حادثة طعن السائحين في جرش وضرورة تطوير واحكام منظومة الأمن السياحي
احمد عبد الباسط الرجوب
السياحة ظاهرة قديمة رافقت الانسان عبر تاريخها الطويل حتى أصبحت صناعة العصر الحديث واكتسبت أهمية خاصة نظرا لتعدد النشاطات المرتبطة بها وضخامة الاستثمارات التي تقوم عليها ودورها الهام والواضح في اقتصاديات كثير من الدول من خلال اسهاماتها في الناتج المحلي وقدرتها على رفد الخزينة من العملات الصعبة ، تعتبر السياحة أحد القطاعات الاقتصادية الحركية التي يزداد الاهتمام بها والحاجة إليها في عالم اليوم خاصة في تلك الدول التي تعتبر هذا القطاع أحد الروافد الأساسية في عملية التنمية نظراً لما تدره من عوائد للبلدان المستقبلة، فوجود صناعة سياحية متكاملة تتضمن عدة عناصر متفاعلة كالتخطيط والتشييد وحسن توظيف الإمكانات وتسيير الخدمات، على أن السياحة هي نشاط تجاري مرتبط بتوفير خدمات الإقامة والترفيه بالنسبة للأشخاص الذين يبحثون عن متعة المكان ...
وفي معرض حديثنا عن فاجعة الاعتداء الاثيم على السائحين ورجال الشرطة والادلاء السياحيين في مدينة جرش يوم امس الأربعاء 6 نوفمبر / تشرين2 2019 وما تسببه من الإساءة الى بلادنا كدولة مضيفة يقصدها السائحون من مختلف دول العالم لانهم قدموا الى بلادنا للتنزه والسياحة في بلد توفر الامن السياحي في اكمل معانيه بحيث يشمل أمن السائح أمنه في نفسه وماله وعرضه وحمايته من الجرائم والمضايقات التي يمكن أن تقع عليه، وفي التوازي ايضا أمن الساحة واذي نقصد به أمن المنشآت السياحية والمواقع الأثرية والثقافية والدينية والتاريخية…، وغيرها ، حيث يندرج الأمن السياحي ضمن البعد الاقتصادي باعتباره أحد المجالات الاقتصادية المهمة، ويرتبط تحقيق الأمن السياحي بالأنماط الأخرى للأمن (الأمن الاجتماعي، الأمن السياسي، الأمن العسكري، الأمن الثقافي، الأمن البيئي…إلخ) نظراً لأن هناك تفاعل تعاضدي بين مجالات الأمن المختلفة...
ان ما اقدم عليه هذا المجرم بفعلته الإرهابية في جرش قد عكس واقعا جديدا غريبا في سماته عن المجتمع الأردني وتعامله مع الضيف وبخاصة الأجانب الذين قدموا لغايات السياحة سيما وان بلادنا مصنفة امنيا من الدرجة الأولى في المنطقة برمتها ... وهنا نقول بان هذه المشكلة تولد اتجاه عكسي أي أن يحدث انخفاض أو تباطؤ في النمو السياحي بسبب هذه الحوادث الأمنية، وبحيث تختلف هذه الأخيرة في طريقة تأثيرها على السائح مقارنة بأية حوادث قد تواجه السائح ، فبينما يمكن أن يتفهم السائح إمكانية وقوع كارثة طبيعية في وجهة سياحية معينة، مثل حدوث زلزال أو أمطار شديدة، أو عواصف وأعاصير باعتبارها ليست من ارتكاب البشر، وإن احتمال حدوثها يمكن التنبؤ به، ومنه يمكن تجنب القيام بالسياحة وقت الحدوث، وبعد زوال تلك الكارثة الطبيعية وآثارها يستطيع السياح التوجه إلى الوجهة السياحية، وهو على قدر من كبير من الاطمئنان واليقين، لكن المشكلة إن كانت هناك اختلالات أمنية من صنع البشر، فعدم الاستقرار السياسي والارهاب والجرائم الجنائية، والمعاملة السيئة للسائح ونقص الرقابة الأمنية كلها تجعل السائح يلغي فكرة التوجه لهذا المكان الذي تحدث فيه الاختلالات الأمنية...
ولضمان ما يدعى بالسياحة المستدامة لا بد من وجود عنصر الاستثمار في الثروة السياحية والتجهيزات والتسهيلات السياحية التي تراعي متطلبات السياح، وتوفر لهم المناخ المناسب للراحة والترفيه، وتنطبق هذه الحالة على الكثير من الدول الرائدة في هذا المجال كالولايات المتحدة وكندا وفرنسا وماليزيا وتركيا، لكن إن تواجدت عدة صعوبات وتحديات تهدد استقرار القطاع السياحي والاستثمار فيه، فإن ذلك يعتبر عائقاً أمام فاعلية هذا القطاع واستدامته، لاسيما إذا تعلق الأمر بالجانب الأمني الذي يُعتبر القاعدة الأساسية لجلب الاستثمار باعتبار أن الرأسمال يستثمر في مناطق الاستقرار.
ومن الأمثلة المشهورة لتأثير الأعمال الإرهابية على السياحة آثار الاعتداء على برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر / ايلول 2001، حيث انخفض الطلب العالمي على السياحة في الولايات المتحدة بنسبة 7.4% في عام 2001 و2002، وتسبب في بطالة أكثر من 10 ملايين موظف في مجال السياحة على مستوى العالم، وانخفضت نسبة الأشغال في الفنادق الأمريكية بنسبة أكبر من 50% رغم تخفيض نسبة الأسعار بـــــــ 40%، وهو ما أدى إلى تراجع في الاستثمارات السياحية نظراُ لتراجع نسبة الفوائد...
تؤثر المشاكل الأمنية والإرهاب والقلاقل والتهديدات الامنية بشكل كبير على السياحة، فالسياحة صناعة حساسة للأزمات الدولية والإقليمية من حروب وأعمال عنف وإرهاب، مثلما هي حساسة بالجريمة والفساد والأمراض الفتاكة وغيرها من عناصر الأمن الوطني، فمثلاً تعد الحرب أمراً مأسوياً بالنسبة إلى السياحة، فالنشاط العسكري يُمكن أن يُدمر البنية التحتية ويشل الاستثمار السياحي، وخير مثال في منطقتنا العربية خير دليل على ذلك فالحرب في العراق وسوريا أدت إلى ّإلحاق الضرر الكبير بصناعة السياحة وشلت حركة الاستثمار الداخلي والخارجي التي كانت مزدهرة في هذه البلدان...
صفوة القول ... الانفلات الأمني والإرهاب المجتمعي عوامل لها آثار على الاقتصاد المحلي وعلى العمالة في وقت يحتاج البلد إلى للعملات الأجنبية، وفوائد التنمية الاقتصادية الناتجة عن السياحة، ويؤثر عدم الاستقرار السياحي في التنمية السياحية عن طريق انخفاض مرجح في الاستثمار المحلي والأجنبي في مجال البنية التحتية السياحية، وعن طريق زيادة التكاليف تأمين هذه الاستثمارات وانخفاض حركة السياحة الدولية ، كما يمتد هذا التأثير في كل الأنشطة المتعلقة بالاستثمار السياحي فقط، ففي حال حدوث انفلات أمني، سيتوقف المستثمرون عن سداد القروض التي حصلوا عليها من البنوك، وكذلك فوائدها بالإضافة إلى التوقف عن استعمال المنشآت السياحية أو القيام بافتتاحات جديدة، وهو ما يؤدي إلى بطء في مُعدلات الاستثمار...
ختاما ... التدابير والإجراءات اللازمة لحماية الاستثمار السياحي من المخاطر الأمنية كلها تتطلب تحقيق أمن الاستثمار السياحي وتأمين السياحة بشكل عام، ومواجهة مختلف الأخطار الأمنية التي تواجههما، حتى يتم تنشيط حركة الاستثمار السياحي، وإضفاء الإحساس بالطمأنينة والشعور بالأمن على كافة مشتملات عناصر السياحة وفيما يتعلق بالجانب الأمني، فلا بُد من الجهاز الأمني بتفرعاته حماية الأنشطة السياحية من أي مخاطر وجعلها في مقدمة أهدافه الاستراتيجية الأمنية، ولا بُد من حشد كل الإمكانات المادية والبشرية لتحقيق مخطط أمني فعال يقوم بإجراءات وقائية رادعة قبل حدوث التهديد أو المشكل الأمني ومواجهته بطريقة سريعة في حالة الحدوث، وكما هو معروف بأنه يوجد لدينا في الامن العام وحدات متخصصة في هذا المجال لوقاية السائح والمُستثمر بالتنسيق مع أجهزة أمنية أخرى، ومن بين الأجهزة الأمنية المتخصصة في الأمن السياحي مثل: شرطة السياحة، والآثار، وشرطة البيئة وغيرها ، وتشمل أنشطة هذه الأجهزة الأمنية ما يلي:
1. تأمين حركة المستثمرين والمشاريع والمنشآت والتجهيزات السياحية ووسائل النقل وكل ما يتعلق بنشاطاتهم المختلفة.
2. مراقبة السوق السياحية، والتأكد من المواصفات اللازمة للبيع والشراء والتعامل مع السائحين، والرقابة على التنافسية السياحية بين المستثمرين طبقاً لأطر قانونية مُعينة.
3. تلقي الشكاوى والبلاغات من السياح والمستثمرين.
4. مكافحة الإجرام السياحي من خلال عدة إجراءات عملية ذات بُعد وقائي كالتفتيش الدوري، وتعزيز نقاط الملاحظة بالمناطق السياحية والأثرية والقيام بحملات تفتيش.
5. مراجعة وجود تراخيص مزاولة المهن المتصلة بالأنشطة السياحية لدى المستثمر والتعامل معها بشكل محترف، للتمييز بين المستثمر السياحي وبين الذي يحاول الاستثمار أو يرتكب مخالفات في قطاع، وهو أمر إيجابي لأنه يزرع الثقة في تعاملات السياح مع المستثمرين...
يُمكن أن نخلص مما تقدم الى نتيجة مفادها بأن السياحة في عالم اليوم ضرورة، ولنجاعتها لا بُد من أمننتها ووضع خطط واستراتيجيات تركز على كيفية جذب الاستثمارات المحلية والخارجية وحمايتها، كما ولا يخفى على أحد أن الأمن هو عصب الاستثمار فرجال الأعمال واصحاب رؤوس الأموال لا يستثمرون إلا في المناطق الآمنة التي تكفل لهم عائدات وفوائد مالية، فالافتقار إلى عنصر الأمن والاستقرار سيظل عائق رئيسي أمام تدفق السياح وتشجيع عملية الاستثمار.
باحث ومخطط استراتيجي