ماهر ابو طير
لا أحد ينسى حيفا أو يافا، غزة أو اللد، الخليل أو نابلس، لكن قصة القدس تبدو مختلفة، كونها المدينة التي يشتد الصراع عليها، فوق مكانتها التاريخية.
حين تقتحم القوات الإسرائيلية على مدى أيام متتالية، المسجد الأقصى في القدس، والحرم الابراهيمي في الخليل، ولا تأبه بكل دعوات التوقف عن هذه السلوكيات، يصير واجبا ان يتم التحذير للمرة المليون من مستوى هذه الاقتحامات، وزيادة عددها، وتنوع مواقعها، وتواقيت هذه الاقتحامات.
لقد أشير مرارا إلى أن الاكتفاء بالتعبيرات الحادة ضد إسرائيل عبر مؤسسات دينية مثل وزارة الأوقاف في الأردن، أمر غير كاف أبدا، إذ كل وزير اوقاف يأتي يتصدى لهذه الاقتحامات ببيانات نارية، وزير تلو وزير، وهذا امر مقدر، لكنه غير كاف، أيضا.
هكذا معالجة توحي ان القصة تبدو مثل قصة أي مسجد، ترعاه الأوقاف، ويشتد غضبها عند حدوث تجاوزات بحق هذا المسجد الذي ترعاه وتدفع فواتير الكهرباء التي تخصه، أو حتى رواتب الموظفين، وهذا إن صح شكلا، لكنه مضمونا لا يصح.
القصة ليس تحميلا للأردن فوق ما يحتمل، لكن إين التعبيرات السياسية على مستويات عليا بشأن ملف المسجد الأقصى، إذ لا يكون مناسبا ان يبقى سقف التعليقات ضمن سقف وزارة الأوقاف، خصوصا، ان رعاية الأردن للمسجد لا تعني فعليا الجانب الديني وحسب، بل لها دلالة سياسية تتعلق بهوية المدينة، وهوية أهلها، والبنية الاجتماعية التي تحمي المسجد الأقصى مما يجري.
لا بد من تعبيرات أعلى، خصوصا، مع الالتباسات حول دور الأردن الذي ورد في صفقة القرن، والمؤشرات على احتمال اتخاذ إسرائيل إجراءات إضافية بشأن تكريس السيادة الإسرائيلية على الحرم القدسي، والمسجد الأقصى، وبشكل تدريجي.
الاتصال بالفاعليات المقدسية المؤثرة امر واجب هذه الأيام، ودعم الكتلة المقدسية في المدينة بوسائل مختلفة امر مهم جدا، كون هذه الكتلة هي خط الدفاع الأول عن المسجد، وقد رأينا رد فعل الإسرائيليين على تجمع عشرات آلاف الفلسطينيين في صلاة الفجر قبل أسابيع، التي سميت صلاة الفجر العظيم، وهذا يعني ان الكتلة المقدسية هي الأساس في إدارة الموقف.
هذه الكتلة مرهقة، وتعاني من إشكالات كثيرة سواء على مستوى الإجراءات الإسرائيلية، والإقامة التي يمكن سحبها، أو الضرائب، والبطالة، ومحاولات إسرائيل إشاعة المخدرات، أو توريط مقدسيين في شبكات امنية لصالح الإسرائيليين، وغير ذلك، ومن هنا قد يكون الأردن قادرا على صياغة موقف سياسي معين ومختلف، يستند إلى الكتلة المقدسية، ويدعمها بما يجعل قدرة الأردن على الدفاع عن الأقصى قائمة، بدلا من المهددات الحالية، التي تتزايد بلا أدنى شك.
ليس معقولا ان نواصل ذات الطريقة، كل يومين اقتحام، وكل يومين بيان تنديد من وزارة الأوقاف، ونحن هنا مثل الذي يعلن ان سقفنا في الموقف هو وزارة الأوقاف، وان القصة قصة مسجد فقط، بينما قصة المسجد تعبر عن الوقوف في وجه الاحتلال، وترمز إلى هوية المدينة، واغلبية أهلها، وترتبط بالمشروع الإسرائيلي الذي يريد تغيير هوية المدينة وهدم الأقصى، أو تقاسمه من اجل إقامة هيكل سليمان، وتكملة كل المشروع الإسرائيلي السياسي الديني.
من هنا نجدد الكلام الذي قالته أيضا شخصيات مقدسية، حول ان الخطر يشتد، والاقتحامات تتزايد، وان المشروع الإسرائيلي يتخذ اتجاها مختلفا، عن السنوات السابقة، ويكفي ما تفعله إسرائيل حاليا بشأن غور الأردن، وما سنراه لاحقا على يد الحكومة الإسرائيلية أو جماعات متطرفة من إجراءات قد تصل حد تنفيذ عمليات هدم طبيعية أو مصنوعة، من اجل إتمام هذا المخطط.
توقيت ما قبل صفقة القرن، يختلف عن توقيت ما بعد هذه الصفقة حتى لو لم يتم التوافق عليها، وعلى هذا فنحن امام مشهد مختلف، وقد تكون كلفته اعلى ما لم نتخذ إجراءات مسبقة، حتى لا نصحو على كارثة كبرى في الحرم القدسي.