الشاهد - الكوميديا والسخرية الاردنية لربما لم تخضع لتحليل موضوعي جاد ورصين. فرويد في كتابه النكتة وعلاقتها باللاوعي، فرق بين النكتة المجردة والنكتة الوظيفية المربوطة بالمعنى الخفي والباطني.
النكات تفضح اسرار الافراد والمجتعمات والشعوب. ولكي تعرف كيف يفكر شعب ما فاسمع نكاته. النكتة لها سياق اجتماعي وثقافي ونفسي، فما يضحك الاردنيين مثلا، لا يثير أي نازع فكاهي عند المصريين او السوريين او العراقيين، وكذلك بين الشعوب العربية والعجمية.
لربما أن المصريين واللبنانيين نجحوا عربيا في تصدير نكات وسخرية وكوميديا سياسية سوداء. وعلى خلاف بلدان عربية اخرى فان ثقافتها المحلية المغلقة، وترويج بضاعتها للخارج يصد بموانع كثيرة منها اللهجة والذوق العام وغيرها.
وحتى النكات والسخرية الاردنية فان الذائقة العامة مقسومة حولها. في برامج كوميدية اذاعية وتلفزيونية تسمع لنكات وسخرية لا تشبهنا وتثير اشمئزاز المتلقي اكثر من اضحاكه وشعوره بالتعاسة والخيبة والحسرة، لربما ان اللهجة والمفردة والقضية المتناولة غريبة ثقافيا واجتماعيا، ولا تشبه مزاجنا المحلي.
في انتاج الكوميديا استسهال، وهناك من يظن انه كوميدي يفجر الناس ضحكا وبهجة، وهو من ثقيلي الدم، ولا يصلح أن يكون راويا لنكات. انتاج الكوميديا في الاعلام لربما قلت كلفته مقارنة بانتاج الدراما والمسلسلات.
وهناك كوميدي تنتشر لتجاوزها الحدود الاجتماعية والاخلاقية. وتقدم خطابا كوميديا سطحيا وتافها. واكثر ما يضرب الابداع في الكوميديا الاردنية التقليد، الوجه اردني والمكان اردني والجمهور اردني، والمذيع والمذيعة ينطق بلهجة لبنانية، والقضية المثارة تكون كوبي بيست مسروقة من محطة اجنبية او عربية.
وثمة بون شاسع بين البذاءة والسخرية. ومن يستسهل النكتة الجنسية ويصدرها بلغة سوقية وسافلة تجذب مراهقين ومكبوتين، وهي من الكوميديا السهلة، تبتعد عن السياسة وتغازل الغرائز، وهي متفشية بطريقة غير مباشرة في الكوميديا التلفزيونية والاذاعية الاردنية.
الهوس باللبنانية أفسد الكوميديا الاردنية، والحالات كثيرة. ومن توهم انه قادر على اضحاك اللبنانيين قبل الاردنيين، كالطاووس نسي مشيته الاصلية والمشية التي قلدها. هوس الاردنيين بتقليد اللبنانيين ليس في الكوميديا فقط، بل بكل الفنون، وجل ذلك بالغناء الاردني، فنانون بلكنة لبنانية ويغنون بصوت ولهجة لبنانية، ويحبون على الطريقة اللبنانية. واذا ما الكوميدي والفنان بقى ناسيا للجمهور المحلي ويقلد الاخر فان مصيره الفشل.
الزميلان احمد حسن الزعبي وموسى حجازين يقدمان وجبة كوميدية محلية جريئة وثرية، وتحمل مفارقات اجتماعية وسياسية اردنية بامتياز، ولربما هما من القلائل في المشهد الكوميدي الاردني اللذين لم يتورطا في تقليد نموذج كوميدي عربي او اجنبي. أنتاجَا بالمنازعة ذوقًا كوميديًا أردنيًا بحتًا.