الشاهد - التعامل مع أي حادث كان فيه نوع من "المخاجلة " بين الأجهزة الأمنية
دمج الأجهزة الأمنية قرار مدروس واستراتيجي
في مسألة الفساد "بنعالج أمورنا من غير ما نفضح حالنا"
العبث بالنظام السياسي يعني عدم وجود للأردن
الوضع الراهن في الأردن يفرض مسار وأداء البرلمان
ربى العطار
تصوير / يونس الطراونة
في مقابلة خاصة "للشاهد" تحدث النائب مازن تركي القاضي ، وزير الداخلية الأسبق عن مجموعة من المحاور التي تشغل الرأي العام المحلي، استهل خلالها الحديث عن دمج قوات الدرك والدفاع المدني بمديرية الأمن العام، وعن أداء البرلمان الأردني وغيرها من القضايا ذات الشأن مثل الدولة المدنية والفساد في الأردن.
وعن تعليقه على الرسالة الملكية التي تنص على ضرورة التسريع بدمج الدرك والدفاع المدني تحت مظلة مديرية الأمن العام، أكد القاضي؛ بأن هذه المؤسسات تعتبر العمود الفقري للأمن الداخلي وكل مؤسسة لها واجبات محددة بموجب قانون، فالدفاع المدني حماية مدنية وسلامة عامة ، قوات الدرك من أجل معالجة حوادث الأمن الداخلي والعنف المجتمعي، أما الأمن العام فهو قيادة شرطة قضائية تتعامل مع انفاذ القانون وتطبيقه من خلال ملاحقة الجريمة وتقديم الجناة للسلطة القضائية.
وأضاف، "هناك سوء فهم لمفهوم الدمج فهو لا يعني الخلط، إنما هو التوحيد؛ مثل التوحيد في القيادة والجهد والتنسيق والوصول لمرجعية واحدة تصدر الأوامر والتعليمات، وبأن توجيهات جلالة الملك من خلال الايعاز بإجراء الدمج كان هدفه تقديم خدمة مثلى للمواطن والتسريع في تقديم الخدمة وتوفير الجهد والمال، فقرار الدمج لم يأت من فراغ إنما هو قرار مدروس واستراتيجي أخذ وقتا كافيا حتى ينضج وحتى يكون فيه قناعة لإصداره هدفه خلق بيئة آمنة للمجتمع الأردني .
وكمثال على فعالية الدمج، قال القاضي : "عند وجود حادث سير أو حدث كبير تتواجد الأجهزة الأمنية الثلاث (الأمن العام، الدرك،الدفاع المدني ) يتم التعامل مع الحدث في حالة الدمج بشكل أكبر فعالية، فالدرك يقوم بعمل طوق خارجي يتيح الوصول السلس لمجموعات الدفاع المدني ويتيح للأمن العام فعالية أكبر للتعامل مع مسرح الحادث من خلال التقاط العينات والمحافظة على الأدلة الموجودة فيه، وكل ذلك يحدث بأمر مباشر من مدير واحد لضمان سرعة الإجراء وعدم تشتيت عمل الأجهزة الأمنية، ويضمن أيضا محاسبة الشخص المتقاعس عن أداء واجبه بخلاف ما كان يحدث قبل الدمج لأن التعامل مع الحادث كان فيه نوع من "المخاجلة " بين الأجهزة الأمنية بسبب تعدد المرجعيات.
أما بالنسبة لما أثير حول التحفظات المتعلقة بدمج الدفاع المدني، أجاب القاضي بأن هناك علاقة إستراتيجية بين الأجهزة الثلاث التي من ضمنها الدفاع المدني، فهناك تشابك بالعمل وتداخل بالواجبات، استناداً إلى تسلسل تاريخي يثبت بأن هذه الأجهزة مرت بالعديد من عمليات الفصل والدمج حسب مقتضيات المرحلة منذ تأسيس إمارة شرق الأردن وحتى التاريخ الحديث للمملكة الأردنية الهاشمية، ولا يوجد تنظيم جامد فالتنظيم مرن ومرتبط بالمتغيرات في كل مرحلة، والأردن يعيش اليوم وسط محيط مليء بالإختلالات الأمنية، الاقتصادية، السياسية والاجتماعية، استطاع خلالها جلالة الملك بحكمته وعلاقاته المتزنة مع رؤساء الدول الشقيقة والصديقة التي يسودها الاحترام بأن يحافظ على أمن واستقرار الأردن، كما أن استشراف جلالته للمستقبل جنب الاردن الوقوع في دوامة الاختلالات والحروب في ظل وضع أمني غير مستقر في دول الجوار ،وهو ما أسميه الانجاز الأعظم .
وأكد أن الأجهزة الأمنية استطاعت في ظل "ما يسمى الربيع العربي " التعامل مع الاحداث والمحافظة على أمن واستقرار الأردن رغم صعوبة المرحلة .
أعطينا موضوع الفساد في الأردن أكبر من حجمه
وعن الفساد في الأردن سجل القاضي عتبه على الأردنيين قائلا: "أغرقنا البلد والوطن بحكاية الفساد والمفسدين، ولا يوجد دولة خالية من الفساد، حتى أعتى الدول الديمقراطية؛ فالولايات المتحدة الأمريكية مثلا؛ يناقش فيها الكونغرس قضايا فساد تتعلق بالرئيس الأمريكي ولكن يتم معالجتها بالقانون، ونحن في الأردن للأسف أعطينا الموضوع أكبر من حجمه، وأضاف، نعم؛ يوجد فساد ومفسدين لكن هذا لايعني وصم الأردن كله بالفساد لأن هذا الحديث يضر بمصلحة الأردن ويؤثر على مصداقيتنا الدولية، وتابع ؛"اقضوا حوائجكم بالسر والكتمان، يعني بنعالج أمورنا من غير ما نفضح حالنا"، وللأسف أصبح كل مواطن يتحدث عن الفساد"وإن البلد خربانة"، وتابع ، "صحيح يوجد اختلالات في عدة مجالات مثل الصحة والتعليم وغيرها من الوزارات التي تقدم الخدمات للمواطنين ولكن هذا لا يُعمم، فالأردن صامد وليس كما يدعي الناس بأنه ينهار حتى وصلت رسالة للعالم أن الأردن كله فاسد" .
الفئة الصامتة الكبيرة تسمح لفئة قليلة باختطاف الشارع
وأشار القاضي إلى أن هناك فئة صامته تشكل 80 % من الأردنيين، وهي شريحة تقف في المنتصف ليست في اليمين ولا في الشمال، مطالباً هذه الفئة بالنهوض ورفع صوتها والعمل على تنظيم نفسها، واصفاً هذه الشريحة بأنها حُبلى بالكفاءات الإعلامية، الأكاديمية، العشائرية، الاقتصادية، والشبابية والقطاع النسائي، ويجب أن يكون لها رأي مسؤول ويجب أن تكون صد ومصد لكل القوى التي تحاول خطف الشارع، حتى لا تبقى تقف هذه الشريحة موقف المتفرج، وأن يكون اسمها المعارضة الايجابية التي تقدم النصح للحكومة وتؤشر على الخطأ .
وأضاف أنه حتى يكون لنا دور فاعل ومؤثر يجب أن يكون جهدنا مؤطر بشكل جماعي وليس فرديا.
وكشف القاضي عن وجود حراك نخبوي على كافة الأصعدة لتأطير النخب الفاعلة من الذين يشكلون حالة قيادية في المجتمع كل ضمن اختصاصه بهدف قيادة المشهد العام في المستقبل المنظور للأردن وهذا يحتاج لجهد وحسن نوايا وانتماء للوطن وحب الأردن، وأضاف بأن الإصلاح يأتي إذا الشريحة المتوسطة أو الوسطية بتفكيرها وغير المتطرفة في اليمين أو اليسار عملت بفعالية وحافظت على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي .
العبث بالنظام السياسي يعني عدم وجود للأردن
وعن الثوابت الوطنية، قال القاضي :"يوجد لدينا نظام سياسي لا احد يختلف عليه، وجميعنا متفقون بأنه صمام الأمان، ويوجد لدينا دستور، ونلتزم بمبدأ سيادة القانون وجميع الأنظمة والتعليمات التي لا تتعارض مع الدستور والقانون، وهدفنا هو أمن واستقرار الأردن والمحافظة على النظام السياسي الأردني، فأي عبث بهذا النظام يعني أنه لن يكون هناك أردن، فبقاء الأردن من بقاء النظام.
وأضاف، إن المائة عام بنتها مؤسسات سياسية هاشمية، وكل العرب راهنوا بأن الأردن لن يستمر وأن الأردن مجتزأ من الهلال الخصيب بفعل الاستعمار وأنه غير قابل للحياة، لكن النظام السياسي الأردني هو النظام الغالب للحياة، وما دام هذا النظام قابل للحياة فالأردن قابل للحياة، فالنظام سلسلة تاريخية شرعية عربية ماقبل الإسلام وما بعد الإسلام، وهو مدرسة سياسية عكست نفسها بالحكمة والصبر والتعاطي مع الاحداث بكل أريحية ومثالها دائما الرحمة.
وتابع القاضي: " نحن من يؤذي النظام ونخطئ بحقه، وأحيانا نسيء إليه بقصد وبظلم، لكنه يرمي ذلك وراء ظهره، وهذا سر بقائه وديمومته، لذلك يجب أن نعود لرشدنا السياسي ونعترف أننا بلد صغير محدود الموارد تُمارس عليه ضغوط إقليمية ودولية ومستهدف، كما أنه استقبل خمس هجرات قسرية، والأردن قدم الشيء الكثير لكنه أخذ الشيء القليل".
معظم الأُسر من محافظات المملكة تراجع نواب مناطقها فقط لغايات التجنيد أو التوظيف على الفئة الثالثة
وعن الفقر في الأردن، أكد القاضي بأن الأردن لا يوجد فيه فقر، ولكن يوجد فيه بطالة، بسبب ثقافة الأردنيين بعدم قبول العمل المهني الفني والاتجاه للعمل العام، وأضاف بأن هناك وجود مهن كبيرة جدا بدليل وجود أكثر من مليون وافد، وأوضح بأن العمل بالمدن الصناعية يعطي رواتب قليلة لكن أن تعمل خير من أن تكون بلا عمل، وحتى نصل إلى هذه المرحلة يجب أن نغير ثقافة المجتمع الأردني، مؤكداً بأن هناك خطط حكومية في هذا الاتجاه، وللأسف معظم الأسر من محافظات المملكة تراجع نواب مناطقها فقط لغايات التجنيد أو التوظيف على الفئة الثالثة، ويبتعدون عن العمل المهني مثل الدهان والطراشة والحدادة والنجارة وغيرها من الأعمال المهنية التي تحقق دخلاً جيداً.
وطالب القاضي بأن يكون هناك إعادة تقييم ومراجعة وشراكة بين القطاعين العام والخاص والشراكة المجتمعية بين جميع اطراف العلاقة حتى نذهب لحل مشكلة البطالة، لأن ارتفاع معدلات البطالة لها كلف اجتماعية وامنية.
الهجمة على مجلس النواب هي هجمة مزاجية
وعن أداء البرلمان، أوضح القاضي بأن البرلمان موجود ليعكس طموحات الشارع ويلبي رغبات الناس، ولتشريع القوانين التي تمس مصلحة المواطن ومراقبة أداء الحكومة وكل مجلس نيابي يقدم أداءً بما يتناسب مع المرحلة التي يمر بها الأردن وحسب الظرف الذي وجد به كل مجلس، فالهجمة على مجلس النواب هي هجمة مزاجية، واستدرك القاضي، "وجود برلمان أفضل من عدم وجوده، ولا مانع من قيام المواطن "إنه يفش غله بالبرلمان" حتى يفرغ الاحتقان عند الناس فالمجلس النيابي مؤسسة أفرزها المواطن نفسه وهي من اختياره وهذا أمر طبيعي، لكن بالمجمل الأداء البرلماني جيد لكن لدينا طموح بالمستقبل أن يكون الأداء أفضل وأن نرتقي بالديمقراطية والشورى إلى مراحل متقدمة، فوضع الأردن الاقتصادي والأمني والسياسي يفرض مسار وأداء البرلمان .
عدم وجود تواصل بين المجاميع النخبوية يقف عائقاً أمام خلق حالة أردنية وازنة
وعن مدى تطبيق ما جاء في محتويات الأوراق النقاشية الملكية، أكد القاضي بأن الأوراق النقاشية لجلالة الملك تصب في التطوير الديمقراطي في الاردن وتطوير الجانب الصحي والتعليم وعمل الأحزاب وكافة المجالات، وإذا عملنا بما احتوته تلك الأوراق الملكية وترجمناها على أرض الواقع فسوف تنقل الأردن نقلة نوعية كبيرة، وحدد القاضي البداية للتطبيق بأنها لابد أن تنطلق من الشريحة الوسطية وذلك باختيار شخصيات وازنة لها تأثير اجتماعي ومن كافة الاختصاصات، والبحث عن شخصيات أشخاص لا أخطاء عليهم بحق الدولة أو بحق الوطن حتى يحترمه الناس ويثقوا فيه وتأخذ برأيه .
مشيراً إلى أنه يجب أن تنطلق هذه المبادرة على مستوى المحافظات، وكل محافظة يجب تبحث عن النخب التي تمثلها، معتبراً أن عدم وجود تواصل بين المجاميع النخبوية يقف عائقاً أمام خلق منها حالة أردنية وازنة ينبثق عنها تيار وطن لتحقيق المصلحة العامة.
الدولة المدنية لا تعني أن نتحلل من القيم والعادات والتقاليد التي تحكم مجتمعنا
وعن الحديث حول الدولة المدنية أبدى القاضي استغرابه من التفسيرات المختلفة للدولة المدنية قائلاً "إننا دولة تطبق قانون وضعي والقانون الوضعي هو قانون مدني، فالدولة المدنية لا تعني أن نتحلل من القيم والعادات والتقاليد التي تحكم مجتمعنا" وأضاف: "إن القوانين تتطور بتطور المجتمع فهي رهينة للظروف والمستجدات لذلك فهي تستوجب العديد من التعديلات سواء في قانون العقوبات أو قانون المحاكمات، حتى الدستور يمكن تعديله حسب المستجدات في كل مرحلة".
وأعرب القاضي عن أمله بتحسين الأداء العام من خلال تطبيق القوانين وأن تتحسّن جهات إنفاذ القانون مع وجود شفافية ونزاهة، أما الحديث عن دولة مدنية تبتعد عن القيم والأخلاق فلن تلقَ قبولا إذا كان الهدف منها الوصول إلى هذا الاتجاه.