حمادة فراعنة
كل ذرة تراب من بلادنا عزيزة، فهي مجبولة بالعرق والتضحيات والتاريخ، بما فيها الباقورة والغُمر التي تساهل بشأنها المفاوض الأردني نحو حرية استعمالها للإسرائيليين عام 1994، على أمل فتح بوابات السلام والندية واستعادة جزءاً من حقوق الشعب الفلسطيني المُلزمة، ولكن بعد ربع قرن من العلاقات المسمومة والاشتباك السياسي مع حكومات المستعمرة، ثبت لكل الأردنيين الرسميين مع الشعبيين أن المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي يستعمل كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو غطاء ومحطات استراحة وأدوات تضليل لمواصلة برنامجه ومراكمة خطواته في التوسع وبلع كامل فلسطين، ومعيقاته لتنفيذ هذا البرنامج: فشله في طرد كل الشعب الفلسطيني عن وطنه، ولذلك يعمل بشكل منظم ومنهجي مدروس بجعل فلسطين طاردة لأهلها وشعبها نحو الأردن وباقي بلدان المنافي والشتات ما أمكنه ذلك.
للأردنيين برنامج مندمج ثبت تماسكه ولا خيار له بديلاً سوى الموت والاضمحلال والتلاشي، ويقوم على عاملين:
أولهما: الحفاظ على أمن الأردن واستقراره وأن يبقى وطناً للأردنيين، كما هي فلسطين كانت ولازالت وطناً للفلسطينيين، كما هي سوريا للسوريين ولبنان للبنانيين وهكذا.
وثانيهما: دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه الذي لا وطن له سواه، وإسناد نضاله لاستعادة حقوقه على أرضه.
هذا هو مسار الفعل الأردني، مهما تكالبت الظروف السياسية والاقتصادية، ومهما تدفق لاجئون من أي كان إلى بلادنا، فسيبقى الأردن وطناً وهوية وملاذاً دافئاً لأهله وناسه وشعبه ومن يختار أن يكون له حاضنة تأويه حتى يستعيد عودته لوطنه المغدور بالمآسي والخراب.
ومن هنا القيمة القانونية والمعنوية والوطنية لأراضي الباقورة والغُمر، ولكن ثمة قيمة سياسية في معنى ومغزى ومراد قرار إلغاء مُلحقي معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، وهو مغزى سياسي فهمه نتنياهو ولذلك عمل على الحضور إلى الأردن في محاولة لعدم تنفيذ الرغبة الأردنية وقرار عمان بإنهاء العمل باتفاق الباقورة والغُمر ، ولكنه لم يجد الاستجابة والتجاوب، فأدرك نتنياهو مغزى الرسالة السياسية الأردنية وأهمية دوافعها وهي باختصار: إن إلغاء ملحق المعاهدة، يعني وجود قدرة وامكانية وفتح الباب على فكفكة المعاهدة وإعادة النظر بمجملها طالما أن حكومة المستعمرة لا تحترم المصالح الوطنية الأردنية، وأن طريق المعاهدة لا يسير باتجاه واحد، بل يجب أن تبقى باتجاهين، وأن الأردن لا يقبل المساس بحقوقه وكرامته ومصالحه، وأن عاملي المصالح الوطنية العليا للدولة الأردنية يقومان على: 1- أمن الأردن بكل ما تحمل هذه المفردتين من معنى، 2 – استعادة حقوق الشعب الفلسطيني ومنها وضمنها الوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية، ووقف الاستيطان وإزاحته، واعتبار الضفة الفلسطينية والقدس أراضي محتلة تنطبق عليها القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وهما عنوان الاخلال الإسرائيلي بالمصالح الوطنية الأردنية، ومن ضمنها الفلسطينية وذلك لسببين:
أولهما: أن الضفة والقدس اُحتلتا عام 1967، حينما كانتا جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، ويجب إنهاء الاحتلال عنها واستعادتها لأهلها وناسها الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية الممثلة بمنظمة التحرير وسلطتها الوطنية.
وثانيهما: أن الجزء الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم ومدنهم وقراهم عام 1948 ، يعيشون في الأردن الذي يحفظ حقهم في العودة واستعادة ممتلكاتهم في اللد والرملة ويافا وحيفا وصفد وبئر السبع وبيسان، والدولة الأردنية تتحمل المسؤولية في الدفاع عن حقوق هؤلاء اللاجئين باستعادة حقوقهم وفق القرار الدولي 194.
تلك هي الصورة، ذلك هو المشهد، وهذا هو مصدر القرار ومرجعيته.