ماهر أبو طير
ثبت بعد كل هذه السنين ان قرار فك الارتباط بين الضفتين الشرقية والغربية، الذي صدر العام 1988 كان خطأ كبيرا، ولا أحد يجاهر بهذا الاعتراف، فالكل يتعامى عن الكارثة.
حين تم اتخاذ قرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية، تم تبرير القرار بالرغبة بترك الضفة الغربية للفلسطينيين، بوجود منظمة التحرير الفلسطينية، التي خرجت باعتراف عربي بكونها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، وسواء كان هذا الاعتراف من باب مناكفة الأردن، او تصغير دوره، الا انه أسس فعليا لقرار فك الارتباط لاحقا.
كانت النتيجة الأولى لقرار فك الارتباط، إلغاء المواطنة الأردنية لسكان الضفة الغربية، ثم تبع ذلك إجراءات قانونية وإدارية، ونجم عن ذلك فعليا، تصغير مساحة الأردن الجغرافية والسياسية، وأدى ذلك أيضا إلى التهيئة فعليا لاتفاقية أوسلو التي كانت كارثة أخرى، أقر عبرها من سمى نفسه الممثل الشرعي والوحيد، بحق إسرائيل في ثلاثة ارباع فلسطين، ثم نجم عن ذلك ما نراه اليوم، من انهيار كامل لكل الخدعة التي تم الحديث عنها، فلا دولة فلسطينية، ولا قدس، ولا مشروع فلسطينيا ناجزا ومكتملا، إضافة إلى مصادرة ارض الضفة الغربية، والنية بضم غور الأردن في الجانب الفلسطيني، وإقامة المستوطنات.
معنى الكلام، ان قرار فك الارتباط لم يؤد إلى الغايات التي تم الإعلان عنها في توقيت القرار، بل أدى إلى كارثة كبرى، لأن الفرق كبير بين دولة مثل الأردن تطالب بأرضها ومواطنيها من إسرائيل، وبين منظمة عادت الينا بغزة واريحا أولا، وسلمت برضاها ثلاثة ارباع فلسطين.
الذين يعتقدون ان قرار فك الارتباط لم يؤذ دور الأردن الإقليمي، على خطأ، هذا فوق ان هذه قصة لا يمكن تغطيتها بحرية القرار الفلسطيني، والهوية الفلسطينية، وقد كنا امام مملكة تتخلى عن جزء من أراضيها، ومواطنيها، تحت مبررات لم تثبت صحتها أصلا، ولا يعقل ان تتخلى دولة عن جزء من مساحتها تحت الاحتلال، لمجرد ان طرفا ما يريد ذلك، ويريد ان ينفرد بالتمثيل السياسي، وبوكالة القضية الفلسطينية.
انظروا إلى المشهد اليوم، فقد تمت تصفية القضية الفلسطينية، فلا دولة في الأفق، ونحن اليوم امام مشكلة سكان فقط، بحاجة إلى حاضنة ترعاهم، ودور السلطة الأمني، وعلى صعيد البلديات هو كل ما تبقى من المشروع الفلسطيني، بعد كل هذه التضحيات، والأيام المقبلة، مُرة وصعبة، على كافة الأصعدة، فلا حل سلميا، ولا تحرير بالسلاح.
السياسيون الذين لعبوا دورا في قرار فك الارتباط، صامتون اليوم، ويجدون المبررات لتفسير ذلك القرار بدلا من الخروج والاعتراف علنا بكونهم ارتكبوا كارثة كبرى، بحق الأردن من جهة، وبحق الضفة الغربية، لأن الضرر أصاب الجهتين، لكن هؤلاء غير مستعدين لمراجعة النفس، وتقييم القرار بأثر رجعي، وما نجم عنه من بلايا، هذا فوق خوفهم من دكتاتورية الرأي العام، او اتهامهم بكونهم ينفذون مؤامرة جديدة.
الازمة الأكبر تتعلق بالذين يظنون أن كل اثارة لهذا الموضوع، تعبر عن مؤامرة سرية من اجل عودة الأردن إلى الضفة الغربية، ويفتحون جبهة من قصص الوطن البديل والتوطين، خصوصا، في توقيت صفقة القرن، وما يجري هذه الأيام، وعلى هؤلاء ألا يبالغوا، فحتى أولئك الذين كانوا يتبنون دوما علاقة وحدوية بين الأردن والضفة الغربية، يعرفون ان الضفة الغربية عند فك الارتباط، ليست الضفة الغربية اليوم، وأن لا احد عاقلا يطلب من الأردن ان تصفي ما تبقى من القضية الفلسطينية، وان يتحمل ملف السكان، فنحن امام تعقيد كبير لا يحله العودة عن قرار فك الارتباط، ولا حتى دسترة هذا القرار وقوننته.
قرارات تمر هكذا دون نقد او مراجعة، ولو سألنا خبراء دستوريين لردوا وأثبتوا ان القرار غير دستوري في الأساس، فلا يحق للدولة أساسا ان تتخلى عن جزء من أراضيها، تحت أي تفسير، واليوم لا يحمل المرء الأردن مسؤولية القرار، وما نجم عنه، وحيدا، بل نحمل كل الأطراف الشريكة، بما في ذلك الطرف الفلسطيني الذي كان يطعن في دور الأردن في الضفة الغربية، ويتهمه بحكم ما ليس له، وصولا إلى كونه ليس ممثلا للفلسطينيين.
اللوم هنا، وتوزيع المسؤوليات غير منتج، لأن النتيجة التي نراها تتوزع أسبابها على الجميع، والكل اليوم شريك في هذه الكارثة التي نراها في الضفة الغربية.