الشاهد - ربى العطار
تصوير / يونس الطراونة
الحكومات المتعاقبة دون استثناء لم تمتلك خطاب الدولة
من الصعب تحقيق الحكومة البرلمانية على المدى المنظور
المستقبل هو للأحزاب الوطنية الإصلاحية
المطلوب بالانتخابات النيابية حوار قوى المصالح و ليس قوى الفساد
للأسف يعين الوزير ويذهب ولانعرف لماذا تم تعيينه ولماذا غادر
لا بديل عن الحزبية فهي الوعاء الحقيقي للعقول
انتهى عام 2019 ومازالت القضايا العالقة فيما يتعلق بأداء الأحزاب والحكومة ثابته على ما هي عليه، فالمسوحات الاستطلاعية والمؤشر الأردني مازال يضع ثقة المواطنين بأدوات التشريع والتنفيذ مثل الحكومة والبرلمان وحتى الأحزاب السياسية في ترتيب متأخر .
وللتوضيح حول الأسباب التي تعمق فجوة الثقة بين تلك الأدوات وبين الناس، استضافت "الشاهد" الدكتور أحمد الشناق أمين عام الحزب الوطني الدستوري باعتباره قامة حزبية وسياسية مخضرمة، لها تحليلات عميقة واستنتاجات مستقبلية سابقة توافقت مع الواقع الحالي.
"الشاهد" أجرت حوارا مع الشناق تطرق لمجموعة من المحاور حول واقع الأحزاب السياسية، الحزم الاقتصادية، اللامركزية وقانون الانتخابات النيابية والنظام الانتخابي.
المرحلة بمعطياتها الحالية تجاوزت مفهوم الحزبية التاريخية وحتى الحزبية ذات الوصاية على الشعوب
بسؤال الشناق عن واقع الاحزاب في الأردن، والمطلوب منها لتكون أكثر فاعلية لتشارك في السلطة قال "نحن في مرحلة تاريخية في منطقتنا العربية، واتمنى أن تستوعب الأحزاب الأردنية طبيعة المرحلة وأن تدرك أنه لا بد من فصل المسارات لبعض الأمور والقضايا، فالمرحلة بمعطياتها الحالية تجاوزت مفهوم الحزبية التاريخية وحتى الحزبية ذات الوصاية على الشعوب، وهذا ما نشهده في احتجاجات لبنان والجزائر والعراق، وأصبحت هموم الحزبية وقضاياها هي قضايا المواطنين، والأصل في الحزبية أن تنطلق من نظام الحكم في الدولة وتعبر عن مضمون نظام الحكم، فآن الأوان للأحزاب الأردنية أن تراجع خطابها الحزبي لطبيعة المرحلة التاريخية التي نمر بها، ونحن نريد أحزاب تفكر في عقل الدولة وأن تعمل وفق منهج الدولة وهي في المحصلة غايات وأهداف المواطنين برفاهيتهم وكرامتهم ".
وأضاف "المطلوب من الأحزاب الأردنية أن تعتمد على عنصرين أساسيين في نظرتنا الجديدة، الماكينة التكنوقراطية؛ العقل الذي يصوغ الحلول والبرامج، والماكينة التنظيمية؛ بمفهوم لجان انتخابية على مستوى المملكة، وآن الاوان أن نغادر مفهوم الحزبية العضوية، كما أن على الأحزاب ترتيب بيتها الداخلي وان تعيد خطابها نحو الداخل، وأن لاتبقى مقتصرة على الحدث الخارجي، فهناك تحديات داخلية كبيرة جداً وهذا يتطلب أن تكون الحزبية وعاء الأردن الجمعي بما يوجد الحلول للتحديات الداخلية وأيضاً أن تعيد نظرتها لقضايا المنطقة."
وأشار الشناق إلى "أن المواطن لايعنيه مرجعية الحزب الفكرية، لكنه يريد حلولا لقضاياه على اساس أن الحزبية تريد ان تصل إلى السلطة سواء من خلال البرلمان او من خلال البرلمان للحكومة وهي السطة التنفيذية".
ولدى سؤاله عن الاحزاب التي تتلقى دعما خارجيا ولها ولاءات خارجية، قال الشناق: "لايجوز، ومجرَّم بقانون الاحزاب أن يكون للحزب ارتباط خارجي، فالحزب يجب أن يكون وطنيا أردنيا بمفهوم الدولة الاردنية كما هو الحال في أي دولة في العالم ، فالأحزاب هدفها البعيد خلق حالة استقرار سياسي واجتماعي في نظام وإطار الدولة، والاحزاب الأردنية حتى الوطنية أو ما تسمى بالوسطية هي نبع صافي نحو أمتها وعروبتها فلا يجوز ان نختصر القومية في حزب".
وأكد الشناق بأن "المستقبل هو للأحزاب الوطنية الإصلاحية، وهذا هو المطلوب من حزبيتنا الاردنية، أن تراجع خطابها وان تبني حضورها الحزبي، ويجب أن تلتقي الاحزاب مع المؤسسات الأمنية وحتى مع قيادة الجيش العربي الاردني وأن تكون رديفا لاجهزة الدولة وهذا هو مفهوم الحزبية الذي نريد أن نراه في الاردن مستقبلا، ورسالتي لجميع الاحزاب أن تعيد رؤيتها لدورها ونمطها حتى تصل إلى مفهوم الحزب الوطني الإصلاحي البرامجي المنتمي للوطن، فهي حزام واقي للرأي العام على أهداف الدولة وغاياتها ومصالح الوطن العليا".
نحن في عصر التواصل الاجتماعي، والإعلام الأردني بحاجة لثورة بيضاء
وعن وجهة نظره في الخطاب الإعلامي والسياسي للحكومة، أكد الدكتور الشناق أن "الحكومات المتعاقبة دون استثناء لم تمتلك خطاب الدولة، فالحكومات كانت دائماً ضعيفة وبقيت عاجزة أن تفتح باب الحوار الوطني الشامل وأن تتحدث مع الشعب بواقعية وشفافية ومصارحة ومكاشفة حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وجميع تلك الحكومات تتحمل مسؤولية الخلل في حالة الانفصال القائمة بين الدولة والمجتمع، ولم تفعِّل الحكومة الحالية ولا التي سبقتها آلية الدولة وأدواتها ليعمل الجميع في إطار المفهوم الوطني" وأضاف: " الإعلام الأردني بحاجة لثورة بيضاء ونحن الآن في مرحلة التواصل الاجتماعي وعصر الانترنت والتكنولوجيا، والدولة القوية تعريفها بقدرتها التواصلية مع مجتمعها وكيف تقنع وتمتلك الخطاب".
ووصف الشناق بعض الحكومات بأنها تكون قائمة على الصداقة، واعتبر انها ليست حكومات وطن خاصة في مرحلة تاريخية صعبة تتطلب التماسك ما بين الأردنيين لتجاوز الصعاب التي نمر بها.
نريد آليات لإيجاد الحلول وشبعنا استراتيجيات وتنظيراة ولقاءات بفنادق خمس نجوم
وعن الحزم الاقتصادية التي أطلقتها الحكومة، علق الشناق: " إن الحكومة مضى على مجيئها سنة ونصف وقامت بثلاث تعديلات وزارية، وهي لا تمتلك برنامجا أو خطة حقيقية على أرض الواقع، ودائماً نخاطب الحكومات بالمنهج العلمي السياسي، فهذه الحكومة جاءت بعد احتجاجات شعبية أطاحت بحكومة سابقة، الفيصل بيننا وبين الحكومة كتاب التكليف السامي والذي أتى على كافة المضامين التي تعبر عن هموم الأردنيين وبذات الوقت عن طموحهم وآمالهم، والحزم الأخيرة لم تكن حزم حكومية واعتبرها أوامر ملكية من الملك لحكومة دولة الدكتور عمر الرزاز بعد أن أوصلت البلاد لحالة عدم الثقة بها، وبالتالي لا أستطيع أن أقول أن هذه الحزم حزم حكومية إنما آلية التنفيذ هي الحكومة"، وأضاف،" إن هناك كتاب التكليف السامي وعلى الحكومة أن تترجم ما يحتويه من بنود ومضامين وأن تترجمها بآليات، فنحن نلاحظ بالفترة الأخيرة جلالة الملك في نقده المتواصل لاداء الحكومة وقوله أننا نريد آليات، شبعنا استراتيجيات وتنظيرا ولقاءات بفنادق خمسة نجوم، نريد آليات لايجاد الحلول والآليات يعني الخطة العملية القابلة للتنفيذ والتطوير من الواقع الاردني، فنحن ندرك بأن الظروف صعبة ونعرف أن هناك خططا صعبة، لكن حكومات التقليد لم تعد تخدم وتجد حلولا، نحن بحاجة لعقول غير تقليدية في ايجاد الحلول لمواجهة التحديات، والحكومة أيضاً حتى اللحظة تغيب الحوار على مستوى المناطق والأحزاب وكل مايمكن أن يقال أن الحكومة الحالية كانت معاندة لكل الاخصائيين من اقتصاديين وخبراء ماليين واحزاب وغير ذلك، متسائلاً، عن سبب استمرار الحكومة الحالية التي في عهدها تراجع النمو الاقتصادي وارتفعت معدلات البطالة وازداد الفقر.
موازنة 2020 إذ أُقرت ستكون الاخطر على قيمة الدينار الأردني
أما عن رأيه بموازنة عام 2020، قال الشناق: "هناك الكثير من الأوهام، قراءاتنا بالموازنة التي أعدت ببنود تقليدية لم تأت بجديد وهي بنود الموازنة التقليدية على مدار 20سنة، وحسب تحليلاتنا الاقتصادية والمالية ستصل المديونية إلى ما يتجاوز 100% وسيزداد عجز الموازنة بزيادة المديونية 2 مليار وأنا أعتقد أن هذه الموازنة إذا أقرت ستكون الموازنة الاخطر في تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية على قيمة الدينار الأردني، وبالتالي نطالب البرلمان الذي تغيب سلطته الحقيقية بمراجعة هذه لموازنة وأن لا تقر هذه الموازنة إلا بإضافة 3 بنود جديدة وهي بنود غير تقليدية ،وهذا الأمر طرحناه أكثر من مرة مع الحكومة، الموازنة التي أعدت وأعتقد أنها ستأخذ البلاد إلى الحائط في العجز وتراجع في نسبة النمو ولم نتقدم حتى الآن في زيادة القدرة الشرائية للمواطن بتحريك السوق ولم تراجع قانون الضريبة غير المباشر وهي ضريبة المبيعات".
آن الأوان حتى ننتقل من مفهوم الدولة ذات التمثيل الجغرافي إلى مفهوم الدولة ذات التمثيل السياسي
وعن قانون الانتخابات النيابية والنظام الانتخابي، شدد الشناق على أن قانون الانتخاب يمثل شكل وهوية الدولة السياسية وقانون الانتخاب أخذ مفهوم التمثيل الجغرافي وهذا ليس نقيصة بالمفهوم الديمقراطي، وأن المطلوب الآن من قانون الانتخاب أن يُجري تطوير سياسي حتى ننتقل في الأردن من مفهوم الدولة ذات التمثيل الجغرافي إلى مفهوم الدولة ذات التمثيل السياسي، ولا يوجد نمط لهذا غير الحزبية، متسائلاً، كان إذا عقل الدولة الأردنية يفكر باعتماد الحزبية كنمط في إدارة شؤون الدولة الحزبية البرامجية المنتمية لوطنها، ومبدياً اختلافه مع مصطلح "كوتة الأحزاب" فالكوته تمثل طائفة او فئة في المجتمع لانها تمثل مفهوم الأقلية في حين أن الحزبية هو برنامج الوطن وليس كوته.
وأضاف الشناق، بأن جلالة الملك يؤكد دائماً على الحكومة البرلمانية لكن غير وارد تحقيقها على المدى المنظور لأن الحكومة البرلمانية لابد أن تستند على مفهوم حزب الأقلية وحزبي الأغلبية في البرلمان وهذا غير متحقق، وليس مفهوما أن يأتي وزراء من مجلس النواب وليصبح اسمها حكومة الجمعية، مبدياً الشناق رغبته بأن تكون هناك قائمة للأحزاب وان نأخذ بالواقع المتدرج فليكن هناك عشرون مقعدا للأحزاب، فبالرغم من ضعف الأحزاب ومطالبتنا بمراجعة خطابها السياسي وتشكيلاتها الداخلية إلا أنه لابد أن نخطو الخطوة الاولى.
وحول المال السياسي الذي يظهر بالانتخابات قال "المطلوب بالانتخابات النيابية حوار قوى المصالح ولكن ليس قوى الفساد، ولا أن تبني وجودك بالبرلمان على تمرير عطاء أو عدم مراقبة وزير ومحاسبته، فكيف لنائب يحاسب وزيرا ويراقب اداءه في تطوير خدمة صحية مثلاً وهو دائماً متواجد بمكتب الوزير يبحث عن إعفاء طبي لأحد أقاربه، وأتمنى أن نصل لمرحلة بأن نعرف من يشغل موقع وزير لماذا أتى وماهي خطته التنفيذية الحقيقية القابلة للتطبيق، لكن للأسف يعين الوزير ويذهب ولانعرف لماذا تم تعينه ولماذا غادر" .
نعاني من عقلية المسؤول المركزي ولا نريد أن نتنازل عن الصلاحيات من الأعلى للأدنى
وحول اللامركزية وامكانية نجاح تجربتها في الأردن تحدث الشناق: " نحن نريد استقرارا في وجود الحكومات، فلايعقل أن تجري الحكومة 4 تعديلات وان تتقدم الحكومة باستراتيجية على مستوى الوطن وأن تفعل اللامركزية بمفهوم البرلمان على مستوى المحافظات، ففي الأردن ما زال لدينا عقلية المسؤول المركزي لا نريد أن نتنازل عن الصلاحيات من الأعلى للأدنى، واللامركزية هدفها هو تفريغ البرلمان لدوره الدستوري الرقابي والتشريعي وأن تجري الخدمات على مستوى المنطقة أو المحافظة باللامركزية، فنحن لا نستطيع أن نفصل بين قانون الانتخاب وقانون اللامركزية حتى يكون المواطن قادرا على رسم أولوية القضايا والخدمات على مستوى المحافظة، ويجب أن يتفرغ البرلمان لدوره الوطني الحقيقي وهو التشريع والرقابة، وان يتفرغ مجلس الوزراء لوضع الاستراتيجيات على مستوى الوطن، ونحتاج لرؤية سياسية جديدة، وحسب استطلاعات الرأي فنحن فقدنا الثقة بركني الحكم؛ البرلمان والحكومة، لذلك لا بد من البحث عن آليات جديدة، ولا بديل عن الحزبية فهي الوعاء الحقيقي للعقول، وهو النمط الذي اعتمدته الدول الديمقراطية التي سعت واوجدت رفاه وكرامة لشعوبها، والدول النافذة والمسيطرة هي دول حزبية.