د. محمد طالب عبيدات
كان عيد الأضحى المبارك فرحة ولا أحلى لتتويج عبادات الحج والصلاة والقيام والدعاء وقراءة القرآن وغيرها من العبادات في شهر ذي الحجة وما قبله، والعيد فرحة الأطفال والنساء والرجال والشيوخ وكل الناس، وأنجز الناس في العيد بامتياز صلة الأرحام والتواصل مع المحرومين والذين نحسبهم أغنياء من التعفّف، وتصافت القلوب وبادرت الناس لتجديد نواياهم فصفحوا وتسامحوا، وكسرت الناس نمطية ورتابة الحياة اليومية الروتينية ليشعروا بالإنبساط وثقافة الفرح، وتعلّم الشباب لغة الكبار في التواصل الإجتماعي وصلة الأرحام وثقافة العطاء، وتحاور الجميع على أرضية وطنية أساسها إحترام الرأي والرأي الآخر، واستعدّ الجميع للعمل بعد فترة استراحة، وعاهد الناس ربّ العزّة باستمرارية وثبات العقيدة والتوجّه والروحانية.
وإبّان لقاءاتهم تحاور المواطنون بالمواضيع الأكثر أهمية وسخونة على الساحة، فتحاوروا في وضع إقليم الشرق الأوسط الملتهب، وتحاوروا في الأزمة السورية وتداعياتها داخلياً وخارجياً وانعكاساتها على دول الجوار، وتحاوروا وأشاعوا في رئاسة الحكومة ومجلس النواب والأعيان وبرامجية خططهم الإستراتيجية، وتحاوروا في الفقر والبطالة والوضع الإقتصادي وقضايا الفساد وتنمية المحافظات، وتحاوروا حول واجبات المسؤولية واستئجار القوي الأمين، وتحاوروا في الكثير من القضايا.
كل ما سبق كان يمثّل الجزء المليء من الكأس مما شاهدنا ولاحظنا في العيد ونحن نعتزّ به ونفخر ونحيي القائمين عليه ونكبر بهم، لكنني سأوجز الجزء الفارغ من الكأس والمتمثّل في بعض السلبيات التي سأذكرها على سبيل تصويبها ونقدها بايجابية ليدرك البعض أخطاءهم وضرورة العمل على تكريس مواطنتهم وانتمائهم عن رضا وقلب خالص
لقد لفت نظر الجميع موضوع النظافة ورداءتها في المدن الرئيسة، فكانت مدننا -ومع الأسف- ليست كما عهدنا بيئياً، والمسؤولية بالطبع تشاركية بين المواطنين ومسؤولي الأمانة والبلديات في هذا الصدد، فمَنْ أسهم في رمي المخلفات الصلبة في غير الأماكن المخصصة لها هم المواطنون، ومَنْ لم يُحسن جمعها في وقتها هم المشرفون على عمّال الوطن، فلا يمكن أن نضع عامل وطن لكل مواطن كما لا يمكن أن نضع شرطي لكل مواطن، فالمسؤولية الوطنية والمواطنة تحديداً تقتضي بأن تظهر على الجوارح كالإيمان، ومع الأسف فهذه الظاهرة تتكرر في كل عيد وذلك لسوء إدارة هذا الملف من قبل بعض البلديات
قُبيل عيد الأضحى المبارك تنتشر الأضاحى داخل المُدن الرئيسة بالمملكة ابتهاجاً بالعيد لتحضير الأضاحي للناس للتقرب إلى لله تعالى، لدرجة أننا بتنا نشعر بأن حكمة مشروعية الأضاحي قد انتفت كنتيجة لتصرفات البعض والإبقاء على الأضاحي في الأماكن السكنية
من القلب، بعد العيد / بقية
هذه التصرفات تتنافى مع أصول الشريعة والبيئة والصحة والأعراف والتقاليد. فأمانة عمان والبلديات عليها مسؤولية كبيرة ووطنية بإيجاد مقرات ملائمة خارج حدودها لغايات تأمين حاجات الناس من الأضاحي. والمكاره الصحية والتلوّث البيئي التي نلاحظها كنتيجة لتواجد الأضاحي داخل حدود التنظيم تتنافى مع الدين والنظافة والصحة ولهذا يجب محاسبة المقصرين تجاه صحة المواطن. فمناظر الأضاحي بهذه الطريقة غير حضاري البتة ويشكّل إساءة للدين وحكمة مشروعية الأضحية. ونحن بحاجة لوضع حد لاستهتار البعض بهوائنا وبيئتنا ومدننا.
وكما كان للفوضى في الطرقات كافة نصيب من قِبل الكثير من السائقين والمشاة على السواء، فتجد بعض الناس لا يسيرون بمركباتهم وفق قانون السير، بل أن شعار معظمهم كان الفوضى على الغارب، فلا إنتظام بإشارات المرور وحتى الإشارات الإرشادية أو حتى التحذيرية منها، فكان حجم المركبة لا قانون السير سيد الموقف على التقاطعات المرورية، بمعنى أن أولوية المرور للشاحنات فالباصات فالمركبات الصغيرة وهكذا، وحتى المركبات الصغيرة والمتوسطة التنافس بينها شديد على نظرية «الأولوية لمن يسبق الآخر»! وأيضاً لا يمكن لدائرة السير وضع شرطي مرور لكل مركبة، واستغّل البعض سلباً إعلان مديرية الأمن العام عن عدم ضبط المخالفات خلال العيد سوى الخطرة منها، فالأصل أن تظهر مواطنة السائق والمشاة لتنعكس على نظامنا المروري الآمن والقانوني
وحتى إغلاق المحلات التجارية كان بدون نظام أو وفق أي نسق، فالأصل أن توزّع الغرف التجارية والنقابات المهنية ذات العلاقة عطلة العيد على التجّار والمهن بالتناوب وفق برنامج زمني، ويعلم بهذا البرنامج المواطنون لغايات الإستفادة منه والإسهام في توفير طلباتهم، ولهذا فإن كل ذلك بحاجة لتنظيم أكثر ليسهم في حل مشاكل السير وتوزيعها وكذلك توفير الطلبات والحاجيات.
ولقد طغى «الإعلام الإلكتروني» على آليات تواصل المواطنين في العيد مع بعضهم أكثر من «التواصل الإنساني»، فكانت الرسائل القصيرة عبر الخليويات والبريد الإلكتروني وصفحات التواصل الإجتماعي كالفيس بوك والتويتر والسكايب والوتسآب واللينكدإن وغيرها فعّالة أكثر من الحديث الإنساني المباشر بين الناس، وهذا بالطبع يُفقد الجانب الإنساني نكهته وطعمه ورائحته. فالكل بحاجة لإعادة النظر في مسألة المواءمة بين التواصل الإنساني والإلكتروني بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر ولتبقى علاقاتنا الإجتماعية والإنسانية مع بعضنا أمتن ونموذجية أكثر وليست أسيرة لشركات الخليوي ووسائلها المبتكرة فقط في زمن الألفية الثالثة.
وحتى مناسبات الأفراح كالأعراس والخطوبات تتكدّس في الأعياد لدرجة أنه يتم دعوتنا لعشرات المناسبات في يوم واحد وفي فترة أربع ساعات بين محافظات المملكة كافة!
وهنالك الكثير من المشاهدات والملاحظات الإيجابية والسلبية التي أستطيع سردها حول العيد، لكنني أكتفي بهذا القدر لأؤكّد بأن البعض يحتاج لمراجعة مسألة مواطنته ولتنعكس على سلوكه في الشارع إبّان وقت الفرح ليكونوا مواطنين صالحين. ودعوتنا مفتوحة للجميع لتعظيم ميزان مواطنتهم وحسناتهم بعملهم كما عظّموا ميزان إيمانهم في موسم الحج!
وكل عام وأنتم والوطن وقائد الوطن بألف خير