كتب: علي السنيد
ستنجو البشرية حتما من كورونا ولو بعد حين، وسَتوفق إلى إنتاج اللقاح الخاص به، وستنهض كما كانت تخرج من المحن، و الاوبئة والكوارث، والتحديات عبر التاريخ، ولن تباد بالجملة من اي عرض من اعراض الدنيا، ذلك أن الأرض بأمر ربها مسخرة للانسان، ومذلة له بكل مخلوقاتها، وذلك وفق نص الآية الكريمة: ( وسخر لكم ما في السموات، وما في الأرض جميعا منه أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)
، وقوله ايضا في أية أخرى: ( وهو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه واليه النشور).
الا ان البشرية مدعوة إلى أن تعي درس الأمم السابقة، ولماذا اخذت بالبأساء، والضراء، و حيث لا توجد قوة قاهرة أمام ارادة الإنسان الا قوة الله سبحانه وتعالى الذي قد يسلط بعض خلقه، او قوى الطبيعة المذلة للانسان وذلك اذا فسد بغية إصلاحه، او إصلاح الأرض، وفي هذا يقول الله تعالى: ( ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون).
وكان التوجيه الرباني يستبق العذاب، ويتلطف بالبشر، ويوجههم الى لزوم طاعته سبحانه الماثل بقوله عز وجل: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا).
وذكر الإنسان، وخوفه من عذابه، وقال في محكم التنزيل: ( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين)، وقال أيضا: ( قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين).
حتى إذا وقع عذاب الله بفعل طغيان الإنسان، وتحديه لخالقه فتصبح هذه القوى المسخرة له هي الوسيلة في اهلاكه في وقائع محددة، ومن ذلك قوله تعالى: ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من اغرقنا، وما كان الله ليظلمهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
ونبه القرآن الكريم الى ضرورة تفهم الوقائع واخذ العبر بقول الله تعالى: ( ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ان القوة لله جميعا).
وتاسف القرآن الكريم على مصائر الظالمين التي تملأ اخبار التاريخ ، ومن ذلك قوله تعالى: ( كم تركوا من جنات وعيون، وزروع، ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فارهين كذلك واورثناها قوما اخرين).
وترى القرآن العظيم يسجل نهايتهم بمسحة اسف، وفي ذلك قال الله تعالى: ( الا بعدا لثمود).
ولا يخفى أن الأرض، ومن عليها هم ملك لله سبحانه وتعالى، وتقع عليهم اقداره قال تعالى: ( ولله ما في السموات وما في الأرض، والى الله ترجع الأمور)، وعبر عن قدرته عز وجل بقوله: ( وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر).
ووجه البشرية إلى حقيقة افتقارها له سبحانه وتعالى فقال: ( يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد ان يشأ يذهبكم، ويأت بخلق جديد).
وعندما تنحرف البشرية عن جادة الطريق، ولا تاخذ تحذيرات خالقها على محمل الجد، وهو القائل: ( ويحذركم الله نفسه) يأتيها امر الله،
الذي قال زاجرا للناس: ( افأمن اهل القرى ان يأتيهم بأسنا بياتا، وهم نائمون، او أمن اهل القرى ان يأتيهم بأسنا ضحى، وهم يلعبون، افامنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون) َ
وكان قال أيضا في أية أخرى: ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم، او من تحت ارجلكم، او يلبسكم شيعا، ويذيق بعضكم بأس بعض، انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) َ
حتى إذا وقع العذاب وضع الله خلقه أمام الحقيقة الكبرى بكونهم لا يقدرون على دفع الضر عن أنفسهم مما يلجئوهم اليه خاضعين، وفي ذلك قوله تعالى: ( ولقد أرسلنا إلى امم من قبلك فاخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون).
وارشدهم إلى الطريق القويم عندما تمر البشرية بظروف استثنائية فتقهرها، وتدمر حضارتها بسبب ظلم الناس فيحل عليهم غضب الله قال تعالى: ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا، ولكن قست قلوبهم فزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون).وذلك خاصة و أن العذاب اذا وقع على الارض ففيه فتنة للمؤمنين الواضح في قوله تعالى: ( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).
ولذا يبدأ خلاص البشرية من حيث اليقين بأن الله تعالى هو القادر على رفع السوء عنهم، وان الحل يكمن في صميم قوله تعالى: (وما كان الله معذبهم، وهم يستغفرون).
وكذلك من الثقة بأن الله رحيم بهم، وهو القائل: ( ان الله بالناس لرؤوف رحيم)، وقوله أيضا: ( كتب على نفسه الرحمة) وكذلك قوله تعالى: ( عذابي اصيب به من اشاء، ورحمتي وسعت كل شيء). وسبحان الله القائل: ( ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم، وامنتم، وكان الله شاكرا عليما).
ولا شك أن فيروس كورونا المستجد يصدق فيه قول الله تعالى: ( ان هذا لهو البلاء المبين)، وقد ترك البشرية في حالة هلع وذهول فاغلقت الدول حدودها، واوقفت حركة الطيران، وتضررت القطاعات الاقتصادية، وتوفقت التجمعات، وعطلت صلاة الجمعة، والجماعة، واوقفت العملية التعليمية، وتوقفت السياحة، وأعلن العمل بقوانين الدفاع، والطوارئ في العالم لمواجهة الفيروس الذي يصغر الإنسان بخمسة ملايين مرة.
وخسر العالم آلاف المليارات، وما يزال الكائن غير المرئي يهدد البشرية المذعورة، ويوقع فيها مئات الاف الاصابات والوفيات، وان مواجهة هذا الفيروس بالإضافة لكافة الإجراءات المادية التي اتخذتها الدول، والتي فرضت قيود الحظر على الاجتماعات والتنقل فيها بغية العزل الاجتماعي لمليارات البشر، ولمنع انتشار الفيروس الخطر فهو يتمثل باللجوء الى الله سبحانه،وتعالى الذي لا مفر منه إلا اليه، والتوسل بوجهه الكريم لرفع البلاء، وذلك انطلاقا من الحفيفة الماثلة في قول الله عز وجل: ( ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
قال تعالى: ( وايوب إذ نادى في الظلمات اني مسني الضر، وانت ارحم الراحمين؛ فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر، واتيناه اهله، ومثلهم معهم رحمة من عندنا، وذكرى للعابدين).
.