د. محمد طالب عبيدات
جاء الخطاب الملكي السامي في أروقة الأمم المتحدة ليحمل أبعاداً دولية وإقليمية ووطنية، إذ ركّز على ثلاثة مفاصل رئيسة في مجملها تحمل الهم العالمي والقومي والوطني في خضم تأزّم الوضع في إقليم الشرق الأوسط الملتهب سياسياً وعسكرياً، وهذه المفاصل الرئيسة هي القضية الفلسطينية الهاجس الأول للأمة العربية والإسلامية والأزمة السورية كأزمة إقليمية بالإضافة للإصلاح الشامل كمشروع وطني محلي.
فحمل الخطاب الملكي رسائل بعدة اتجاهات تهدف للتأشير لحلول واقعية على الأرض، حيث أكد جلالته على استمرار دعم الأردن وبقوة لحق الشعب الفلسطيني الثابت في اقامة دولته تجسيداً لطموحاته ووفقا لقرارات الأمم المتحدة وضمن تسوية شاملة وعادلة وحل لجميع قضايا الوضع النهائي، وهذه الوِقفات لجلالته وللأردن مع الشعب الفلسطيني ليست جديدة أو غريبة بل مستدامة ودوماً من القلب وتشكّل الموقف الرسمي الثابت من القضية الفلسطينية صوب تحقيق غاياته ومبتغاه وخصوصاً بعد تعثّر المفاوضات السلمية على الطاولة وعدم مضيها قدماً بين طرفي النزاع. وجاء التأكيد الملكي على أن السلام لا يمكن بناؤه في منطقة ملتهبة عسكرياً ومتأججة الأزمات بل يحتاج لبيئة حوار وتفاهمات.
أمّا بالنسبة للأزمة السورية فكان جلالته واضحاً بضرورة استخدام الدبلوماسية والحل السلمي والسياسي بدلاً من الحل العسكري وأساليب العنف –التي ستدوّل الأزمة وستؤثر على العالم برمته- وكحل وحيد لمواجهة الأزمة وكتوجه وموقف أردني مًسبق ومُعلن من الأزمة، مع ضرورة مشاركة الأطراف السورية كافة في الحوار لتشكيل المستقبل السوري. كما أشار الخطاب الملكي إلى انعكاسات الأزمة السورية على الأردن بشأن قضية اللاجئين وآثارها الاقتصادية والسياسية والديمغرافية والاجتماعية وغيرها والتي وضع المجتمع الدولي بصورتها.
كما عرّج الخطاب الملكي على وتيرة الإصلاح الشامل الذي تبناه جلالته ضمن رؤيته الإصلاحية للوطن وأكّد أن الإصلاح عملية ديناميكية وليست حالة راكدة أو ستاتيكية أو فزعوية أو ردود أفعال، وأن النهج الأردني في مسيرة الإصلاح الشامل سواء كان سياسياً أم اقتصادياُ أم تنموياً أم اجتماعياً هو حركة دائبة ومستمرة.
ولعلّ تأكيد جلالته مراراً وتكراراً بأن الربيع العربي يشكل فرصة لمأسسة التغيير الايجابي والضروري لبناء مستقبل منيع ومزدهر في منطقة الشرق الأوسط يؤشر على ضرورة الانبراء لاستثمار الربيع العربي ايجاباً لغايات الاصلاح الحقيقي ومحاربة الفساد وايجاد أسواق العمل الكافية للشباب بدلا ًمن الولوج في سلبيات دعوات الفوضى والتغوّل على الآخر باسم الاصلاح، وبهذا يمكن تحويل التحديات السياسية الى فرص قابلة للمأسسة على سبيل التطوير والاصلاح الشامل وبجديّة لأن الأمور السياسية والاقتصادية لديها ارتباط وثيق الصلة ومعظم المشاكل المجتمعيّة التي تطفو على السطح ذات طابع اقتصادي أكثر منها سياسي.
وتحذير جلالته من أن عدم التوصل إلى السلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية سيهدد الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمته وسيترك آثاراً سلبية على جميع الأطراف مؤشر على ربط القضية الأولى للأمة العربية بما يحدث بالربيع العربي على سبيل عودة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي لطاولة المفاوضات وتخلّص اسرائيل من عقلية «القلعة» ودفن رؤوسهم بالرمال وتصدير مشاكلهم الداخلية للشارع العربي
وعاود جلالته التأكيد على التزام الأردن بالاصلاح كنهج وسياسة راسخة ليكون الأردن انموذجاً متقدما للديمقراطية في الوطن العربي -ويستخدم الديمقراطية كنهج حياة لا فزعة مؤقتة- ويقوم أيضا على أساس تقوية الطبقة الوسطى ويزيد من مشاركتها السياسية والاقتصادية ويعزز دورها في العملية الديمقراطية كمؤشر على نظرة جلالته الثاقبة للربط بين الأمور الاقتصادية والسياسية والعودة الى الجذور وليس القشور لغايات الاصلاح الحقيقي والذي أساسه ايجاد وتحصين وتمكين الطبقة الوسطى والقضاء على الفقر والبطالة ومحاربة الفساد.
الدبلوماسية الأردنية الفذّة في المحافل الدولية والمواقف القومية والإنسانية والحالة الاصلاحية الأردنية الداخلية الشاملة التي يقودها جلالة الملك المعظّم والتأكيد على القضية الفلسطينية كقضية العرب المركزية والجهود الأردنية صوب حل الأزمة السورية سياسياً لا عسكرياً تجعلنا نحن الأردنيين شامخي الرؤوس ورافعي الهامات ومشرئبي الرقاب وفخورين بانجازاتنا وحالتنا الأردنية وقيادتنا الهاشمية المظفّرة!