بقلم عبد الله القاق
الواقع ان اعتذار المملكة العربية السعودية عن عدم قبول مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، جاء نتيجة المواقف الدولية المتخاذلة تجاه الازمات العربيةو منها الاوضاع المضطربة في سورية وتخاذل المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وهذا الموقف يتناسب ومبادئها وبادرة رائعة للتعبير عن عجز المجتمع الدولي عن إنهاء الحرب الدائرة في سوريا والتعامل مع غيرها من قضايا الشرق الأوسط. لقد بررت السعودية مواقفها من هذا الاعتذار ضمن عدة نقاط أوضحت تقصير المجلس في العديد من المواقف بالمنطقة العربية وخارجها،لذلك فإنها أقدمت على خطوة نادراً ما تتخذها دول أخرى". بالرغم من أنها حظيت بالترشيح من قبل أعضاء في الأمم المتحدة مدعمين ذلك بمواقف المملكة التي دائماً ما كانت ضد الاعتداءات من دول أو أفراد، ورفض تام للفصل العنصري، ومع الحوار بين الأديان والحضارات وتساوي الحقوق بين البشر، إلى جانب تبنيها مقراً لمكافحة الإرهاب، واحتواء التطرف أياً كان مصدره، فإنها انفردت بقناعتها ورضاها عنها. ان السعودية تتعامل في قراراتها مع العمق ولا تهتم بالقشور أبداً، لذلك جاء اعتذارها عن قبول عضوية مجلس الأمن كبيراً وصوتاً عالياً ومؤثراً بالتأكيد، وبينت أن المملكة قدمت شكرها لمن انتخبوها، ووثقوا بمواقفها، والمملكة ليست بالغريبة أو حديثة العهد في المنظمة الدولية، فهي عضو مؤسس لمنظمة الأمم المتحدة ولطالما كانت ملتزمة بمقاصد ومبادئ ميثاق المنظمة الدولية. والواضح ان للمملكة موقفاً قوياً يعبر عن مكانتها الدولية ومواقفها النزيهة تجاه القضايا العربية والإسلاميةوأن هذا الاعتذار عن قبول عضوية مجلس الأمن، يأتي برهانًا صادقًا على ثبات مبادئها تجاه قيم الحق والعدل، وإيمانها المطلق بأن أي منظمة دولية تعمل في مجال العلاقات بين الدول وترسيخ سيادة القانون ونشر قيم العدل والنزاهة لابد أن يكون توجهها وقراراتها منطلقة من روح تلك القيم السامية وألا تشوبها أي شائبة أو يعتريها أي خذلان أو تجاهل أو كيل بمكيالين وإلا لاهتزت الثقة في مصداقية تلك المؤسسة ولم تعد مؤهلة للدور الذي قامت لأجله. لقد جاء الاعتذار كما قالت وزارة خارجية المملكة السعودية "أتى اعتذارا من منطلق رؤيتها لأسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن والتي تحول دون قيامه بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب". والواضح أنه لم يعد خافياً على أحد، أن مجلس الأمن الدولي، ومعه منظمة الأمم المتحدة بأكملها، أصبحا عبئاً ثقيلاً على دول العالم، رغم نبل الفكرة منذ أيام عصبة الأمم، وقالت "من هنا، نفهم سر الاعتذار السعودي عن قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، رغم فوزها بنسبة كبيرة من الأصوات، حتى يتم إصلاح هذا المنبر الدولي وتمكينه فعلياً وعملياً من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين". فإذا كان العالم حريصاً على قيم الإنسانية والحضارة، فلا بد من تغيير هذه الآليات، والشروع في عملية إصلاح للقيم السائدة، وعدم النظر للأمور بعين واحدة، بعيداً عن هذا العجز المخزي والفشل الذريع. واعتذار المملكة عن شغل مقعدها الذي انتُخبت له، في مجلس الأمن، يعتبر مفاجئا، وتاريخيا، وأخلاقيا، وحازما، وغير مسبوق، واستثنائي، وفريد، وقوي، ومواجه، وبأنه تعبير عن الوصول إلى الدرجة القصوى من الاستياء الناجم عن فشل مجلس الأمن في النهوض بالمهام التي قام من أجلهاخاصة وأن السياسة الخارجية السعودية قائمة على أدبيات ثابتة عمادها الأخلاق، واحترام حقوق الدول ومواطنيها في العيش بسلام، وهو ما لم يحققه مجلس الأمن، لأنه يكيل بمكيالين، ويفرز القضايا الدولية بحسب مصالح قوى الهيمنة.كما أن المملكة قدَّمت خارطة طريق لإصلاح المجلس طرحتها في مؤتمر دولي بروما في فبراير الماضي، ويتسق موقفها الأمس الرافض لهذه المنظومة العاجزة مع هذه القناعة التي عبَّرت عنها غير مرّة سابقاً.