من الاواني التي كان اجدادنا يستخدمونهها في الطهي وحفظ الماء مثل " القدور القديمة والسعن والصناديق حفظ القمح والشعير وقربة الماء والخابية وطاسة الرعبة " اضافة الى بعض الادوات التي استخدمها الاجداد في الانارة منها " الفانوس واللوكس والسراج " كما تشاهد العديد من الاطباق المصنوعة من القش والتي تحمل زخارف جميلة صنعة باتقان كبير . ويعتبر متحف التراث والفلكلور الشعبي في بلدة راسون ، بما يحويه من أدوات تراثية استخدمها الآباء والأجداد ، أول متحف على مستوى محافظة عجلون جاء بمبادرة شخصية من الشرع حيث اصبح قبلة للزوار والأفواج السياحية التي تزور البلدة . ويقول صاحب المتحف محمد سليمان الشرع الذي أخذ على عاتقه إنشاء متحف تراثي هناك فكان عام 2004م. يقول الشرع ان فكرة انشاء المتحف جاءت أولا بهدف لتعريف أبنائه وأحفاده على طبيعة حياة الاجداد, والصعوبات التي كانت تواجههم في الماضي, ثم تطورت إلى تعريف الشباب والمجتمع المحلي والعربي والعالمي على أهمية التراث. استهوت هذه الفكرة الشرع بعد ان جمع مجموعة من الأدوات والقطع التراثية من مختلف الأماكن والمصادر, وترميم مجموعة من القطع التي تحتاج إلى إصلاح تأهيل, فبدأ باستغلال الموارد المحلية والإمكانيات المتواضعة لرفد المتحف بالأدوات والقطع التراثية وتصميم مجسمات توضيحية (محاكاة ) مشيرا أن ما حفزه على إنشاء المتحف هو تشجيع جلالة الملكة رانيا العبد الله له أثناء زيارتها إلى بلدة راسون في 16 ـ 6 ـ 2009 حيث زارت المتحف وأعجبت بالفكرة ما دفعه إلى التصميم أكثر لتحقيق الرؤية لاطلاع الأجيال على التراث والفلكلور الشعبي وإبراز تطور استخدام الأدوات المختلفة عبر العصور وما وصل إليه الأردن في عهد الهاشميين مشيرا إلى أن محافظة عجلون وخاصة بلدة راسون تتمتع بتراث كبير وهائل ومناظر وطبيعة خلابة تحتاج منا إلى الاهتمام بها وإبراز هذا التراث والتاريخ والتطور إلى حيز الوجود مشيرا إلى أن المتحف يضم الأدوات المستخدمة في الزراعة مثل لوح الدراس والقادم وعود الحراث وقطع تراثية كانت تستخدم في المنزل من القش والخشب وشكوة اللبن وتطور الأزياء الشعبية والمهباش وتطور الاتصالات والإنارة وغير ذلك. وأضاف أن الهدف الآخر من إقامة المتحف هو تشجيع السياحة في محافظة عجلون ونشر الوعي السياحي بأهمية المنطقة حيث أصبح ذلك واجبا وطنيا على الجميع القيام به مبينا أن المتحف يؤمه أيضا أهالي البلدة والمناطق المجاورة إلى جانب زوار المحافظة مبينا أن واجبنا تجاه الأجيال أن تعرف الماضي والحاضر والمعاناة التي عاشها الآباء والأجداد واستخدام مختلف الأدوات من اجل العيش الكريم. وقال: إنه يؤمن بقول الفيلسوف الروماني سيسرو الذي يقول (إذا كنت لا تعلم شيئا مما حدث قبل ولادتك فلن تكبر أبدا) ، كما أن المفكر الاجتماعي ابن خلدون أكد في مقدمته المشهورة أهمية التراث الشعبي الذي ترك بصمات واضحة المعالم في حضارتنا الموروثة من الآباء والأمهات والأجداد. واوضح ان حضارة أي شعب لا يمكن لها أن تقوم من دون تراث, ويجب أن تكون أصيلة مستقلة لا يعتمد أفرادها على ما تنتجه الحضارات الأخرى; فالتراث يحفظ كيان الأمة وبقاءها واستمرارها بذاكرة الزمان والمكان والإنسان رغم العدوان والتشرد والانتشار والبعد التاريخي والضغط السياسي والقهر القومي.