أخطر التقييمات كان يوم الثلاثاء، فقد التقطت جهات عدة خطر الفلتان والفوضى العارمة في الأردن، برغم سريان قانون الدفاع، بما يعنيه من سلطات مفتوحة.
مع إطلاق سراح أعداد ليست قليلة من أصحاب الجنح وقضايا المخدرات، وتوتر طبقات معدمة، بسبب انعدام الدخل، وقلة الغذاء، والغضب الشديد بسبب العزل في المنازل، تنزلت مشاهد محدودة لكن سيئة جدا على الأمن الداخلي، عبر مهاجمة قلة قليلة لمواقع مختلفة، خلال توزيع الخبز عبر السيارات، أو ما تعرضت له بعض المخابز، بعد أيام من الحظر الكلي، والاختناق، وخروج هؤلاء بحالة عصبية.
كانت التقييمات تؤشر على أن استمرار الحظر الكلي، ثم سوء خطة توزيع الخبز، قد يؤدي بعد قليل إلى مشاكل أمنية كبرى، من فلتان وفوضى، فينقلب التذمر الاجتماعي، إلى تمرد عام، هذا على الرغم من كون هذه الحالات، قليلة ومعزولة، لكن تم القياس عليها، وقراءتها بطريقة مختلفة من جانب المحللين.
الكل يعرف أن هناك من هو مستعد لمهاجمة المحلات التجارية، ومحال الأغذية، وحتى بيوت الميسورين، وهذا مشهد رأيناه في تواقيت معينة حتى في بريطانيا وفرنسا، حين دبت الفوضى، وبدأت عمليات السرقة والنهب، لأسباب مختلفة، ولدوافع متعددة، والإشارات الصغيرة في مشهد الثلاثاء، جرى تحليلها، وكانت النتيجة أنها قابلة لأن تكبر، وأن تمتد، بما يجعل الأردن مهددا أمام ما هو أخطر من وباء كورونا، أي وباء الفوضى والفلتان، والاعتداء على ممتلكات الآخرين، وبما يتجاوز قصة الغذاء والدواء، خصوصا، مع احتمال بقاء الأردن في هذا الظرف.
وطأة هذا المشهد، والإشارات التي تمت ترجمتها، كانت خطيرة، مما أدى إلى تغيير خطة الحظر، ويتحمل بعض المسؤولين الكلفة الكاملة عن هذا المشهد بكل تقييماته يوم الثلاثاء، فقد كان الأردن أمام خطر انفلات فوضى في بعض المناطق، برغم التزام الغالبية العظمى، بما يثبت أن البعض في خلية الأزمة، لم يكونوا في تقييماتهم لقرار الثلاثاء، وتوزيع الخبز، مدركين لمخاطر هذه الطريقة، من ناحية عامة، فوق الجوانب الصحية، بعد أيام من الحظر الكامل، فيما خروقات مشهد الثلاثاء، والفوضى والغضب بمثابة بروفة لما هو أوسع وأخطر.
معنى الكلام، أن مشهد الثلاثاء الذي صاغته خلية الأزمة، وتنطح لتفاصيله البعض، كاد أن يختطف الأردن نحو المجهول، لو استمر المشهد يومي الأربعاء والخميس على مستوى سلع أخرى، مثلما أن العودة إلى الحظر الكلي تحمل ذات المخاطر، ولن يكون غريبا لحظتها حدوث أعمال نهب عامة وفوضى وسرقة لكثير من البيوت، فوق انفلات البعض من لصوص وغير ذلك.
الوضع حساس جدا، من ناحية أمنية، فالقصة ليست قصة رغيف خبز وحسب، هناك أكثر من مليون فقير، وهناك قطاعات متضررة، وأحقاد طبقية، أغنياء وفقراء، وحالة الضرر إذا استمرت طويلا، فسوف تؤدي إلى مشهد مختلف، فالذين يحترمون القانون، يقابلهم أعداد لا بأس بها لا تحترم القانون، والذين يخشون من سلطة الدولة في هذه الظروف، تقابلهم أعداد لا تخشى سلطة الدولة، أمام جوع أولادهم، وفقرهم، وأمام سوء الإدارة، أو لكونهم يعيشون عبر مخالفة القانون.
لا بد من إجراءات وسطية مبدعة لتخفيف المشهد عن الناس، بسلطة قانون الدفاع، عبر شطب إيجارات آذار ونيسان، تأمين المال للمتضررين، ضمان تدفق أموال الحوالات من خارج الأردن إلى داخله، حل مشاكل إغلاق البنوك، مساعدة الشركات والقطاع الخاص، ووضع خطة منذ الآن حتى لا تتضرر خزينة الدولة بنقص الضرائب والجمارك.
يبقى السؤال حول احتمال تفعيل قانون الدفاع بشكل أوسع، وإعادة تشكيل خلية الأزمة، ووضع سيناريوهات تعالج الوضع إذا استمر الوضع هكذا، وما يرتبط بشح المال بيد الناس، في القطاعين العام والخاص، ثم وبشكل مواز معالجة ملف كورونا، وخطر الوباء على الناس، وكلفة ذلك على الجميع دون استثناء، خصوصا، بعد أن ثبت أن الحظر الكلي، أو سيناريو الثلاثاء قد يؤديان إلى ذات النتيجة، أي التمرد الاجتماعي إذا لم تتم إدارة الموقف جيدا. تذكروا أن بيننا من لا يأبه بنا.